صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

الشرق و الغرب و السَبق الحضاري قراءة في التاريخ
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقدمة

    إن جدلية الشرق و الغرب , و صراع الحضارات , و ما شكل ذلك موجود في الأدبيات الشرقية , و الغربية على حدٍ سواء , و من أهم هذه الجدليات أسبقية و قِدم الحضارة , و هل إن الشرق أم الغرب هو صاحب الحضارة الأقدم ؟ و كيف ؟ و ما الدليل على ذلك ؟ و من الذي أستفاد من الآخر و كيف و متى ؟
أسئلة كثيرة , و محيرة , و متداخلة , بعضها جاوبت عنه كتابات و مؤلفات عُقدت لمثل هذه الأمور , و بعضها لم يكن جوابه كافياً و شافياً بالقدر المطلوب , و بعضها تحتاج إلى إعادة نظر , و بعضها ظلت مبهمة تحتاج إلى الجواب عنها .
في الواقع إن الذي يراجع كتاب ( شمس العرب تسطع على الغرب لزيغرد هونكة  ) , و كتاب ( فضل الإسلام على الحضارة الغربية لمونتغمري وات  ) , و كتاب ( أسلافنا العرب لبوجن أولسومر )  , و كتاب ( الإسلام كبديل لمراد هوفمان  ) , و كتاب ( روح الحضارة العربية لهانز هينرش شيدر  ) , و كتاب ( جاذبية الإسلام لمكسيم رودنسون  ) , و كتاب ( الأثر الشرق : أدنوي في الثقافة اليونانية في العصر البدائي الأول لفالتر بيركيرت ) , و كتاب ( أثينا السوداء : الجذور الأفروآسيوية للحضارة الكلاسيكية لمارتن برنال ) , و كتاب ( الأساطير اليونانية و بلاد الرافدين لتشارلز بينغليس ) , و كذلك مؤلفات رينهارت ماي الألماني الذي كتب في ( مصادر هيدجر المخبوءة : التأثيرات الآسيوية الشرقية في أعماله ) , و هارولد كاورد الأمريكي الذي كتب حول ( جاك دريدا  و الفلسفة الهندية ) و الذي يكشف فيه عن الدين الذي أخفاه دريدا عن قرائه و مريديه , و كذلك غراهام باركس الذي يحرر كتاباً يجمع فيه جملة أبحاث تناقش علاقة نيتشه بالفكر الآسيوي يحمل عنوان ( نيتشه و الفكر الآسيوي ) , و كتاب ( الشرق في الغرب لجاك غودي  ) , و كتاب ( تنوير شرقي لـ ج . ج . كلارك ) , و غيرها من الكتب التي يلاحظ فيها و بما لا يقبل الشك فضل الحضارة العربية , و الإسلامية على الحضارة الغربية بشكل عام , و من خلال أمثلة واضحة .
إن التطور الكبير و الملفت للنظر الذي شهده الغرب و المتمثل بـ( عصر النهضة )  كان بفضل العلوم و النظريات , و الكتب التي ترجمها علماء الغرب من اللغة العربية , و من الحضارة الإسلامية و بالخصوص ( القرآن الكريم ) , و يمكن التأكد من ذلك بمجرد مراجعة الكتب التي كتبت و تخصصت بمثل هذه البحوث , و منها الكتب المتقدمة , و إن كتاب ( رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب فكراً و مادة للدكتور محمد ماهر حمادة ) و الواقع في مجلدين , يعتبر دراسة مهمة في مجال الببليوغرافية , و الوثائق , و النصوص , و التاريخ , و من المهم الاطلاع عليه في مجال تحـديد مرجعية الحـضارة ما بين الشرق و الغرب .
ففي المقدمة التعريفية للكتاب نقرأ : (( ... هذا و يتألف الكتاب من قسمين أساسيين متكافئين .
الأول : دراسة منهجية في انتقال التراث العربي المخطوط إلى ديار الغرب و كيف استفاد الغرب منه و كيف نُقل هذه التراث إلى لغات الغرب و أشهر النقلة , و الطرق و المعابر التي أنتقل عبرها , و ما هي نظرة القوم إلى العملية , و ما هي الصعوبات التي واجهتهم , و ما هي اهتماماتهم , كذلك بحثنا في استفادة الغرب من معطيات الشرق و كيف أثرت هذه المعطيات في نهضة الغرب , و ما هي الوسائل التي اتخذها الغرب لحسن استفادته من هذه المعطيات . كذلك ذكرنا الموضوعات التي أهتم بها الغرب أكثر من غيرها و كيف كان التركيز عليها ... هذا في المرحلة الأولى من عملية تمثل المعطيات الحضارية للإسلام و العرب .
أما في المرحلة الثانية : و هي مرحلة تفوق الغرب في جميع المجالات و شعوره بتفوقه , فقد بدأت الغارة على العالم الإسلامي ... و أوضحنا اهتمام القوم بتراثنا و كيف جمعوه من جميع بقاع دنيا العروبة و الإسلام و بمختلف الوسائل و كيف حفظوه و حققوه و نشروه و ترجموا كثيراً من عيونه و ألفوا حولنا و حول حضاراتنا الكثير و الكثير جداً ... ))  .
و يقول الكاتب الدكتور ( محمد ماهر حمادة ) بشأن قضية الشرق و الغرب و القِدم الحضاري : (( إن العلاقة بين الشرق و الغرب قديمة جداً , و أقدم مما يتصور كثير من الناس ... و لما كانت حضارات الشرق أقدم بكثير من حضارات الغرب و أعرق , فمن المفروض و من المعقول أن الغرب لما بدأ يأخذ بأسباب المدنية , اتجه صوب الشرق يستعين بحضاراته الأرقى و الأعرق حتى يستطيع تسيير أموره . و الواقع أن الغرب كان في ظلام حضاري دامس عندما كانت الحضارات المصرية و السورية و الأكادية و السومرية و البابلية في أوجها , و إن أول الشعوب الأوربية تحضراً هي تلك الشعوب التي احتكت بالشرق و حضاراته عن طريق التجارة , و أعني بذلك الشعوب القاطنة فيما يسمى الآن بلاد اليونان . و إن بدايات تحضر الشعوب اليونانية لم يبدأ إلا في القرن " السابع ق . م " فما بعد , و هم كانوا شعوباً بَحرية تجوب البحار المحيطة بها من أجل التجارة , و لذلك فقد تأثروا بالشعوب القاطنة على شواطئ البحر المتوسط و التي هي أعلى ثقافة و حضارة منها مثل المصريين و الفينيقيين و غيرهما من الشعوب , و قد أخذ اليونانيون عن الفينيقيين الأبجدية و الأرجوان و صناعة الزجاج و عبادة الإله ديونيسيوس و ذلك باعترافهم هم أنفسهم كما هو ظاهر من أسطورة قدموس . كذلك أخذوا عن المصريين و عن البابليين بعض مبادئ الفلك و الحساب و ما ماثل ... و يجب هنا أن نتوقف لنقول أن أغلب الحضارات اقتبست من بعضها و ليس في هذا غضاضة لأن الحضارة شعلة من نور لا يستمر نورها في التألق و الانبعاث و الانتشار إلا إذا استمرت تغذيتها باستمرار و من جميع الناس في مختلف المناطق و الأمصار و على مدى الدهور و الأعوام ... ))  .
و هذا القول أو هذه النظرية هي من المسلمات لدى كل علماء الإسلام , و لدى كل المنصفين من غيرهم , فهي ليست مجرد أقوال , و هي ليست ادعاءات , بل هي واقع له أدلته و مؤكداته و مؤيداته .
يقول الشيخ النائيني  ( رحمه الله ) : (( فإن المطلعين على تاريخ العالم يعلمون بأن الأمم المسيحية و الأوربية لم يكن لها قبل الحروب الصليبية أي نصيب من العلم و المدنية و النظم السياسية ... فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن و السياسة من الكتاب , و السنة , و من خطب و مواقف أمير المؤمنين " عليه السلام " و بقية المعصومين . و قد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين ... و أعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي و التقدم , و ما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن , كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ و إتباعها إن حُسن ممارسة الأوربيين لهذه المبادئ , و جودة استنباطهم و استخراجهم لها , و بالمقابل السير القهقرائي للمسلمين و وقوعهم تحت نير الاستعباد المذل , و تحولهم إلى أسرى بأيدي طواغيت الأمة المعرضين عن الكتاب و السنة هو الذي آل بأمر الطرفين إلى ما نشاهده اليوم , حتى نسي المسلمون تلك المبادئ , و أخذوا يظنون أن تمكين النفوس لتلك العبودية , و ذلك الاسترقاق هو من وحي الإسلام , و استنتجوا أن هذا الدين ينفي التمدن و العدالة اللذين يمثلان أساس الرقي , و حسبوا أن الإسلام يخالف العقل , و أنه أساس الانحطاط و التخلف ))  .
و هذا ما يؤكده أستاذ التاريخ و العالم الانكليزي ( ج . هرنشو )   إذ يقول : (( فكذلك الصليبيون , خرجوا من ديارهم لقتال المسلمين فإذا هم جلوس عند أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم و المعرفة ... ))  .
كما و يقول المؤرخ العربي ( جمال الدين الشيال )  بهذا الصدد ما نصه : ( انقلب الأوربيون إلى ديارهم بعدما منوا بالهزيمة في الحرب الصليبية , و قد بهرتهم أنوار الحضارة العربية الإسلامية و أخذوا مفاتيح تلك الحضارة , فتفرغوا لها ... يقتبسون من لآلئها و ينقلون آثارها , و يدرسون توليفاتها , و قد ساعدتهم عوامل أخرى , جغرافية , و تاريخية , و اجتماعية , و اقتصادية , على أن يسيروا بالحضارة في طورها الجديد , على طريقة جديدة تعتمد أكثر ما تعتمد على التفكير الحر أولاً , و على الملاحظة و التجربة و الاستقراء ثانياً , فمهد هذا كله لهم السبيل إلى كشوف علمية جديدة شكلت الطلائع لحضارة القرنين التاسع عشر , و العشرين ... كان الأوربيون يفعلون هذا كله , في حين كان الشرق ـ بما فيه العالم العربي ـ قد أتخذ لنفسه , أو أتخذ له القدر , أسلوباً آخر من الحياة , يختلف كل الاختلاف عن الأسلوب الذي اصطنعته أوربا لنفسها , أو أصطنعه القدر لها )  .
على الرغم من اعتراف بعض مفكري أوربا بتأثير التراث الحضاري العربي الإسلامي على الحضارة الغربية , إلا أنه ساد اتجاه ناكر و متنكر لهذه الحقيقة التاريخية , من خلال السعي نحو طمسها , أو التقليل من شأنها , و قد دعم هذا الاتجاه حركة الاستعمار الأوربي للعالمين العربي و الإسلامي , موكداً عجز العرب و المسلمين عن الابتكار و الأبداع , و الإسهام في ركب الحضارة الإنسانية , الأمر الذي يجعل من ( التغريب ) ( Westernization ) و الدعوات التغريبية أمراً ضرورياً من أجل مواكبة تطورات العصر الحديث .
فتبجح الغرب أن مرجعيته الفكرية هي يونانية , و رومانية , و ان النهضة و الإصلاح في أوربا و العالم الغربي قد انطلقت من خلال الارتباط المرجعي بالتراث اليوناني و الروماني ما هو إلا أول الكلام , فمن أين جاء اليونان و الرومان بمظاهر حضارتهم , و كيف طوروها , و ما هو أساسها ؟
الجواب هو الجواب  و كما تقدم من أن الفضل يعود للحضارات البابلية و المصرية و ما شاكلها في تطور و تمدن الغرب المتمثل في ذلك الوقت بالحضارتين اليونانية و الرومانية .
و لابد أن نعلم (( أن الحقيقة التاريخية هي أن رواد الحداثة الأوربية ظلوا ينظرون منذ القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن الثامن عشر إلى التراث العربي الإسلامي بالاعتبار و الانبهار نفسيهما اللذين ننظر بهما نحن اليوم إلى منجزات الحداثة الأوربية و مفاهيمها و شعاراتها ))  .








إن المتتبع لتاريخ ( حركة الإصلاح )  ( Reform Movement ) , و ( عصر النهضة ) (  Era Renaissance ) , و ( عصر الأنوار ) (  Era EnLightenment ) يلحظ و بما لا يقبل الشك الدور الكبير الذي لعبته ترجمات الكتب و المؤلفات العربية إلى اللاتينية في تأسيس فكرة الإصلاح و نشرها .
و من أبرز هذه الكتب التي كان لها الأثر الكبير في تطور حركة ( الإصلاح ) و انتعاش فكر ( النهضة ) , و رواج حركة التأليف , و الكتابة , و غيرها هو ( القرآن الكريم ) , فلقد كان لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية ثم إلى اللغات الأخرى الأثر في تطور حركة التأليف , و رواج المؤلفات , و استقطاب معانٍ جديدة لم تكن أوربا , و لا العالم الغربي يعرفها قبل ذلك , مع العلم أن الترجمة  كانت بهدف التعرف على الإسلام , و من ثم معرفة كيفية مقاومته من خلال التعرف على أهم مصدر للتشريع فيه إلا و هو ( القرآن الكريم ) .
و أول من قام بترجمة معاني القرآن و بحسب المصادر الأوربية هو رجل الدين المسيحي ( بطرس الجليل )  رئيس دير كلوني  في فرنسا , و الذي قام بعدة جولات في الحدود الفرنسية مع بلاد الأندلس بين عامي ( 1141 م ) و ( 1143 م ) هدفها التعرف على الإسلام و المسلمين , و الذي قرر أن ينقل الصراع مع الإسلام من ساحة الحرب إلى ساحة الثقافة و الفكر . و قد حصل في سعيه هذا على مساعدة أسقف طليطلة ( رايموند دو توليدي )  , و قام إثر هذه المساعدة بتشكيل مجموعة هدفها ترجمة القرآن كان من أبرز أعضائها ( بيير الطليطلي )  الذي كان يجيد العربية , و رجل آخر من أصل إنكليزي هو ( روبرت الكتوني )  , و طبعت هذه الترجمة لأول مرة في سويسرا عام ( 1543 م ) , كما و ظهرت طبعة أخرى عام ( 1547 م ) , و نقلت هذه الترجمة إلى الألمانية عام ( 1616 م ) , ثم إلى الهولندية عام ( 1641 م ) , و في عام ( 1641 م ) قام ( أندري دي ريي ) بنقل هذه الترجمة إلى الفرنسية تحت عنوان ( قرآن محمد ) , و هكذا توالت و تزايدت الطبعات للقرآن الكريم في عدة بلاد أوربية . كما و ظهرت ترجمات أخرى , و كتب في الرد على الإسلام شكلت فيما بعد مرجعية أنطلق منها ( المستشرقون ) في حربهم على الإسلام .
إلا أن أعداء الكنيسة من أصحاب المذهب ( الأنسانوي )  ( Humanism ) وظفوا ترجمات القرآن الكريم لتعزيز موقفهم من الكنيسة , و من كل مظاهر التحجر و التسلط , و بادروا في نشر ثقافة جديدة تعتبر الإنسان غاية في حد ذاته , و إعلاء شأن الفرد الإنساني , و التأكيد على حريته الدينية و الذاتية , و إن التعامل معه لابد أن يكون من خلال كونه فرد إنساني لا من خلال الإطار الديني , كما و إنه لا يحتاج في تعامله مع الآخرين أو مع الرب إلى وسيط كـ( الكنيسة ) و ما شابهها , و قد كان أكثر ما يشدهم إلى القرآن الكريم هو استغناؤه عن الوسائط , و إعلاؤه من شأن الإنسان , فتنصيص القرآن الكريم أن الله تعالى فضل الإنسان و كرمه و سخر له كل شيء من خلال التأكيد على أنه أرقى المخلوقات , و إنه غاية الخلق , و الإبداع الإلهي , كل ذلك كان يقدم الدعم لدعاة النزعة ( الأنسانوية ) , و التي خرج من جوفها تيار الإصلاح الديني الذي عم أوربا , و تواصل ليفجر عصر النهضة و التطور فيها .
لقد أخذ رجال عصر ( الأنوار )  أمثال ( فولتير )  , و ( مونتسكيو )  , و ( جان جاك روسو )  , و كذلك ( توماس هوبز )  , و ( جون لوك )  , و ( فرنسيس بيكون )  الكثير من الحضارة الإسلامية , و بالخصوص من ( القرآن الكريم ) , من معانٍ , و بلاغة , و استعارات , و تشبيهات , و تصويرات , و تعلموا منه كيفية التخاطب , و أسلوب التخاطب , و قلدوه في رقة العبارات , و استيعاب المعاني في الألفاظ , و كذلك أخذوا من التراث الحديثي , و من التراث الأدبي العربي و الإسلامي الشيء الكثير . لكن الكثير منهم إن لم نقل الكل لم يُبرزوا ذلك , و لم يُشيروا إلى فضل القرآن ـ و باقي العلوم التي أخذوها من الحضارة العربية و الإسلامية ـ في ذلك , بل أوعزوها إلى أنفسهم , و إنها من عندياتهم , و من تراثهم !!؟
لكن المتتبع الواعي , و المدقق الحصيف يستطيع استخراج مئات بل آلاف الأمثلة على سرقات تمت للحضارة العربية الإسلامية لتوسم بعد ذلك بالسمة الغربية , و تصبح حكراً عليها , و مقرونةً بها .
و إلى ذلك يشير الشيخ النائيني  ( رحمه الله ) بقوله : (( ... فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن و السياسة من الكتاب , و السنة , و من خطب و مواقف أمير المؤمنين " عليه السلام " و بقية المعصومين . و قد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين ... و أعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي و التقدم , و ما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن , كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ و إتباعها ... ))  .
و لابد من العلم أن الكثير من الكلمات و العبارات و المصطلحات المستخدمة اليوم في بلاد الغرب و أوربا أصلها عربي , و يمكن مراجعة كتاب ( شمس العرب تسطع على الغرب لزيغرد هونكة  )  , و كتاب ( فضل الإسلام على الحضارة الغربية لمونتغمري وات  )  , و غيرها من الكتب الأخرى التي أشارت إلى ذلك .
 كما و إن آثار قصص ألف ليلة و ليلة تُرى في الأدب الأوربي جلية واضحة , و كذلك ( روميو و جولييت ) المستوحاة من ( قيس و ليلى ) , أو ( قيس و لبنى ) , و ( روبنسون كروسو ) المستوحاة من ( حي بن يقظان ) , و الكثير الكثير من ذلك لمن يريد تتبع الجزئيات فإنه سوف يحصل على دراسة ضخمة في هذا المجال . و نجد أمثلة لتلك السرقات في فلسفات و كلمات ( رينيه ديكارت )  و ( فيلهلم غوتفريد لايبنتز )  , و ( فرنسيس بيكون )   , و غيرهم من الكتاب و الفلاسفة .
فمثلاً ينسب اكتشاف ( الجاذبية ) ( Attraction ) إلى العالم الأوربي ( إسحاق نيوتن )  مع أن العلماء المسلمين قد سبقوه إلى هذا الاكتشاف بـ( 7 ) قرون , فتحدث الكثير من العلماء المسلمين عنها أمثال ( أبن سينا  , و أبن خرد ذابه  , و الأدريسي  , و البيروني  , و الخازني  ) فقد عرف العلماء المسلمون و منذ القرن التاسع للميلاد قوة التثاقل الناشئة عن جذب الأرض للأجسام و أطلقوا عليها ( القوة الطبيعية ) , فقد أدرك هؤلاء العلماء بأن ( قوة التثاقل ) ( Gravitational Force ) , أو ( القوة الطبيعية ) ( Natural Force ) تتعاظم كلما كبر الجسم .
كما و أن كروية الأرض المنسوب للعالم ( كوبرنيكوس  ) كان للعلماء العرب السبق فيه , فقد سبقوا ( كوبرنيكوس ) بهذا الاكتشاف , و هذا ما أشار إليه ( المسعودي  , و أبن رسته  ) .
كما و قد أكتشف العالم المسلم ( أبن النفيس  ) الدورة الدموية الصغرى التي ينسب فضل اكتشافها إلى الطبيب ( ميخائيل سرفيتوس  ) , حتى جاء الدكتور ( الطهطاوي  ) الذي قدم أطروحته لكلية الطب في جامعة فرايبورغ , و أثبت فيها أن العالم العربي ( أبن النفيس ) هو المكتشف الأول للدورة الدموية الصغرى لا ( سرفيتوس ) .
كما و قد أكتشف ( الأدريسي )  منابع نهر النيل التي بقيت قروناً عديدة مجهولة لدى العلماء الأوربيين حتى أكتشفها ( سبيك و غرانت ) و نسب ذلك الاكتشاف لهما , مع أن صور ذلك الاكتشاف موجودة في خارطة الأدريسي المحفوظة في متحف ( سان مارتين ) في فرنسا ضمن كتابه ( نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ) .
كما و أن ( الكندي  ) هو أول من أثبت أن سطوح الماء كروية كسطوح اليابسة , و التي نسبت إلى ( والاس  ) .
و كذلك فإن ( جابر بن حيان الكوفي )  يعد رائد البحث العلمي التجريبي , و الذي أخضع جميع بحوثه للتجربة التي يسميها ( التدريب ) ( Training ) , أما أوربا فقد نسبت فضل ذلك للعالم الأوربي ( فرنسيس بيكون ) .
فيقول ( جورج سارتون ) : ( يدين نمو و ازدهار الفكر التجريبي حتى أواخر القرن الثاني عشر لجهود المسلمين ... )  .
أما بالعودة إلى دور الترجمة في أستلاب الحضارة العربية الإسلامية فلقد كان لمدينة طليطلة دور الصدارة في عملية نقل العلوم العربية , و اليونانية إلى اللغة اللاتينية , و من بعدها تأتي مناطق أخرى أمثال برشلونة , و شقوبية في إسبانيا , و بيزيه , و تولوز في فرنسا .
و قد كان الهدف من تعلم اللغة العربية كما يصرح ( فرانز روزنتال )  إنه (( و بتعلم اللغة العربية باعتبارها لغة العلوم و الفلسفة و الفكر آنذاك , و بالاطلاع على القرآن و ترجمته إلى اللاتينية بهدف وحيد هو الوصول إلى فهم عميق للتفكير الديني الكلامي عند المسلمين , أملاً في أن يصبح الرهبان أقدر على التعرف على هذا التفكير , و استغلال ما كانوا يتصورون أنه مواطن الضعف فيه ))  .
لذا فقد راجت حركة الاستعراب ـ أي تعلم اللغة العربية ـ و هي بالتالي أقدم من حركة الاستشراق , و إن أوربا كانت حريصة كل الحرص على تعلم اللغة العربية و ذلك لأهداف عديدة و ذات أولويات لديها , منها الانبهار بالحضارة العربية , و منها التعرف على أصحاب الحضارة التي غزت نصف العالم , و منها لمواكبة التطور و مجاراته , و منها لإيجاد مواطن الضعف في هذه الحضارة و استغلالها من أجل تدميرها , و منها للتعرف على العدو في ساحة السلم لمواجهته عند الحرب , و أسباب أخرى كثيرة لعل ما ذكرنا هو من أهمها , نعم تحولت حالة الانبهار إلى حالة استلاب فيما بعد , و من ثم إلى حالة تغريب و احتلال و تسلط .
و من الجدير معرفته (( إن حركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية و غيرها من الأنشطة الثقافية و العلمية كالاقتباس , و النقل , و الاستنباط,  و الاستيحاء من قبل المستعربين , و الأوربيين و إن كانت لأغراض عقائدية ... إلا أنها لم تتحول إلى حالة ثقافة شاملة إلا في القرن التاسع الميلادي , بعد أن خبر النصارى الإسبان عمق الثقافة الإسلامية و تعرفوا عليها ... ))  .
إن الأيديولوجيا الأوربية مارست أبشع وسائل المصادرة العلمية للنظريات الإسلامية في المجال الإنساني , و الحضاري , و العلمي , و انتحلت ما رأته مناسباً لها , و أبرزتها على أنها من أساسيات الفكر الأوربي , و ما عصر النهضة إلا العصر الذي امتلاء فيه بطن أوربا بعطاءات الحضارة الإسلامية (( بهذه المرحلة دخلت أوربا عصر النهضة و خرجت من العصر الوسيط المتخلف حيث تم فيما بعد تعميم الدراسات الشرقية و الإسلامية و التحكم في علومها بتوظيفها في بناء الحضارة الأوربية ))  .
و من ثم جاءت مرحلة تغريب افرازات الحضارة العربية المستلبة , و بعدها جاءت مرحلة استعمار الشرق و تطبيعه على الحضارة المُغربة .



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/06/18



كتابة تعليق لموضوع : الشرق و الغرب و السَبق الحضاري قراءة في التاريخ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net