صفحة الكاتب : الشيخ مصطفى مصري العاملي

أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟
الشيخ مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟
عندما كنت اسافر طوال أيام حياتي ، وأنا الذي امضى في السفر من سني عمره أكثر مما عاش في بلده ، كنت أسافر وأعود دوما الى والدتي.. أقبل يدها وأودعها ، فتدعوا لي  وتنتظر عودتي..
اما اليوم فقد تغير كل شيء في حياتي لقد تبدلت الأمور وتغيرت.. فقد سافرت والدتي سفرا لن تعود منه كما كنت أعود ..
لن تنتظر والدتي بعد اليوم عودتي من سفر ، بل أنها تنتظر أن أسافر اليها ..
فمتى سيكون ذاك اليوم الموعود؟

غالبا ما كنت ابلغها بموعد عودتي عدا بعض السفرات التي كنت أحب أن افاجئها برجوعي على غير ميعاد.. وكانت تمضي الأيام و الأسابيع بل و الشهور وهي تنتظر..
وعندما أتأخر  أحيانا عن موعد،  كانت تسمعني ما يجعلني أغير كل برامجي وجداول اسفاري..

وهي التي جعلتني في سفرتي الأخيرة التزم بأمرها لي بالبقاء بجوارها فنفذت ما طلبت وبقيت بجانبها طوال السنوات الثلاث الأخيرة بالتمام والكمال،

من يوم العشرين  من شهر شباط عام 2020 م والذي كان موعدا لسفري الذي ألغيته الى يوم العشرين من شهر شباط من هذا العام 2023 الى تلك الساعة التي رحلت فيها نفسها المطمئنة الى عالم الخلود ..

لم تسمح لي طوال هذه الفترة بالسفر الا لتخلية المنزل في قم وكربلاء شرط العودة سريعا بحيث لم أعد لأصلي هناك صلاة المقيم في محل إقامته كما هو الحال طوال السنوات الماضية بل صرت أصلي قصرا بعد ان الغيت من برنامجي فكرة الاستقرار  والإقامة بعيدا عن والدتي.

فلم أكن لأتأخر عن تلبية رغبتها، وهي التي كانت تسجل كل المواعيد ... وكل المناسبات وكل الاحداث.. وكانت تدون تاريخنا الخاص،  ويبدوا أن هذه الرغبة لدي في التدوين قد اكتسبتها بالفطرة من والدتي دون أن اشعر بذلك الا بعد رحيلها..
عندما أتصفح  بعض ما تركته والدتي من كتب الادعية التي كانت تقرأ فيها او المصاحف التي كانت تجود فيها القرآن فإنني أجد الكثير من أوراق الروزنامة اليومية وأجد فيها تاريخا دونته ووثقت فيه احداث سنين طوال ، أجده مصدرا لتدوين الكثير مما فاتني تدوينه.. وأجد كما يجد اخوتي والاقرباء على صور الأولاد والاحفاد  تاريخا كتبته تختصر فيه خلاصة بل وثمرة الزمن..
نجد على صورنا ونحن صغار  رسائل كانت قد بعثتها الى الوالد في أيام سفره.. او الى الجدات.. الى الاخوال والخالات والعمات.. توقعها باسم مصطفى..
و عبارة .. اليوم سافر مصطفى .. اليوم سنسافر الى عند مصطفى .. اليوم سنسافر مع مصطفى..
اليوم رزق مصطفى بالمولود الأول في الساعة الخامسة وخمس دقائق صباحا..
اليوم خطبة ابنة مصطفى.. واليوم رزقت مولودا .. وهو الحفيد الذي تعطيه رقما متسلسلا،  وهكذا تكتب تاريخ جميع افراد العائلة.. وتتبع أمثال هذه الكلمات بعبارات الدعاء..
اليوم .. اليوم .. اليوم ... اليوم ختمت القرآن .. وقد دونت على الورقة او على المصحف تفاصيلها... ونجد آخر رقم في جدول الختمات قبل سنوات 284 ختمة للقرآن.. فكم عدد ختمات القرآن التي لم ندونها ولكنها مدونة في سجل رقي الدرجات؟
***

