صفحة الكاتب : محمد السمناوي

غرق في بحر الغفلة
محمد السمناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الأمة كانت نائمة في سُبات عميق ٍ ، وغارقة في بحر الغفلة والملذات والتي هي المجمع والمنبع للأوساخ الدنيوية.
قبل استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) كانت الأمة هكذا معرضة عن طاعة الله تعالى وعن ذكره جل جلاله.
ورد في مناجاة الشعبانية للامام علي (عليه السلام) :
((ولتطهير قلبي من أوساخ الغفلة عنك ...إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك ، فقد نبهتني المعرفة بكرم ِ الآئكَ)) (1).
الغفلة تعتبر من الحواجز التي تحبس و تــًجـَمد حركة الإنسان والانطلاقة نحو الآفاق ، فتحبسه في عالم الظلام ، فيكون محروما ً من روح العبادة والمناجاة حيث النعاس الشديد في أوقات العبادة ، وإن المنشأ الرئيسي للحرمان هو الغرق في المعاصي والرذائل التي تفسد السريرة ، وتجعل الفرد مصرا ً على هذه الأفعال المخالفة لطهارة الفطرة والوجدان ، فتكون النتيجة هي الطرد من الساحة التي يجب على الفرد أن يحافظ عليها ويزدادُ فيها تمسكا ً وتعلقا ً ، أما إذا الإنسان بنفسه أراد أن يخرج من تلك الساحة ويطرد نفسه من أبواب الله تعالى ، وهذا واضح ونجده في والروايات والأدعية ، هو إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق(2) ، وفي دعاء الافتتاح :
((الحمد لله الذي لا يُغلق بابه ولا يرد سائله)) (3).
 
فالمولى (جل وعلا) لا يطرد أحدا ً ، بل نجده ُ في بعض الأحيان إنه يتحبب إلى خلقه وهو غني ٌ عنهم.
 
ورد في دعاء :
((يا ربِّ إنك تدعوني فأولي عنك ، وتتحبب إليَّ فأتبغضُ إليك وتتوددُ إليَّ فلا أقبلُ منك كأنَّ ليَّ التطوُّل عليك ولم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إليَّ)) (4).
 
إن الاستخفاف بالحق الإلهي هو الذي يجعل الفرد مطرودا ً عن أبواب الرحمة الإلهية ، وهذه هي نتيجة الأعراض الكامل والتنحي جانبا ً عن طريق الهداية الإلهية ، وهذه هي المجازات الإلهية لكل من لا يسعى للحصول على الحياء من الله تعالى وحضوره في لحظة من لحظات حياته – وإلى هذا المعنى يشير الإمام زين العابدين (عليه السلام) في بعض أدعيته :
((اللهم إني كُـلمّا قلتُ قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليَّ نعاسا ً إذا أنا صليت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت مالي كُـلمّا قلت قد صلحت سريرتي وقرُبَ من مجالس التوابين مجلسي عرضتْ لي بلية ٌ أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك سيدي لعلك عن بابك طردتني وعن خدمتك نحيتني أو لعلك رأيتني مستخفا ً بحقك فأقصيتني أو لعلك رأيتني معرضا ً عنك فقليتني أو لعلك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني أو لعلك رأيتني غير شاكر ٍ لنعمائك فحرمتني أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني أو لعلك رأيتني آلِفُ مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني أو لعلك لم تحب أن تسمع دعائي فباعدتني أو لعلك بجُرمي وجريرتي كافيتني أو لعلك بقلة حيائي منك جازيتني فإن عفوت يا رب فطالما عفوت عن المذنبين قبلي)) (5).
هذه بعض الحواجز التي تحبس وتجمد الارتباط والدعاء فتمنعه من أن يعرج إلى السماء ليحظى بالاستجابة الإلهية.
الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يدعوا بهذه الأدعية والمناجاة لأنه يعلم خطورة هذه الحواجز الناشئة من الأوساخ الدنيوية والتي منبعها الغفلة وهي التي بدورها تهدد البصيرة بالعمى ، والقلب بالقسوة ، وتقتل الأجواء العبادية التي هي سلما ً للتكامل.
النهضة الحسينية هي التي جعلت الأمة تستيقظ من سباتها ونومها وغفلتها فكانت هي الحركة والمهمة الكبرى لتنظيف السرائر وتطهير النفوس الغارقة في بحر الغفلة وعالم الظلام.
الامام الحسين (عليه السلام) يفكر ويخطط كيف يجعل الأمة أن تتخلص من الاتصالات الشيطانية بالمملكة الإنسانية حتى تكون في نهاية الأمر تشعر بالمسؤولية الشرعية ألا وهي عملية كنس بيت النفس من كل الأوساخ الباطنية والقاذورات التي هي عبارة عن رواسب ومخلفات من جرَّاء أعمال ومخططات بني الشيطان الأموي جيلا ً بعد جيل.
إن الغفلة التي هي لباس النفس والشيطان تريد أن تكون هي الحاكم في المملكة الإلهية فجاءت صرخة الإمام الحسين (عليه السلام) حتى تلقن النفس الأمارة بالسوء درسا كبيراً, نعم الغفلة اذا لم تكن علة تامة في الوقوع في المعصية فهي جزء العلة نعوذ بالله تعالى منها فهي اساس كل جرم وذنب ومعصة وقد اشار الامام الصا\\ق عليه السلام الى هذه الحقيقة بشكل واضح وصريح بقوله :( فإنّ الغفلة مصطاد الشيطان، ورأس كلّ بليّة، وسبب كلّ حجاب)(6)
ونعم ما قيل :
يا راقـدا ً فـي غــفــلـة ٍ يا قـاعــدا ً عَــمَّا أ ُمـرْ
أيـن الذين استبـصــروا ساروا إلى المولى فسْر
 
قم في الدُّجى مستـغفـرا ً وابــك ِ بـدمـــع ٍ منهمر
وانهض إلى درك العُـلا جــدا ً بــقـلبٍ مـنـكــسر
 
إن علامات الحسيني هو الاستيقاظ والانتباه (7) من نومة الغفلة ، فالغافل لا يمكن أن يدرك الأمور التي يجب عليه فعلها ؟ وما هي الأمور التي سوف يُسأل عنها غدا ً؟.
ورد في الدعاء :
((اللهم صلِّ على محمد وآله واكفني ما يشغلني الاهتمام به ، واستعملني بما تسألني غدا ً عنه ، واستفرغ أيامي فيما خلقتني له )) (8).
وورد أيضا ً :
(( اللهم لا تدع خصلة ً تـُعابُ مني إلا أصلحتها ولا عائبة ً أؤنبُ بها إلا حسنتها ولا أكرومة ً في ناقصة ً إلا أتممتها ... اللهم خذ لنفسك من نفسي ما يُخلصّهُا ، وأبق ِ لنفسي من نفسي ما يصلحها ، فإن نفسي هالكة ً أو تعصمها)) (9).
 
وقبل أن يختم الإمام زين العابدين (عليه السلام) دعائه أشار إلى جهة ً حساسة ووضع إصبعه الشريف على أصل المسألة وهو الجرح الكبير الذي نعاني منه كثيرا ً .ألا وهو الاستيقاظ وتذكر الحق في كل لحظة وكل تحريكة وتسكينة ، والتجرد عن جميع المظاهر التي تدعوا إلى الغفلة.
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): ((ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة)) (10).
 
كانت الأمة محتاجة إلى مثل هذه الأغذية المعنوية للروح ، حيث إن بني أمية حاولوا أن يجعلوها تعيش حالةِ الظمأ والعطش والجوع لمثل هذه الارتباطات بعالم الغيب والملكوت وقطع الطريق أمام كل من يطلب الكمال والسعادة في الدارين.
فكانت النهضة الحسينية في النفس البشرية دعوة لأحياء الضمير ودعوة تهذيبية للنفوس ، وفتح الطريق أمام الأمة للرقي والتكامل والعروج إلى ساحة العبودية وهي الغاية القصوى في إيجاد الخليقة قال تعالى : ((وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون )) (11).
 
أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يزلزل تلك القوى التي تشجع على النوم والكسل والغفلة ، وتلك النفوس المريضة التي رضعت من الثدي الأموي ، وتعلقت بالسلطة الإبليسية الظالمة وقد نجحت الدماء الزاكية وتحرك نبض الحياة في الإنسانية من جديد بعد أن كان جاثم على صدره الكيان الأموي الغاشم ، فكانت دماءه المقدسة هي الشمعة في عالم الظلام .
اللهم وفقنا للانتباه والاستيقاظ من نومة الغافلين ولا تحشرنا يوم القيامة مع اهل الشرك والضلالة والجهالة يارب العالمين بحق محمد واله الطاهرين .
 
 
المصادر :
 
 
1-اقبال الاعمال 658 الكافي ج5 ص وسائل الشيعة ج14 ص231
2-هي من الاقوال المشهورة في اوساط الاعلام وتعني ان كل نفس يتنفسه الانسان طريق الى الله عزوجل وهذه الجملة تنسب الى الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام , انظر بحار الانوار ج67: 137 ,علم اليقين ج1: 14
3-تهذيب الاحكام ج3: 110.
4-تهذيب الاحكام ج3: 89, 109
5-الصحيفة السجادية 222-
6-بحار الانوار ج70: 110, نقلا عن مصباح المتهجد
7-عن الامام الصادق عليه السلام :(من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المنتبهين ) بحار الانوار ج70: 67, نقلا عن مصباح الشريعة 
8- الصحيفة السجادية / دعاء مكارم الأخلاق الإمام زين العابدين (عليه السلام) ص110
9-الصحيفة السجادية / دعاء مكارم الأخلاق الإمام زين العابدين (عليه السلام) ص111
 
10- الصحيفة السجادية دعاء مكارم الأخلاق الامام زين العابدين (عليه السلام)ص116
11-الذاريات آية 56.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السمناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/09



كتابة تعليق لموضوع : غرق في بحر الغفلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net