تُم تك تُم تك تُم تك
أستيقظُت على صوتِ دقاتِ الساعة بعد ليلةٍ طويلة في الحرب مع الألم، لابد أن أتهيأ بسرعه فأبي ينتظرني...
خرجتُ مُسرعاً أتسابقُ مع الناس كي أصلَ إلى موقفِ الحافلة، بقيتُ أنتظرها و أنا فؤادي سفينةً مُثقبة تنتظر مطرقة أبي و مسماره كي تنجو من الغرق، طال صمودي و أنا أرى المارة تتشابك ايديهم بإيدي بعض و أنا أشبكُ ايدي الخيال و الرياح البارده ترفض دمعتي أن تنزل حتى وقف الباص و جلستُ إلى النافذة و عيناي تتجولان السماء، كُنت مُنقطع عن العالم حتى فززتُ على صوتِ رجُلٍ طاعن في السن قاسمني رغيف الخبز
قال تفضل يا بُني لم تسمح لي روحي أن أرفض فأنا كم تمنيت هذا الحنان و أن يُشاطرني أحدٌ ما يملك
بدأ يسألني بعض الاسئله:
لماذا أراى أشجار الخريف قد نثرت أوراقها على وجنتيك
لِما كُل هذا البؤس أو تستحقُ هذهِ الحياة؟
أشعر أن عينيك مُقيدة بسلاسلٍ من الحديد تشدها بقوة حتى تُمسك الدموع أن تذرف لكنها أحاطت التجاعيد فوقها، أشعر أن الحزن جعلك أكبر سناً
أطرق رأسه إلى الاسفل و تنهد ثم ابتسم و قال :
لكنك لا تزالُ وسيماً للغاية...
في تلك اللحظة أحسستُ أنه لابد أن أُحطم الجبال التي بنتها سنوات الأسى فوق فؤادي و اجعلها أوديةً لابد أن أتشارك ألمي مع الآخرون
أجبتهُ، أنا أبنُ الخامسة و العشرون خريفاً ولدتُ وحيداً
ولادتي كانت مشؤومةً على ابتسامةِ الحياة فبسببي قد تُوفت امي
للأسف لم أرها و ما تعرفتُ على الدُرةالتي طالما أخبرني أبي عنها، كبرتُ حتى عُمر الخامسة و أنا كُلما عانقتُ أصابع ابي كُنت أترك اليد الثانية فارغةً مفتوحة كي يملؤها خيال أمي لعل يوماً ما الخيال يُصبح حقيقة و أرى الخال الذي يتوسط إبهامها يحتضنُ أصابعي، لقد حفظتهُ جداً جداً لكثرةِ ما شاهدتهُ في صورها و كذلك أخبرني أبي عنه
قال لي:
أن في إبهامِ يدها اليمنى تشوهٌ مثل ولادتها لكن كان يُميزهُ خالٌ بنيٌ غامق؛ كانت ترى فيهِ جُرمٌ صغير وسط يدها حتى أصبحت تهيمُ بهِ و تجعل منهُ تذكاراً في جميع الصور، أما عن أبي فأني أنتظرهُ عشرون عاماً على أملِ أن يستيقظ يوماً هكذا أفعل مُنذ أن رقد في المُستشفى كل يوم صباحاً أذهب لرؤيتهِ و أنثر دمعاتي في هيئه تعويذات و أحمل معي مساميرهُ و مطرقتهُ لعله يعمل لي ألعابً من الخشب كما كان في سابق عهدهِ، أنه أُصيب في حادث سيارة و رقد مريضاً لا يتحرك سوى قلبه بقيَ ينبض، تنهدتُ بعمق و كأن جميع حسرات الدنيا في جوفي،
إجابني الرجل و عيناهُ مُغرورقتين بالدموع يسبحُ فيهما أملً مُحاول النجاة
قاطعتهُ قبل أن يتكلم لقد فهمتُ كلَ شئ من حديثِ عيناك سوف أحاول أن أنقذ ذلك الامل المتلألئ كي أعيش عليهِ كُل يوم
توقف الباص أنها نقطة الافتراق أيها الرجل الودود شكراً على ما شاركتني من الخبز لعله أجمل تذكارٍ منك.
نزلت من الحافلة و قدماي مُرتبكة الخُطى و يداي ترتجفُ و هي تفتح الباب و كأني طفل صغير لأولِ مرة يخرج إلى الشارع خائفاً من مقبض الباب، دخلتُ و أنا أُصور كل مشهد في ذاكرتي و كأنها مجموعة قصص في ساحةٍ واحدة، لقد تعود عليه الكثير مُنذُ عشرون عاماً حتى الآن لم أعد شيئاً مُهماً لدى أحد سوى الرجل الذي يُعد القهوة الى الأطباء دوماً كان يُلملم جراحي بحبات البُن و يمنحني الدفئ بذلك البخار المُتصاعد من الكوب، ناداني
مرحباً يا ولدي
كيف حالك
لقد تأخرت اليوم سبعة دقائق عن قدومك مقارنةً بباقي ايامك
انا تفاجأت و كيف لك ان تحفظني بهذه الدقة
ضحك و قال إنه عشرون عاماً ليس يوماً او يومين
تعال لأعد لك القهوه يا عزيزي
:ـ شكراً لك يا عم لابد أن أذهب إلى أبي
كما قُلت لقد ذهبت مني سبعة دقائق
كانت المُستشفى هذا اليوم تعجُ بالمرضى، مشيتُ الى جانبِ الحائط و أنا أُتمتم في داخلي و أقول يا ليت الحياة مثل فليم مدتهُ ساعتين أو مسلسلٍ ثلاثين حلقة و ينتهي و أكون أنا الكاتب الذي يتحكم بالادوار، أو يا ليت الساحرة التي في قصة سندريلا حقيقية كي أطلب منها أن تعيد لي أبي و أمي، أو ماذا لو لم تكن الشمس خرافة في تحقيق الامنيات مثلما رميتُ لها أول أسناني كي تُعطيني سنً آخر الآن تُعيد لي أبي، لم أشعر على نفسي حتى وصلتُ إلى باب الغرفة التي يرقد فيها والدي، أطرقتُ رأسي ضاحكاً على أفكاري عندها احسستُ أنني لم أكبر حتى الآن فعقلي عند عمر الخامسة توقف عندما تركني والدي، أخرجتُ يدي من جيبي و كي أرتب شعري المتناثر بعبث و أرتب ثيابي لعلي أرى ابي جالساً و بيدهِ كوب الشاي حتى يُخبرني كعادتهِ قديماً ب(ولدي الوسيم) فتح فؤادي الباب كي أدخل كانت الغرفة هادئة جداً فقط صوتُ جهاز القلب يعزفُ طنينً و قطراتُ المُغذي تتناغم معهُ، أما صوتُ جهاز الأوكسجين يعزفُ لحن الغريق، كانت موسيقى حزينةجداً و أنا أطبع نظراتي في كل مكان في جسده،وددتُ لو أدخل حرباً مع "الكانولا" على ما تركتهُ من الندب الزرقاء المُحمره على جسدِه،
أبي كم تمنيتُ مثل سائر الاولاد أن تعود كل يوم مساءاً إلى المنزل عائداً و معك العابً لِتجلس في وسطِ الطاولة نتبادل الضحكات و أطرافُ الحديث، و ترى علاماتي الدراسية و تُخبرني أنك فخورٌ بي، تحكي لي قصةً حتى يبهتُ ضوء الشمعة و يُصبح خشب المدفئ رماداً َ و تُغطيني بمعطفِ أمي ، لتنتهي لليلتي المُميزة بِقُبلةٍ منك على وجنتي و أحضنُ يدك التي كُنت ترسمُ عليها خالً بُني كي أشعر بأنها يد أمي، أتعلم بأن فؤادك كان مدينةً مثل سائر مدن الأحلام التي رأيتها في" الكارتون " ضحكتك مُستوحاةٍ من السكر و الغيوم حيث كلما رأيتها و كأنها أشبعتني من غزلِ البنات، يداك الحانية عطرها لازال مُلتصقً بي مثل الجوري،ليت بإستطاعتي أن أجوب العالم بِ بساطِ علاء الدين كي أحضر إليك دواءاً يُشفيك، لا بأس أنا سوف أنتظرك كثيراً، يُقال أن القمر مهما اختفى و أصبح صغيراً لابد أن يكتمل في نهاية الشهر هكذا أنت سوف تعود، اكملتُ حديثي معهُ و عُدتي أدراجي إلى المنزل إلى ذاتِ الظلام، لكن ثقب الحائط المُهترئ كان يدخل منه بصيصٌ من الضوء جعلني ءأنس بهِ، غرقتُ معه في بعضٍ من أحلامي و ما هي إلا دقائق رن هاتفي
إنهُ رقمُ المُستشفى
ألو
مرحباً
أهلاً بكم
يسرنا أن نُخبرك بأنه قد حدثت مُعجزةً مُخالفه للعاده في الغرفه رقم ٢٠٥
لقد لوح والدك بأصابعهِ للحياة من جديد
الآن هو ينتظر إحتضانك.
في تلك اللحظة وغلت نبضاتُ فؤادي في سباق، و عيناي أصبحت نهران، اطرافي ترتجفُ و فمي عاجز عن الكلام لم يكن بوسعي أن أفعل اي شي سوى اطرقتُ لاعانق الأرض بسجدةٍ للخالق...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat