صفحة الكاتب : سعيد البدري

مواطن الضعف ومكامن الخطر ..
سعيد البدري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يوثق التاريخ حركة الامم ومنجزاتها واهم اسباب صعودها ،كما يحكي قصصا واحداثا تكشف عن اسباب تراجعها وانهيارها ،في واحدة من اهم الحوادث التي ادت لانحسار التأثير الاسلامي غربا بالتحديد في بلاد الاندلس ،هي تحول مؤسسة الحكم الى كانتونات صغيرة متحاربة متصارعة ،همها عقد التحالفات مع القوى المعادية لاسقاط مثيلاتها ،وتشير المصادر الى أن أسباب سقوط الأندلس ونهاية الحكم الاسلامي رسميا ،يعود إلى انخراط حكام تلك الدويلات الضعيفة في حروب مريرة وعدوات بينها للحفاظ على السلطة والجاه، وهي حروب ونزاعات أججها خصومهم ، إلى جانب انغماس الحكام في حياة الترف واللهو، والمبالغة في الإنفاق بدل الدفاع عن وجودهم .

 

ربما لا تصلح المقارنات في محاولتنا ايجاد نموذج مشابه للحالة العراقية ، التي تشهد صراعات سياسية غير منتجة ،وهذه الصراعات يمكن تأكيد اسبابها و حصرها بثلاثة اتجاهات رئيسية ،حيث يمثل كل اتجاه فيها مشهدا متداخلا مكررا ،لينتج عنها صورة مألوفة مشوهة في اغلب الاحيان ،فالعراق بلد تتنازعه المشاريع والارادات الدولية والاقليمية من جهة ،وتتقاذفة امواج خلافات المكونات ومشاريعها ،التي تبتلع الدولة او تضعف وجودها وحاكميتها من جهة ثانية ،فيما يعيش كل مكون همومه وصراعاته وتنافس اطرافه ، فيما تمثل محاولات كل فريق اظهار الغلبة وسيلة للتحكم بعمومية المشهد المحلي وفرض الوجود على حساب المصلحة العامة غالبا.

 

على الارض تمثل اميركا والغرب اتجاها يعكس الاطماع الاقتصادية والجيوسياسية ،ومن المفهوم ان صراعاتها مع قوى دولية واقليمية له تأثيراته السلبية على الداخل العراقي ،فالكثير من تلك الصراعات لاتعني العراقيين كشعب له ارتباطاته وامتدادته ،وكذلك رغبته في بناء علاقاته الخاصة و مصالحه المستدامة لتحسين وضعه الداخلي ،دون الالتفات لمصالح الاخرين ايا كانوا ،وهو ما لم يحدث ويتحقق واقعا حتى الان.

 

اما الاتجاه الثاني فهو داخلي صرف يرتبط بالخارج بشكل ظاهر ومكشوف ،تتحكم فيه لغة المكونات العرقية والاثنية والمذهبية ،فكل الاطراف تحاول البحث عن حليف داخلي وربما خارجي ،وهي ترى ان مثل هذا الحليف ودوره ضروري لتحقيق مصالحها ،بمنع طغيان واثرة الاطراف الاخرى ،فيما يشير تنازعها النفوذ الى رغبتها في الاستمرار بهذا المسار لتأكيد المخاوف واستمرار نهج عدم الثقة ،و هي تشير بوضوح لان مبررات بناء التحالفات هو شراكة المصالح ،و تجنب الاقصاء والتهميش الذي دفعت اثمانه في العهود السابقة.

 

الاتجاه الثالث الذي يجب عدم اغفاله هو ما يسود من اختلافات و نزاعات حول الزعامة داخل المكونات العراقية ،حيث تظهر بعض القوى ضمن نفس المكون محتربة منقسمة على نفسها او متنافسة مع غيرها ،وهي بالتأكيد تؤثر وتتأثر ولا فرق هنا بين مكون واخر، فجميعها تتشارك النزاع داخليا وقد يصل الخلاف حدود العنف ،فضلا عن التراشق وتبادل الاتهامات ،فتحاول عبر حركتها تأكيد الفاعلية ولو بأصطياد الاخطاء والعثرات على منافسيها لمنع تقدمهم ،ناهيك عن اجنحة وزعامات داخل الاحزاب والتيارات السياسية والتي تتفق و تختلف برؤيتها حول جزئيات برامجها واهلية شخوصها للقيادة وشغل المواقع ،ما يوجب ان تكون للتوازنات حاكمية في بنائها الداخلي ،واستنادا الى ذلك فأن حالة التعقيد الشديد للمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي العراقي، تنذر بتفاقم هذه الاشكاليات والتناقضات .

 

ان الدولة ككيان جامع يتطلب وجودها مؤسسات حكم فاعلة ونزيهة ، و تشظي القوى السياسية الكبرى وتحولها لمجاميع اصغر يشير لمسار سلبي ،فمع هذا الاتساع وعدم وضوح الهوية الجامعة تتصاعد لهجة الاتهام المتبادل ومن هو المتسبب بذلك ،ليضعف قرار الدولة وبالتالي تشرذمها وانغلاق مكوناتها ،مما يؤدي لتشتتها وقلة مساحات التلاقي بين ابنائها ،وهو ما يضعها امام قائمة طويلة من التحديات ،ومع ادراك الاعم الاغلب لهذه الاشكالية ينبغي عليهم ان يتمتعوا بالوعي اللازم لمواجهتها، من خلال توحيد الجبهات والسعي للتقارب ، نعم هناك ما يوجب عدم الانسياق خلف رغبات الفردانية والسير باتجاه التقاطع ،لان اضعاف الكيان الجامع الذي يمثل شرعية كل التوجهات مجتمعة، لن يحقق النتائج المرجوة حتى لمن يفكرون بعقلية الخائف ،وعدم الواثق الساعي لتأسيس كيانه الخاص دون حساب العواقب والمخاطر ، لأن الدولة لاتمثل لونا واحدا وهي لاتختص بمكون واحد ،او كما يعتقد البعض بأن قفزه عليها ينجبه المخاطر ويأخذ به الى بر الامان ،فمجرد الاعتياش على الدولة وتجيير مؤسساتها للانتفاع لن يدوم طويلا ،لان فيه تعجيلا بانهيارها ،ومن ثم تلاشي فرص نجاة الساعين لمواصلة الخوض بهذا المسار الخطير..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد البدري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/09/30



كتابة تعليق لموضوع : مواطن الضعف ومكامن الخطر ..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net