من اين جاء اسم المسيحية .مسيحي ؟ نموذج على عبادة الأنبياء من دون الرب.
إيزابيل بنيامين ماما اشوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في زحمة كثرة الاسماء التي أطلقت على اتباع ديانة يسوع المسيح ضاعت حقيقة منشأ هذه التسميات وهل هي مما ارتضاه الله الرب واطلقه على اتباع يسوع أم أنها تسميات بشرية كما انبأ يسوع نفسه عندما قال في إنجيل مرقس 7: 7: ((وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ)).
فكثيرة هي الأسماء التي أطلقت على من آمن بيسوع حيث احتاروا أي منها يختارون وأخيرا قرروا اختيار كلمة (مسيحي) لمن آمن بيسوع وعلى كل من يؤمن بالدين الجديد . وقد تم اختيار هذه الصفة من بين العشرات من هذه التسميات البشرية ومنها : (عيسوي ، نصراني ، يسوعي ، مسقوفي ، مريمي . جليلي ناصري، صليبي) ... الخ . فهذه الاسماء هي التي أنبأ يسوع بقوله بأن اتباعه سوف يتمسكون بتقليد الناس ويعملون بوصاياهم .
فهل اختار الله الرب على عهد يسوع أسما معينا لمن يتّبع يسوع ؟ كما فعل في اليهودية والاسلام؟ حيث لم تُنسب الديانة إلى أسماء الانبياء. فنحن وكما نعرف أن اطلاق إسم (موسوية) أو اطلاق إسم (محمدية) أو (بوذية) أو (مسيحية) إنما هي من تسميات الناس وليست مما اطلقه الرب على أتباع هذه الديانات. فكلمات مثل موسوية أو مسيحية أو محمدية وبوذية لم يأت ذكرها اطلاقا في الكتب المقدسة لأتباع هذه الديانات الكبرى . إذن من أين كان منشأ هذا الاسم( مسيحي ،مسيحية) وهل ظهرت على عهد يسوع وفي زمنه .
بعد رحيل يسوع بسنوات ظهر أول استخدام لكلمة (مسيحي) في سفر أعمال الرسل على لسان بولص ، كما في سفر أعمال الرسل 11: 26 ((فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً)).(1) إذن استمرت المداولات سنة كاملة ثم استقر القرار على اطلاق هذه التسمية (مسيحي) على الجماعة التي تنتمي ليسوع.
وقد اقترح هذا الاسم اليهودي شاول بولص الطرسوسي لأنه يؤمن بأن يسوع هو من اصل يهودي ، وقد كان معروفا في اوساط اليهود أن إسم (مسيح) كان يُطلق على شاول الملك في زمن داود النبي ، وداود هو من اطلق إسم ( مسيح ) على شاول كما في سفر صموئيل الأول 24: 6 ((وَلَمَّا رَجَعَ شَاوُلُ مِنْ وَرَاءِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ أَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: هُوَذَا دَاوُدُ فِي بَرِّيَّةِ عَيْنِ جَدْيٍ... فَقَالَ ــ داود ــ لِرِجَالِهِ: «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ أَعْمَلَ هذَا الأَمْرَ بِسَيِّدِي ــ شاول ــ، بِمَسِيحِ الرَّبِّ، فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ، لأَنَّهُ مَسِيحُ الرَّبِّ هُوَ. وَنَادَى داود وَرَاءَ شَاوُلَ قَائِلاً: يَا سَيِّدِي الْمَلِكُ لاَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى سَيِّدِي، لأَنَّهُ مَسِيحُ الرَّبِّ هُوَ)). فتسمية (مسيح) كانت معروفة قبل ولادة يسوع بأكثر من خمسة آلاف عام وقد أوردتها التوارة في عدة مواضع ، ولما كان بولص شاول يهودي فقد فضل ان يختار هذه التسمية ليُطلقها على أتباع الدين الجديد .
ويُلاحظ كيف أن بولص اختار مدينة (انطاكية) التي كانت تعج باليهود المساندين له . اختار هذه المدينة ليُطلق هذا اللقب على اتباع يسوع لأنه حولهم إلى عبادته بعد أن جعله (ربا)، فلم يكن أحد ليقوى على الاعتراض امام قسوة بولص وبطشه والتفاف جيش من اليهود القتلة حوله. (2)
وقد اطلق سليمان النبي لقب (مسيح) على أبيه داود ايضا كما في سفر أخبار الأيام الثاني 6: 42 ((أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، لاَ تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ اذْكُرْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ عَبْدِكَ)).
وليس فقط على داود وسليمان وشاول اطلق الرب هذه الكلمة (مسيح) بل اطلقها حتى على الوثنيين حيث اطلقها على كورش ملك فارس معلنا تأييده له ومنحه النصر كما في سفر إشعياء 45: 1 ((هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا)).
من كل ذلك يتبين أن كلمة (مسيح) هي من الألقاب والاسماء اليهودية التي وردت في التوراة. وتم استعارتها من قبل شاول بولص فيما بعد ليُطلقها على أتباع يسوع.
ولكن بماذا كان يعرف الناس اتباع يسوع قبل اطلاق كلمة (مسيحيين) عليهم ؟
عندما قال يسوع : (( أنا هو الطريق)) أطلق الناس على اتباعه لقب (( اتباع الطريق)) أو ((الطريق)) وقد كان بولص شاول اليهودي قبل أن يتنصر يعرف ذلك ومن هنا نرى أن بولس استخدم هذا الإسم كما ورد في سفر اعمال الرسل 9 : 1 ((أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلاً عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ، فَتَقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ (الطريق) رِجَالاً أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ)).
وعندما اخترق بولص الدين الجديد بعد رحيل يسوع واصبح من اتباع يسوع فقد كان إلى زمنه لا يعرف احد تسمية للديانة الجديدة ولم يطلقوا عليها إي إسم غير (الطريق) وكان بولص يعرف هذا كما نوهنا ولذلك ورد في عدة اماكن من رسائله أنه استخدم كلمة (الطريق) للتعريف بديانة يسوع المسيح كما في سفر أعمال الرسل 22: 4 ((وَاضْطَهَدْتُ هذَا (الطَّرِيقَ) حَتَّى الْمَوْتِ، مُقَيِّدًا وَمُسَلِّمًا إِلَى السُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً)). في اشارة منه إلى انه كان يضطهد اتباع الدين الجديد .
وقد تكلم بولص بوضوح اكثر مبينا بأن (الطريق) هم شيعة يسوع فقال في سفر أعمال الرسل 24: 14 ((وَلكِنَّنِي أُقِرُّ بِهذَا: أَنَّنِي حَسَبَ (الطَّرِيقِ )الَّذِي يَقُولُونَ لَهُ شِيعَةٌ)).
لقد اختار اتباع يسوع الأوائل لقب (الطريق) لأن نهج (طريق) حياتهم تمحور حول الإيمان بالطريق الذي رسمه يسوع من خلال قوله في إنجيل يوحنا 14: 6 ((قَالَ يَسُوعُ: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي)). فسار أتباعه على الطريق ليوصلهم إلى الأب الله عن طريق يسوع .
وهكذا كان فإن اليهود والرومانيين والوثنيين كانوا يعرفون أتباع الدين الجديد بأنهم (الطريق) ، وحتى تاريخ (44) بـ ، م لم يكن هناك إسم آخر يُعرف به اتباع هذه الديانة الجديدة إلى أن جاء بولص شاول الطرسوسي الذي اخترق المسيحية لكي يقضي عليها من الداخل فاختار امور كثيرة ادخلها على الدين الجديد مثل الثالوث والهية يسوع المسيح واختيار إسم لهذا الديانة واشياء أخرى لم يُنزل بها الرب سلطانا ، حتى تغير شكل المسيحية على يديه تمام ولم يعد يُعرف من ديانة يسوع أي شيء . والاكثر من ذلك أنه جاء بإنجيل فرضه بالمكر والمال اليهودي فأصبح انجيلا خامسا معترفا به.
ومن المفارقات الغريبة جدا أن الكتاب المقدس ينسب إلى الله بأنه ارسل الوحي ليختار اثنين من الرسل لتبليغ رسالة يسوع وهما (برنابا وبولس شاول) فزعموا أن الرب قال كما في سفر أعمال الرسل 13: 2 ((قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ)). ولكن الغريب جدا والمثير للانتباه والذي يضع علامات استفهام كثيرة هو أن المسيحيين برمتهم آباء واتباع اختاروا (إنجيل بولص) ، ورفضوا ( إنجيل برنابا). فإذا كان الرب هو من اختار برنابا وبولص للتبليغ عنه وبأمره وإذنه وان كل كلامهم كان بوحي من الروح القدس . فلماذا تم رفض إنجيل برنابا ودمج انجيل بولص مع بقية الاناجيل ؟
السر يكمن في ان كل الاناجيل تخلوا من الاشارة المهمة والخطيرة التي تُشير إلى مجيء نبي بعد يسوع يخرج من تيماء . فتم اقصاء إنجيل برنابا لأنه يذكر هذه البشارة بشكل واضح ، وادخال إنجيل بولص ضمن بقية الاناجيل لأنه الإنجيل الوحيد الذي احدث اضطرابا وبلبلة مريعة في الديانة الجديدة وهذا هو هدف اليهود من تحريف ديانة يسوع . وقد نجحوا . وقد حاولوا دس (كعب الأحبار) في الاسلام من أجل فعل نفس ما فعلوه في ديانة يسوع ولكنهم فشلوا.