أماه .. في هذا اليوم يكون قد مضى أربعون يوما على الفراق.. على السفر الطويل.. ولم أدون فيها شيئا كما هي عادتي، فقد شعرت أنني صرت في دائرة من زمن آخر تختلف عن كل حياتي فيما سبق.. لقد تغير الكثير في حياتي..
قبل اسابيع كانت سفرتي الأولى التي لم أقبل فيها يد والدتي قبل السفر.
نعم ودعتها في ذاك اليوم وهي راقدة في مضجعها الأخير  بسرير والدتها وجوار والدها وابنتها التي اشتاقت اليها بعد ان سبقتها الى الخلود باثنين وأربعين سنة وازدادوا مع الهجرة عاما.. وحفيدتها وبقية اخوتها واعزاءها واقرباءها.
يومها وقبل سفري ودعتها، ولكن بدل ان تدعوا لي كما كانت عادتها ، كان وداعي لها بقراءتي سورة الفاتحة على قبرها.. واخبرتها بأني سفري هذه المرة هو نيابة عنها لأزور عنها أئمتها الذين كانت تحدوا لنا بأسماءهم مذ كنا صغارا،  والبداية من أخت الرضا في قم الى مشهد فالنجف ثم كربلاء والكاظميين وسامراء وأختمها في الكوفة ومسجد السهلة.. وهل ننسى احديتها المسجلة وقولها حتى في أيام عجزها :( يا أبا الحسن يا علي.. نحنا محبيناك، يا أبا الحسن يا علي منموت عا دينك)
هذه الزيارة يا أماه نيابة عنك فليس لدي شيء آخر..
ظننت أن دعاءها لي  قد توقف بعد رحيلها أو انقطع  ... وأنها صارت بحاجة الى دعاءنا.. ولكن سرعان ما اكتشفت امرا آخر  إذ كان من الممكن ان تكون سفرتي هذه هي الأخيرة وأنني سأصل الى والدتي .. ولكن  ما اكتشفته هو ان خيمة دعاءها لا زالت تضللني ..
فمن أنقذني من ذاك الحادث الخطر على طريق كربلاء!!.. حيث دفع الله ما كان أعظم.. سوى العناية الإلهية التي منحتني فرصة إضافية قبل سفري النهائي.
ربما لكي أكمل ما وعدت أمي بأدائه من زيارات  الائمة فكان الالهام .. وكانت تلك العناية ، وكانت ثمرة الدعاء، وكان النجاة من القدر  الذي وصل الى قاب قوسين او أدنى.. فتأخر  يومها السفر .. وتأخر اللقاء..
فمتى سيكون اللقاء الموعود يا أماه..؟
***

أماه بعد صلاة الفجر من هذا اليوم أكملت عند ضريحك الجزء التاسع من الختمة الثانية.. بعد أن الزمت نفسي بقراءة جزء في كل يوم، فالختمة الأولى أكملتها عند علي عليه السلام .. وأنا شاهد منذ طفولتي على بعض خصائص علاقتك بأمير المؤمنين ..
اليوم نحن على موعد مع ذكرى أربعينك.. سيقرأ المجلس الحسيني فيه صهري بل صهرك الذي أحببت..
ستجتمع العائلة في افطار اليوم كما كنت تتمنين وترغبين..
هناك  حيث حضرت على كرسيك في آخر مجلس عزاء أقمناه في ذاك المكان الذي تحققت فيه رغبتك، ونفذت فيه وصية والدتك..
إن روحك ستكون حاضرة معنا.. تنظرين الينا من عليائك.. فقري عينا..


 الى روحك ثواب الفاتحة

انصار ، صباح الجمعة 

 9 من شهر رمضان 1444 هـــ

         الموافق : 31 آذار 2023

ابنك مصطفى


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/31



كتابة تعليق لموضوع : أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net