لماذا لم يشرب العباس الماء قبل مقتله!
غفار عفراوي
![](images/warning.png)
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من كتاب ما وراء الطف (غفار عفراوي)
أتصور أن كل شخص حين تمر عليه حادثة رمي أبي الفضل العباس الماء من يديه ولم يشرب، يشعر أن الأولى بأبي الفضل شرب الماء والتقوّي على الأعداء، ومن ثم الرجوع للإمام الحسين وهو اشد وأقوى من الحالة التي كان فيها شديد العطش. فلماذا لم يفعل العباس ذلك؟
أقول: إن هذا الشعور هو شعور عاطفي نحو أبي الفضل العباس وأخيه الحسين وما جرى علي
هم من مصائب ومحن في واقعة الطف. لكن الذي يتصفح تاريخ أبي الفضل وأدبه الإسلامي وأخلاقه العالية، لن يتردد لحظة بمعرفة ما سيفعله إن هو وصل إلى الماء.
لقد ترك لنا وللتاريخ وللأجيال المتعاقبة درساً أخلاقياً وإنسانياً غاية في المثل والإيثار والأخوّة، فكيف يرتوي بالماء وأخيه وإمامه والنساء والأطفال عطاشى! هذا هو أحد الأسباب الرئيسة في عدم شربه الماء بلحاظ أن واقعة الطف بكل تفاصيلها هي مدرسة للأجيال وفيها جميع العبر والدروس في الحياة.
حين بدأت المعركة اقبل شمر بن ذي الجوشن حتى وقف على معسكر الحسين عليه السلام فنادى بأعلى صوته: أين بنو اختنا عبد الله وجعفر والعباس بنو علي بن أبي طالب [عليه السلام ].
فقال الحسين عليه السلام لإخوته: ( أجيبوه وان كان فاسقا من أخوالكم). فنادوه فقالوا: ما شأنك وما تريد؟ فقال: يا بني أختي! انتم آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية! فقال له العباس بن علي: تباً لك يا شمر ولعنك الله ولعن ما جئت به من أمانك هذا، يا عدو الله! أتأمرنا أن ندخل في طاعة العناد ونترك نصرة أخينا الحسين عليه السلام... فرجع الشمر إلى معسكره مغتاظا. ( 750 قصة من حياة الإمام الحسين. حسين تاج. ص265). والحقيقة ان الشمر لم يكن مشفقاً على اولاد اخته ويريد حمايتهم كما زعم والدليل ان اي شخص يتقرب الى معسكر الامام الحسين ولو بالكلام فانه سيلاقي العذاب والقتل اكيداً. الا ان ما اعتقد به ونقله بعض المحققين ان تلك كانت خطة مرسومة من قبل المعسكر المعادي؛ فلو قبل العباس ان يترك معسكر الحسين فان المعسكر سينهار كلياً وهو ما سمعناه من الامام الحسين نفسه اذ كان يكرر لاخيه ابي الفضل حين يطلب المبارزة : انك حامل اللواء واخاف ان ينكسر جيشي، والحقيقة انه لا يوجد جيش بالمعنى العسكري لان اغلب اصحاب الحسين قتلوا في الحملة الاولى. لكن الحسين يعني بكلمته ان العباس هو جيش بكامله. وقد صرح بها بعد مقتل العباس وقال: الآن انكسر ظهري وقلة حيلتي وشمت بي عدوي).
الأمر الآخر الذي قد يثار في مثل هذه الحالة هو الإشكال الفقهي، وهو أن العباس كان يجب أن يشرب الماء لكي يبقى على قيد الحياة ولا يموت عطشانا.
والجواب هو إن أبا الفضل كان يعلم بإخبار الحسين لهم جميعا قبل المعركة، بأن الكل مقتول ولو بعد ساعة أو ساعتين، فلا ينفعه شربه للماء ولا يؤخر موته سوى ساعة أو أكثر بقليل، لذا أراد أن يموت عطشانا زيادة له في الأجر والثواب، وتخليدا لدرس من دروس الإيثار والإخوّة والوفاء كان ومازال نشيد المخلصين الأوفياء في مشارق الأرض ومغاربها وليس عند المسلمين فحسب، والأمثلة كثيرة على الوفاء لا مجال لذكرها الآن.