حقوق المعلم على المتعلمين
ضحى حسين فليح الخفاجي*
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ضحى حسين فليح الخفاجي*

قالَ رَسولُ الله (ص): "إنما بُعُثتُ مُعَلماً" إنها المهمة التي كُلفَ بها رسول الله (ص) كان معلما للبشرية وهاديا ومنذرا ومبشرا ورحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات الى النور قال تعالى: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (الجمعة: الآية: 2).
ان التعليمَ أسمى المهن وأشرفها وأعلاها مكانة ورفعة إنها صناعة الإنسان وبناء الأجيال ففيها يتحمل المعلم مسؤولية عظيمة وواجبا كبيرا، فهو صانع الفكر والذي يشكل العقول والثقافات ويحقق نهضة المجتمع وله الدور الأساس في إنجاح العملية التربوية والوصول إلى الأهداف التربوية والتعليمية المبتغاة..
وفي بيان أهمية مهنة التعليم وعظم فضلها وأجرها وثوابها ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: قال رسول اللّه (ص): "يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام أو الجبال الرواسي فيقول: يارب أنى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك".
وقد حرص الاسلام على تهيئة الاجواء المناسبة للعلم ليعطي ثماره وتتحقق غايته فحفظ للمعلم حقوقا على طلبته فالمعلم لا يمكن ان يؤدي واجبه اذا لم تتحقق متطلبات عدة، يأتي في مقدمتها تأدية المتعلمين لواجبهم تجاه معلمهم؛ لأن المعلم والمتعلم هما طرفا العملية التعليمية، وقد ذكر الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في رسالة الحقوق ما يجب على المتعلم تأديته لمعلمه من حقوق، وجعله مسؤولا عن رعايتها، والقيام بها، فقَال الإمام زين العابدين (عليه السلام):
"وأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ بالعِلْمِ فالتَّعْظِيمُ لَهُ والتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ وَحُسْنُ الاسْتِمَاعِ إليهِ وَالإقْبَالُ عَليْه وَالْمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفْسِكَ فِيمَا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ وَتُحْضِرَهُ فَهْمَكَ وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ وتُجَلِّى لَهُ بَصَرَكَ بتَرْكِ اللّذَّاتِ وَنقْص الشّهَوَاتِ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَالَتِهِ وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ".
على المتعلم أن يراعي امورا تتمثل بــــ:
- (التَّعْظِيمُ لَهُ): ان احترام الطلبة للمعلم تأتي في مقدمة حقوق المعلم على طلبته، فالاحترام يعد من العوامل الرئيسة التي تحافظ على العلاقات الانسانية بين المعلم وطلبته ويشجع المعلم على ان ينفع طلبته بعلمه ويوفر الارضية المناسبة والاستعداد النفسي للتعلم، فالمعلم هو بمكانة الاب والأخ والناصح للمتعلم ويظهر احترام الطلبة لمعلمهم بصور متعددة كالوقوف عند دخوله عليهم، فعن الامام علي (عليه السلام): "قُم عن مَجلسِكَ لأبيكَ ومُعلمكَ وان كُنتَ أميراً"، والحرص على التواضع للمعلم ومخاطبته بألفاظ مهذبة والابتعاد عن رفع الصوت عليه عند مناقشته وذكر كل ما هو جميل عنه والابتعاد عن اغتيابه بذكر مساوئه، ولا ينسى المتعلمون الدعاء بالخير لمعلمهم.
- (وَالتَّوْقِيرُ لِمَجْلِسِهِ): ان توفير الاجواء الملائمة للمعلم في القاعة الدراسية من هدوء وسكون والابتعاد عن التصرفات غير اللائقة واثارة المشكلات داخل القاعة الدراسية ومقاطعته اثناء حديثه او الاجابة عن التساؤلات الموجهة للمعلم ظنا من المتعلم انه يعرف الإجابة وتعلم الاستئذان قبل التحدث لطرح سؤال، وإلقاء التحية عليه قبل غيره تشير الى توقير المتعلمين لمعلمهم، فعن الإمام علي (عليه السلام): "وإذا دخلت عليه وعنده قوم فسلم عليهم جميعا وخصه بالتحية دونهم واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه ولا تغمز بعينك ولا تشر بيدك ولا تكثر من القول قال فلان وقال فلان خلافا لقوله، ولا تضجر بطول صحبته فانما مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك شيء".
- (وَحُسْنُ الاسْتِمَاعِ إليهِ وَالإقْبَالُ عَليْه): وأشار الإمام زين العابدين (عليه السلام) الى اهمية ان يحسن المتعلم الاستماع لمعلمه والتوجه التام له فيكون كله اذنا صاغية لمعلمه اذ إن الاستماع الجيد الى المعلم وتركيز الانتباه اليه أثناء تقديمه الدرس وشرحه وعدم الانشغال عنه والتفكير بأمور أخرى تؤدي الى شرود الذهن، يمكن ان يكون لها الأثر الايجابي في إيصال الرسالة التعليمية الى المتعلم، فهي الخطوة الأولى للتعلم وتعد مفتاحا للفهم والتفكير والتخيل وتساعد على التوصل الى الاستنتاجات.
وقد أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في آيات عدة بالاستماع إشارة الى أهميته ومنها قوله تعالى: "فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)" (الزمر: الآية: 17-18)، وعن الإمام الباقر(عليه السلام): "إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع احرص منك على أن تقول وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول، ولا تقطع على احد حديثه".
- (وَالمَعُونةُ لَهُ عَلَى نفسِكَ فِيمَا لا غِنَى بكَ عَنْهُ مِنْ الْعِلْمِ بأَنْ تُفَرِّغَ لَهُ عَقلَكَ وَتُحْضِرَهُ فَهْمَكَ وتُزَكِّي لَهُ قَلْبَكَ وتُجَلِّى لَهُ بَصَرَك): وعلى المتعلمين التفاعل والتعاون مع معلمهم بالاستعداد والتهيئة والحضور المنتظم وفي الوقت المحدد والابتعاد عن التغيب والمشاركة العلمية في الدرس والإجابة عن ما يطرحه المعلم من أسئلة وطرح وجهات نظرهم وآرائهم وتأدية الواجبات التي يكلفهم بها في مواعيدها والصبر على الموقف التعليمي وما يتطلبه من بذل الجهود والابتعاد عن كل العادات السيئة التي يمكن ان تحرم المتعلم من الإفادة مما يقدمه له معلمه فهذا يعد عاملا مهما يساعد على تحقيق التعلم الصحيح.
- (وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ فِيمَا أَلقَى إلَيْكَ رَسُولُهُ إلَى مَنْ لَقِيَكَ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ فَلَزِمَكَ حُسْنُ التَّأْدِيَةِ عَنْهُ إلَيْهِمْ، ولا تَخُنهُ فِي تَأْدِيَةِ رِسَالَتِهِ وَالْقِيَامِ بهَا عَنْهُ إذا تَقَلَّدْتَهَا): ويشير الامام زين العابدين (عليه السلام) الى ان المتعلم تقع عليه مسؤولية توصيل ما تعلمه الى الناس الآخرين الذين يجهلون ما تلقاه من علوم ويجب ان تنقل هذه العلوم بصدق وامانة.
*جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم العلوم التربوية والنفسية
ماجستير بتخصص طرائق تدريس الاجتماعيات
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat