الزيارات المصرية المشؤومة الى العراق , ما لها وما عليها (2)
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثم جاء عقد السبعينيات وشارك العراق في حرب 1973 مع الجيوش السورية والمصرية , وحقق المصريون مكاسب عديدة , وخسر العراق الكثير من امواله وابناءه في سبيل القضايا العربية الخارجية , وبعد كل تلك الدماء الزكية والتضحيات العراقية ؛ قررت مصر التصالح مع اسرائيل ولم تأخذ رأي العراق او غيره في ذلك , وتم توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في عام 1978؛ مما أدى إلى توتر العلاقات مع العراق، الذي كان يعارض هذه الاتفاقية ؛ الا ان هذه الاتفاقية لم تمنع نظام البعث الهجين من استقدام مئات الالاف من العمال المصريين الى العراق , وتقديم كافة التسهيلات لهم على حساب العراق والعراقيين ؛ فضلا عن التبشير بالثقافة المصرية من خلال عرض الافلام السينمائية والبرامج الثقافية المصرية والتي تتقاطع في الكثير من الامور مع الثقافة العراقية والقيم والعادات والتقاليد الوطنية ؛ وقد تغير موقف مصر بقدرة قادر بين ليلة وضحاها عندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية , فقد دعمت النظام البعثي والمجرم صدام في حربه , لان مصر وسائر الانظمة العربية ترى في التشيع والشيعة خطرا يجب محاربته وتضييق الخناق على الشيعة بصورة عامة فضلا عن العرب منهم , لذلك هي ترى في ايران تهديدًا إقليميًا ؛ بينما كانت تقيم معها افضل العلاقات في عهد الشاه البهلوي ؛ فالأمر يتعلق بالتشيع الاسلامي واتباع ال البيت فحسب .
وشارك المصريون في الحرب , وباعت مصر للعراق اسلحة فاسدة ومستهلكة بصفقات مشبوهة , وفتح العراق ابوابه امام الملايين من العمال المصريين , وادخل هؤلاء الى العراق الكثير من العادات السيئة والظواهر السلبية والسلوكيات غير الاخلاقية ؛ حيث انتشر الفساد والتحلل الاخلاقي والتزوير وتعاطي المخدرات والفاحشة والاغتصاب والقتل والسرقة والنصب والاحتيال ... الخ ؛ بل ان البعض منهم شارك في عمليات تعذيب السجناء والمعتقلين العراقيين في السجون البعثية والمعتقلات الصدامية , واغلبهم او الكثير منهم عمل بصفة جاسوس للأجهزة الامنية القمعية ؛ حيث كتبوا الاف التقارير الكيدية والباطلة ضد العراقيين , وذهب ضحية تلك التقارير الاف الضحايا الابرياء من العراقيين الاصلاء , وحول هؤلاء عشرات المليارات من العملة الصعبة الى مصر , فكان هؤلاء المصريون يتنعمون بخيرات وثروات العراق بينما يساق الشباب العراقيين والرجال الوطنيين الى محارق حروب الوكالة ونيران المعارك الخاسرة ومقاصل الاعدامات وغرف التعذيب , و تمادى المصريون باستهتارهم وطغيانهم بسبب دعم النظام البعثي الهجين ولقيط العوجة لهم , وعاثوا في العراق فسادا وتخريبا ؛ فانتفض الشعب العراقي ضدهم بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية , و عندها قرر النظام الهجين وبسبب الضغط الشعبي , تسفيرهم الى مصر , الا ان الكثيرين منهم لم يغادروا العراق .
وبعد استرجاع الكويت عام 1990, شاركت مصر في التحالف الدولي ضد العراق , وحرضت المجتمع الدولي ضده , وشاركت في فرض الحصار القاسي ضد الاغلبية والامة العراقية , وشارك المصريون داخل العراق في التجسس لصالح القوى الاجنبية وجيوش التحالف الدولي , واتخذت مصر كالعادة موقفا معاديا للعراق والامة العراقية , واستمر موقف مصر المعادي للعراق حتى عام 2003 .
ولم ترحب مصر بالعملية السياسية والتجربة الديمقراطية الجديدة عام 2003 , واتخذت مصر موقفًا معاديا من مشاركة الاغلبية العراقية في الحكم ؛ وساندت كافة الحركات الارهابية والفصائل المسلحة الاجرامية , بل شارك المصريون في تنفيذ مئات العمليات الارهابية والجرائم والمجازر والصولات الانتحارية ضد الجيش والشعب العراقي , بحجة مقارعة الامريكان والاحتلال ؛ علما انها امريكية حتى النخاع فالعلاقة الأمريكية المصرية علاقة وطيدة وتاريخية ؛ وبالتالي هذه مجرد ذرائع وشعارات كاذبة , الهدف منها تضليل الرأي العام والقضاء على الاغلبية العراقية والرجوع الى المربع الاول ؛ كي يلعب المصريون بالعراق كيفما شاءوا وينهبوا ثرواته بلا حسيب ولا رقيب .
وكالعادة وبحجة النفوذ الايراني في العراق والمنطقة ؛ رأت مصر في ذلك تهديدا لمصالحها في العراق والمنطقة , وعملت على تعزيز علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، مثل السعودية والإمارات، لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق او بتعبير أدق : (( النفوذ الشيعي العراقي )) ؛ وقد كشف السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصرية السابق، عن قيام مصر بتحذير الولايات المتحدة الأميركية من تداعيات غزو العراق على المنطقة وانتشار ظاهرة الطائفية , وابلغت امريكا بعدم موافقتها لإسقاط صدام ؛ فالمهم والاهم بنظر ساسة مصر ان يبقى العراق محكوما من قبل الفئة الهجينة والطغمة البعثية والشرذمة القومجية والاقلية السنية التي تستجيب للضغوط والمطامع المصرية والعربية ؛ لذلك اتهم العراقيون ولا زالوا مصر بمحاولة إضعاف العراق وتشويه سمعة الاغلبية والامة العراقية والتجربة الديمقراطية والعملية السياسية ؛ من خلال دعم الفصائل المسلحة والتنظيمات الارهابية والاحزاب الطائفية ؛ وبث البرامج الاعلامية المنكوسة والطائفية والمعادية والتي أدت إلى زيادة الانقسامات والصراعات والحروب الداخلية في العراق وزعزعة الاوضاع العامة.
وارادت مصر الابقاء على نفوذها في العراق ونهب خيراته كالمعتاد , من خلال دعم بعض الفصائل الاجرامية المسلحة والتنظيمات الإرهابية في العراق , فضلا عن دعم بعض الاحزاب السياسية المعارضة , وايواء العناصر القومجية الطائفيين واعضاء البعث المجرمين في القاهرة ؛ ومع كل هذه المؤامرات المصرية , كان التبادل التجاري معها او بالأحرى استيراد العراق للبضائع والخدمات منها عاليا وكبيرا .
وعندما جاءت حكومة الاخواني الطائفي مرسي ؛ خرجت التظاهرات المصرية الاخوانية والطائفية والتي تدعو الحكومة المصرية الى اغلاق السفارة العراقية في مصر , ودعم السنة في العراق , وتطهير العراق من الفرس المجوس والمشركين ... الخ ؛ والمقصود بهذه العبارات الطائفية والعنصرية الاغلبية العراقية العربية ليس الا ... , وقام المصريون وقتها بمحاربة الشيعة ومهاجمة منزل بيت الشيخ الشيعي حسن شحاتة ورفاقه , وقتلوه شر قتلة , واستمرت التدخلات المصرية السلبية في الشؤون العراقية وارتفعت وتيرتها .
وكان من المتوقع أن يبادر نظام عبد الفتّاح السيسي ، كنظام عسكري- علماني يختلف بشكل جذري عن نظام الرئيس المخلوع محمد مرسي ذي التوجه الديني الطائفي ، إلى تحسين علاقات بلاده مع العراق ؛ الا ان حكومة السيسي لم تخرج عن منهج الحكومات والسياسة المصرية التقليدية تجاه العراق ؛ وكل الادعاءات السياسية المصرية والترحيب المشوب بالبرود والحذر تجاه العراق والاتفاقيات والعهود السياسية الثنائية ؛ شكلية وليست حقيقية , نعم الاتفاقيات الاقتصادية مع العراق حقيقية لانها تصب في صالح مصر والمصريين فقط ؛ اذ لم تنفتح حكومة السيسي على العراق الا بعد ان فتح العراق ابوابه امام العمالة المصرية من جديد , ودعوة الشركات المصرية للعمل والاستثمار في العراق .
في النهاية، يمكن القول إن هذه العلاقة، رغم تاريخها الطويل، لم تكن عادلة أو متوازنة ؛ بل كانت، في كثير من الأحيان، تصب في صالح مصر على حساب العراق وشعبه، مما يستدعي إعادة تقييم هذه العلاقة في المستقبل لضمان تحقيق مصالح جميع الأطراف بشكل متوازن وعادل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat