صفحة الكاتب : بتول حيدر رومان

ضوابط العبودية في الشهر المبارك 
بتول حيدر رومان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ماذا يريد الله من تلاوة القرآن في شهر القرآن ؟
إن القرآن الكريم دستور سماوي وضع لنيل مناهل العلم و الإرشاد ،فلكل أية هداية ولكل قصة موعظة ضمن طيات صفحاته الخالدة.
عن الإمام زين العابدين عليه السلام (آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها)¹.
وكون القرآن الكريم خطاب إلهي موجه للبشرية جمعاء ، فلا سبيل لفتح خزائن كنوزه إلا بتلاوته أولاً 
"قال الرسول صلى الله عليه وآله في خطبته لاستقبال شهر رمضان: "ومن تلا فيه آيةً من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور".
ثانياً الترتيل بالتدبر والتأمل بآياته والتعلم من دروسه وعبره وإرشاداته فقد حثت الروايات وأكدت على أهمية تلاوة القرآن بتأني وتمهل بما يعين على التدبر بمعاني الآيات في شهر رمضان المبارك.
"عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن علي بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير: جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا، قال: ففي ليلتين؟ قال: لا، قال: ففي ثلاث؟ قال: ها وأشار بيده، ثم قال: يا أبا محمد إن لرمضان حقا وحرمة لا يشبهه شئ من الشهور وكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل، إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلا فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله عز وجل الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار"².
و التدبر : هو النُّظرُ في دبر الأُمُورِ؛ أي عواقبها، وهُوَ قريبٌ من التَّفَكُّرِ، إلا أنَّ التَّفكرُ تصرف القلبِ بالنظر في الدليل، والتَّدبرُ تصرفُهُ بالنظر في العواقبِ.
ولا يكون التدبر بالهذرمة اي سرعة القراءة من غير الوقوف على معنى الآية والمقصود بها،وفهمها وزمانها ومكانها لأخذ الهداية منها.
فعن الإمام علي (عليه السلام): ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه."³
فكما أننا محتاجون إلى التدبر نحتاج معه إلى المفسر فكيف يكون التدبر

إن مسألة التدبر لا تخلو من اتفاق واختلاف بين علماء المسلمين فمنهم من قال بأن آيات القرآن الكريم لا يفهم معناها إلا عن لسان النبي صلى الله عليه و آله وسلم أمثال المجبرة ،و الأصح القول بأنه يمكن تدبر آيات كتاب الله من تفاسير رسوله والمعصومين عليهم السلام ،و من تفاسير أهل العلم التي لهم تفاسير علمية معتبرة وهذا عند الإمامية الاثنا عشرية ؛ وهنا لا بد لنا من بيان الفرق بين التفسير والتدبر 

تفسير من الفَسْرِ وهو: الكشف والبيان، وشرح للمعنى المراد من الآيات ، ولذلك سمي بيان كتاب الله تفسيرًا؛ لأنه يكشف اللثام عن معانيه اللغوية والسياقية والشرعية، باستعمال قواعد التفسير المعروفة عند أهله، وهذا هو علم التفسير.

بينما التدبر هو اتعاظ بالمعنى، واعتبار به وتذكر، وبينهما فرق، فالتدبر إدراك مغزى الآيات ومقاصدها، واستخراج دلالاتها وهداياتها، والتفاعل معها، واعتقاد ما دلت
عليه وامتثاله ،والتفسير يغذي القوة العلمية، بينما التدبر يغذي القوة العلمية والإيمانية والعملية، والتدبر أُمِر به عامة الناس للانتفاع بالقرآن والاهتداء به، ولذلك خوطب به ابتداءً الكفار في آيات التدبر؛

قال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾⁴.

وأيضا حسب ما اتفق عليه علماء المسلمين بأن آيات الكتاب المبين بكونه معجزة خاتم المرسلين والذي نزل باللغة العربية الفصحى شامل للسابق واللاحق يستطيع الإنسان العامي أن يتدبر آياته بأخذ ما هو واضح وظاهر من الآيات "كجزاء المجرمين" للتفكر بعواقب الأعمال ، والتعلم من القصص والتأمل بمعانيها والتفكر فيما فيها من نصح وعظة لتكون سبيل رشاد العباد في ممرات الحياة.

ومع اقتراب شهر رمضان شهر القرآن لابد لأمتنا من الالتفات لأهمية إرتباط القرآن الكريم مع شهر رمضان الذي نزل فيه القرآن كنهج سماوي على قلب نبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم في عصر الظلمات ليكون منارة وهداية للأمم والشعوب على مر العصور ، و لكونه حصن وحرز ودرع للمؤمنين فلا يكفي أن نتسابق لختمه عدة ختمات مع كونه صنع حسن ، ولكن الأوجب عدم تلاوته كمجرد ألفاظ و حروف بلا معنى وبيان ، بل علينا أن نتلوه بتدبر وتأمل و نستثمر هذا الشهر لما له من الأجر والفضل العظيم عند الله في تبيان ماذا أراد الله منا بتلاوة القرآن في شهر القرآن.

قال تعالى﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾⁵.
فيريد الله منا أن نقبل على القرآن ربيع القلوب وهداية الأرواح ، بعمق آياته ونتدبرها لتكون مفتاح خروجنا من هذا الشهر المبارك بخير الثمار مبصرين النور في حياتنا عبر العمل على إصلاح النفس وسلوكها وتغيرها للأفضل و ضبط الجوارح وافعالها نحو ما يرضي الله سبحانه وتعالى في سبيل نيل إستقامتنا وسعادتنا ونجاتنا.
الشواهد
١_  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٥٢٨.
٢_ الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٦١٧
٣_ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٥٢٨.
٤_محمد ٢٤.
٥_ البقرة: ١٨٥.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بتول حيدر رومان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/28


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : ضوابط العبودية في الشهر المبارك 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net