صفحة الكاتب : راضي المترفي

اعترافات الملازم زكي / 17
راضي المترفي

 علقت بذهن المقدم زكي تلك اللحظة المحزنة ساعة تصادف مروره واصابة احد جنود السرية باصابة خطرة جعلته يتمدد على الارض ويترك التأوه من الالم ثم يمد يده باتجاه جيب قمصلته الداخلي ويخرج منه صورة لامرأة وطفل ثم يرفعها اما ناظره بيده الراعشة وينظر لها بانكسار شديد ثم تلمع عينه وتنحدر منها دمعة حارة تسيل على خده وتمتزج بالدم النازف جراء الاصابة وسط حيرة زكي وعجزه عن تقديم مساعدة مهما كانت بسيطة لرفيق سلاح في لحظاته الحرجة مما جعله يلعن الحرب ومن جاء بها ويشتم من يبتكر الاسلحة والادوات التي تفتك بالانسان وتحوله في لحظات الى مجموعة اشلاء بعد محطمة بعد ان كيان قوي متماسك وآمال واحلام يطمح لتحقيقها وانجازها .
. طلب الجريح قليل من الماء فما كان من عريف جاسم الا اخراج زمزيته وسكب بعض الماء على اصابعه وامرارهن على شفاه الجريح لكن الجريح قال له : عريفي سواءا سقيتني او ابللت شفاهي النتيجة واحدة سأموت بعد لحظات .. اسقني واترك المقادير تجري فقال جاسم مشجعا :
لا..لا .. انت قوي وجرحك بسيط وستشفى ان شاء الله وبمجرد ينتهي زخم الهجوم سأحملك على كتفي نحو وحدة الميدان الطبية وان شاء الله ستكون معافي في ظرف ايام .
. عريف جاسم لست خائفا من الموت لكني اتمنى ان ارى في لحظتي هذه طفلي الصغير لاحتضنه واشمه واملأ عيني منه قبل مغادرة هذه الدنيا واعتذر منه لاني جنيت عليه وجبته لهاي الدنيا وراح يشوف مثل ماشفت لو ما متزوج موكان احسن حتى لااجني على واحد غيري . وزوجتي لاعتذر لها عن ما سأسببه لها من ألم وحزن .
انحدرت دموع زكي وفقد شعوره بما يجري حوله من قتال واشتباك بالحراب او كما يسميه العسكر بالسلاح الابيض وتضرع الى الله بخشوع المؤمنين ان يشفي رفيق السلاح الجريح من اجل طفله وزوجته خصوصا وان الطفل لازال وليدا والمرأة في مقتبل العمر . وتذكر سليمه وهاله ان تلاقي نفس المصير لو كان تزوجها وهو بهذا الوضع فحمد الله انها لاتزال على مبعدة من الترمل ومابينه وبينها لايتعدى مرحلة الحب والاستلطاف والتخطيط لمستقبل مشترك ثم سأل نفسه وهو ينظر الى زميله الجريح .. من هو الخاسر الاكبر الشاب الذي يخسر حياته ارضاءا لنزوة سفاح او مجرم او المرأة التي تصبح ارملة وهي لاتزال شابة يمكن ان تتجاوز احزانها بظرف سنة او اكثر وتبدأ حياتها من جديد مع رجل اخر .؟اكيد نحن الخاسرون لكننا نتناسى انفسنا ونفكر بهن من كثر حبنا وتعلقنا ببنات حواء .
راى عريف جاسم ان الوضع لايسمح بتأخيره لدقائق اخرى خصوصا وان النزف مستمر فأتخذ قراره بنقله من مكانه مهما كلف الامر وعندما هم بحمله اعترض الجريح وقال : انا ميت اتركني الفظ انفاسي هنا وماعليك الا ايصال هذه الصورة وبقية اغراضي الى عائلتي وابلاغهم سلامي واعتذاري واطلب من والدي رعاية طفلي وترك الخيار لزوجتي . لكن جاسم تعاون مع زكي وحملاه الى مكان اكثر امنا من هذا واحضروا مضمد السرية الذي قام باسعافات اولية ونبه الى خطورة حالته وهنا حضرت جاسم فكرة رائعة ونفذها على الفور وحمل الجريح بين ذراعيه ووضعه على المقعد الخلفي في الواز وادار محركها بعد ان اخذ معه جندي اخر واتجه فورا الى وحدة الميدان الطبية ووصل به الى هناك حيا فسلمه لهم واطمأن على اهتمام الاطباء به رغم كثرة الجرحى والمصابين وجثث المتوفين نتيجة الجروح وعدم اسعافهم قبل وقت مناسب.
بدأت للعين المجردة موجات بشرية زاحفة بأتجاه موضع السرية هجوم ايراني اخر بعد رحيل اخر خيوط الظلام والمقدم زكي يتخلى عن قمصلته ورتبته التي لم يمضي وضعها على كتفه اكثر من ساعات ويتمترس مع جاسم حسوني في موضع واحد ويقاتلان وهم يسمعان ربيع مطير يرمي ويهزج ( يعماره ابنج عايف روحه ..هيه ..هيه ., تي .. تي ) ولم تصمد السرية المنهكة والمتعرضة الى ستة هجومات سابقة طويلا اضافة الى ثقل هذا الهجوم وكبره فأصيبت بالانهيار وتمكن الايرانيون من احتلال موضعها وقتل عددا من عناصرها واسر الاخرين وعلم اللواء والفرقة بالامر فأصدر امر اللواء امرا بالبحث عن مراتب من السرية استطاعوا النجاة من الموضع بعد دخوله من قبل الايرانيين ولم يعثروا الا على مخابر السرية فأتوا به الى امر اللواء وهو يمتلىء رعبا خوفا من الاعدام لانه الباقي الوحيد على قيد الحياة من سريته بعدما ذاق الويلات في الهجومات التي شنها الايرانيون على السرية
. قال له امر اللواء مااسمك .؟.
. نائب عريف مخابر جابر غنام سيدي .
. صف لي وبالتفصيل ماجرى للسرية بالهجوم الاخير يا نائب عريف جابر .؟
. سيدي لااستطيع الوقوف وبحاجة الى ماء وشاي واكل لاتمكن من الكلام .
. لك ماتريد
. جلس جابر في مكان ملحق بموضع امر اللواء الفاره الحصين واتوا له بماء وطعام وشاي وسكائر وقال ممنيا نفسه ومواسيا لها : لقد قتل جميع افراد سريتي من دون وداع حتى. وفي اللواء الان ينفذون لي كل ماطلبت وحتى موتي قد يكون سريعا على عكس اصدقائي الاعزاء يرحمهم الله .. يالله خل اكل واشرب وادخن وبعدها ليصدر امر اللواء امره باعدام الناجي الوحيد من المعركة لكي لايكتشف الاخرون انهم تركوا سرية تتحمل وزر صد سبعة هجومات ايرانية من غير دعم او امدادات او تعويض ومن انا لكي يحسب حسابي .. ؟ مجرد جندي فلت من حراب وبنادق الايرانيين ويجب ان يموت ببنادق حماية القائد!! .
تناول طعامه وطلب شايا اضافيا واشعل عدة لفافات تبغ واخبرهم انه جاهز للقاء السيد امر اللواء .
. جلس في حضرة القائد الميداني وحدثه عن السرية بالتفصيل وعن علاقة المقدم زكي بمعيته وكيف كان يتجول بينهم ويأكل معهم ويعيش عيشتهم وكيف كان يتألم لالامهم وتوقف طويلا عند قضية الجندي الذي جرح في احد الهجومات الستة التي تعرضت لها السرية وكيف كان موقف امر السرية وتعاطفه معه وبكائه وتضرعه لاجله وكيف قام هو وعريف جاسم حسوني بركوب الخطر والمجازفة من اجل انقاذ حياة جندي واحد وليس سرية او فوج او فصيل .طلب منه امر اللواء ان يختصر شرحه فقط على الهجوم الذي احتل به الايرانيون موضع السرية .. اعتدل في جلسته وقال مخاطبا امر اللواء:
بعد ما تم صد الهجوم الايراني السادس وبدأت خيوط الضياء تتكشف شعرنا كسرية بالفخر لصمودنا وصدنا جميع الهجمات وكانت خسائرنا محدودة قياسا لخسائرهم التي ملأت الارض وقمنا بنقل الجرحى والشهداء الى الخلف وحسب البعض منا ان الايرانيين لن يأتوا باتجاهنا بعد الان خصوصا وان النهار بدء والرؤية اصبحت واضحة وفشلت جميع تعرضاتهم لكن التبليغ الذي حمله للسرية عريف جاسم حسوني من السيد الامر كان كفيلا باعادتنا الى جو المعركة اذ طلب منا جميعا الحذر وتهيأة العتاد المتبقي والسلاح وترصين المواضع وتوقع هجوم ايراني جديد ولم يطل الوقت حتى تقدم الايرانيون كقطعان ماشية او سحبا من الغيوم باتجاه قاطع السرية وطلب المقدم زكي من حوشي مطير ان يكون بالوسط ليسمع اهازيجه الجميع واشتبكنا معهم كاننا نخوض المعركة لاول مرة رغم محدودية عتادنا وتعب اجسادنا وانكسارنا على من فقدنا من أصدقائنا رفاق السلاح ويقيننا بأننا سنلاقي المصير نفسه وابدنا منهم الكثير وكان دور البطل المقدم زكي له ابعد الاثر في صمود السرية وكلماته المشجعه وتأكيده على ان من يموت شجاعا افضل بكثير من يقدم نفسه بخنوع واستسلام خصوصا بعدما تخلى عن قمصلته العسكرية واخذ يقاتل بالفانيله متنقلا بين الرباعية والاحادية والهاون والبندقية وكان هو وعريف جاسم حسوني يتبادلان المواقع وظهرت خبرة العريف جاسم الحربية بابهى صورها وهو يشخص المكان ويوجه الضربة وكانت هوسات حوشي مطير رصاصا اخر ينصب على راس العدو وكان كلما اطلق صلية يهوس بعدها ( عالوا بيك يلمنك تجي العيله .. اخذه من ايد ابن مطير ) ومرت ساعتان ونحن في اشرس قتال لكن عتادنا بدأ ينفذ ومائنا والايرانيين يتزايد عددهم واتصلنا طيلة الوقت بالمقرات الساندة فلم نحصل على دعم او اسناد حتى بدى للايرانيين انا نقاتل باخر ماتبقى من عتاد فشددوا هجومهم ولو تسنى لك رؤية المنطقة التي امام ساتر السرية لهالك منظر القتلى الايرانيين وعددهم الكبير ولتصورت ان هذا الحصاد لايقدر عليه لواء كامل بعدها اندفع الإيرانيين باتجاه موضع السرية واقتحموها واشتبكنا معهم بالسلاح الابيض وصمد جنود سريتنا صمودا عجيبا ومخيفا وكان اخر ما شاهدته هو تقدم احد الايرانيين نحو المقدم زكي الذي نفذت اخر اطلاقات مسدسه وهو يشهر حربة تلمع على اشعة الشمس وقبل ان يطعنه قفز عريف جاسم حسوني وضرب المهاجم لكن حربة الايراني وصلت الى بطن امر السرية ورأيت النزف منها كما رايت سقوط عريف جاسم بعدما ضربه ايراني اخر بأخمص البندقية على مؤخرة رأسه . ولم يتوقف الايرانيون بموضع السرية كثيرا قأندفعوا للامام وبما اني لم احلق ذقني لفترة طويلة كنت اتشابه معهم واغلبهم تصوروا اني جندي ايراني فركضت معهم الى ان حانت فرصة خصوصا واني اعرف المنطقة معرفة تامة من خلال تسليكي خطوط المواصلات فيها فذهبت في اتجاه اخر وكان الله سبحانه وتعالى قد كتب ان اكون من الاحياء لانقل خبر ملحمة لايصدقها من لم يكن شاهدها بعينه .. لقد قاتل كل جندي بالسرية قتالا لايمكن ان يقال عنه قتالا اعتياديا او روتينيا .. انا متاكد ان الكثير من مراتب السرية سيبقون على قيد الحياة اذا لم يصر الايرانيون على قتلهم بدلا من اسرهم وسيروون ذات يوم ملحمتهم التي سيتفاخر بها احفادهم .. وان لم يرووها هم سيعترف بها الايرانيون الذي اتمنى ان لايقتلون البطل الشجاع المقدم زكي خصوصا وهو جريح وان يبقى حيا كذلك عريف جاسم حسوني البطل ابو الغيرة
سأل امر اللواء جابر ..بأعتبارك اخر جندي غادر ارض المعركة هل تأكدت من موت امر السرية؟ وهل رأيت من جنود السرية من خرج سالما وترك الموضع الدفاعي بعد دخوله من الايرانيين .؟
سيدي .. بالنسبة لامر السرية انا لااجزم بموته وبالمقابل لااستطيع اعطاء ضمان بأنه بقي على قيد الحياة لكني كما قلت لك ان ايراني وصلت حربته الى بطن امر السرية ولو لم يحول جاسم دونها لاخرجها من ظهره على كل حال انا رأيته ينزف وجاسم سقط على الارض وهم لايعرفون امر السرية لانه من غير رتبة او قمصلة وبالمناسبة الايرانيين دائما يتوقعون ان الضباط يتركون ساحة المعركة قبل الاشتباك ولو عرفوا انه المقدم زكي لربما قتلوه بالحال وتبقى القضية خاضعة للاحتمالات سيدي قد ينجو الامر او يموت له الله .. والله بطل وطيب .وسيدي هي السرية كلها استشهدت لكن بعد ماعرفت الايرانيين ببطولة العراقي وصبره وصموده .
سأل امر اللواء جابر مرة اخرى ..جابر هل تعرف الشهداء بالضبط .؟.
. لاوالله سيدي عدا الثلاثة الاوائل وبعدها بالهجوم الاخير استشهدوا جماعة الهاون وما اعرف اسمائهم .
. طيب جابر انت ابقى بمقر اللواء لما تتوضح الامور وعسى ان يكون خير .
. امرك سيدي .
. امر امر اللواء بنشر مقدم زكي وسريته مفقودين ورفع موقف بذلك للفرقة .
. اشعل جابر سيجارته وقال مااعرف شقول على مقدم زكي وجاسم الله يكتب الهم السلامه لو الله يرحمهم . يمكن لو الله يكتب الهم السلامة ولو بالاسر احسن من غيرها .

 يتبع ...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


راضي المترفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/19



كتابة تعليق لموضوع : اعترافات الملازم زكي / 17
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net