فبعد أن حوّل بولص شاول يسوع إلى رب وعبده اتباعه اطلق عليهم لقب (المسيحيين) نسبة إلى عبادة المسيح كما يُقال بوذيين نسبة إلى عبادة البوذا.
ولكني اعتقد على ضوء بعض ما جاء في الصدر الأول للإسلام أن هناك فئة كانت (تعبد محمد) ولربما كانوا يطلقون عليهم (المحمديين) كما نستشف ذلك من قول أبي بكر الصديق عندما توفى النبي محمد عليه البركات أنه قال مهددا متوعدا : (( من كان يعبد محمد ، فإن محمد قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت)). (3) وأبو بكر الصديق كما هو معروف صاحب محمد الحميم حيث أسلم في زمن مبكر جدا ولذلك فهو يعرف عن الاسلام الشيء الكثير.
وهذا القول يدلنا على أن هناك فئتين كانتا في صدر الاسلام . فئة تعبد محمد، وفئة تعبد الله ، وإلا فما معنى قول أبي بكر الصديق هنا ( من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات)؟؟
هل يدلنا أحد على تفسير غير ذلك ؟
لأن اتهام أبو بكر الصديق لبعض المسلمين بأنهم كانوا يعبدون محمدا أتهام خطير وإن لم يكن كما نقول لكان اهانة كبيرة للنبي محمد من حيث أنه كان يُعبد ولا يدري . أو انه كان يُعبد وان محمد يدري بذلك وكان يتآلفهم ـــ المؤلفة قلوبهم ـــ ولكن أبا بكر استل السيف فقضى عليهم كما أن عمر منع سهم المؤلفة قلوبهم بحجة أنه لا يعطي الرشوة ، فهل كان محمد يعطي الرشوة لهؤلاء خوفا منهم مثلا ، فأتى عمر ومنع هذه الرشوة.
قول أبو بكر يدلنا على امرٍ خطير ، وهو أن كلمات مثل (المحمدية، والمسيحية والموسوية والبوذية) تدلنا على تفسير واحد لا غيره وهو عبادة الأنبياء . فإن بعض من انتمى لديانة يسوع المسيح آمن أن يسوع هو الله وعبده ولذلك قيل له (مسيحي) نسبة لعبادته للمسيح واعتباره ربا ، والبوذي قيل له بوذي نسبة لعبادته لبوذا واعتباره ربا. وبما أن بولص شاول الطرسوسي أول من قال بأن يسوع المسيح هو الله ووجه اتباع المسيحية الأوائل إلى عبادته فقد اختار بولص أن يطلق عليهم (المسيحيين) كما ورد في النص أعلاه.
إيزو في : 12.6. 2013 .. ستوكهولم.
المصادر والتوضيحات ـــــــــــــــــ
1- يقول القمص تادرس يعقوب ملطي في تفسير سفر أعمال الرسل 11 تحت عنوان : خصومة بسبب خدمة الأمم : ((دعوة المؤمنين لأول مرة (مسيحيين) في إنطاكية، لأنهم اتباع السيد المسيح. من الذي دعاهم هكذا؟ دعا التلاميذ أنفسهم هكذا كاعتزاز بشخص ربنا يسوع)). إذن يتبين أن الذي اطلق هذا الاسم على اتباع يسوع هو بولص شاول اليهودي المندس المتنصر مسيلمة المسيحية الكذاب ، وقد اطلق هذا الاسم عليهم بعد مداولات استمرت اكثر من عام كما يذكر النص .
2- بولص عندما ثار عليه اليهود تراجع عن ادعاءه المسيحية واضهر حقيقته اليهودية أمام القائد الروماني ومفتخرا امام اليهود بيهوديته كما في سفر أعمال الرسل 21: 39 ((وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلأَمِيرِ: أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا؟ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ الْيُونَانِيَّةَ؟ أَفَلَسْتَ أَنْتَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ فِتْنَةً، وَأَخْرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ الآلاَفِ رَّجُلِ مِنَ الْقَتَلَةِ؟ فَقَالَ بُولُسُ: أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ، مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ)). فبولص كان عنده جيش من اليهود القتلة يُقدر عددهم بأربعة آلاف كانوا يحمونه في مخططه لهدم دين المسيح.
3- نقل هذا القول عن أبي بكر البخاري في صحيحه : كتاب المناقب - باب قول النبي : لو كنت متخذا خليلا . وقد أوردت هذه الرواية من اصح كتاب عند المسلمين لكي اوضح من خلالها كيفية انتقال العبادة من الرب الله إلى عبادة الاشخاص والمقصود هو الديانات الاخرى التي ذكرتها وليس لي هذف آخر .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
إيزابيل بنيامين ماما اشوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat