جَمَعَتْ مسافِرَينِ رفقةٌ على غَيرِ مَوعِدٍ في طريق سَفَرٍ طَويل مِما أتاحَ لَهُما تَجاذُب أَطرافِ الحديث معاً في مواضيع شتّى وفي طيّات الكلام..بَدَا أحدُهما يفتخرُ مَزهوَّاً وهو يتحدّث عن نفسه وعما حقَّقه في حياته من إنجازات ومما قال:‘‘كنت طالباً مُجِدَّاً وذو ذكاءٍ وقّاد في جميع مراحلي الدراسية فكنتُ المتفوق الأول على أقراني دوماً مما أثار انتباه كل من عرفني وسمع بموهبتي وقدراتي..وبعد أن أكملت الابتدائية والثانوية بتفوق باهر تمكنت من الالتحاق بكلية الطب في أحد البلدان المتطورة لأصبح بعد أعوامٍ من الدرس والتحصيل والمثابرة من أشهر الأطباء في أحد التخصصات النادرة، وقمت بإلقاء المحاضرات في عدد من الجامعات الكبرى وكانت لبحوثي أصداء في كثير من بلدان العالم مما دفعهم إلى دعوتي لكثير من المؤتمرات والندوات الطبية حتى تمكنت من الحصول على بعض الجوائز العالمية و.....،، وتواصل الرجل منتشياً في سرد مغامراته وبطولاته..وفي الأثناء قاطعه الثاني مستأذناً بسؤال بريء:من ساعدك في رحلة الحياة الطويلة هذه؟ فوجم الرجل من السؤال مستغرباً وردَّ بشيءٍ من الحدِّة:‘‘ومن يكون قد ساعدني؟!! لا أحد طبعاً، فكل ما وصلت إليه كان بجدّي واجتهادي وصبري وموهبتي..،، فقال له:‘‘سبحان الله..كأنه جواب قارون حين أخذته العزة بالإثم ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾..لا يا أخي الكريم ،إنما هذا كلّه بتوفيق الله سبحانه وتعالى لعبادِه فهو جلَّ وعَلا من أفاضَ عليك الوجود بكلِّ ما فيه من نِعَم ورزقَك المواهِب والقُدرات وأمَدَّكَ بأسباب الوصول إلى ما أنتَ عليه فلا تَنسَ أن تشكر الله أولاً على ما أغدقَ عليكَ مِن نِعم ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾، نَعَم..لا يُنكَرُ أنَّ لجهودِك وصبرِك جانبٌ كبير ومؤثر في ما وصلت إليه من مركز اجتماعي وعلمي مرموق..ولكن من الحري بك وأنت في القمّة أن تلقي نظرة إلى السفح لترى من أعانك بشتى السبل لبلوغها.. فأشكر أبويك كما أمرنا القرآن الكريم ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ..﴾ لما عانوه من أجلك في توفير سُبل العيش والتواصل مع طلب العلم ولا تَنسَ من علَّمك ودرَّسك وأضاء لكَ الدرب بنور العلم والمعرفة بل كُن ممتَنّاً لكلَّ من كان له فضل عليك في هذا الجانب لأن (مَنْ لَمْ يَشكُرِ المُنْعِمَ مِن المخلوقين لم يَشكُرِ اللهَ عزّ وجلّ) كما ورَدَ عن الإمام الرضا عليه السلام..،،فَبَهَت الطبيب وطأطأ برأسه وَسالت من عينيه دموعُ ألَم..وبعد لحظات صمتٍ مُطبق رفع رأسه إلى صاحبه وقال‘‘بل لابد لي أن أشكرك أنت الآن..لقد أخذتني الغفلة بعيداً، ونشوة الفرح بما وصلتُ إليه أعمَت بصيرتي فكنتَ لي بكلامك هذا كَصاعِقَةٍ أَيقَظَتْنِي من سُبات طويل..بارك الله فيك وجازاك عني خيراً.،،
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat