صفحة الكاتب : ياس خضير العلي

الجواس و الهجفجف أول مسرحيتان بالعصر العربي الأسلامي بالعراق
ياس خضير العلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد المسرح البابلي ومسرح أور ومسرح نينوى بالعهد العربي الأسلامي العباسي كتب صاعد البغدادي المسرحيتان وبعدها كتبت ملاحم منها ملحمة الطف وتم الأخراج والتمثيل وعرضت المسرحيتان هاتان على أهل بغداد والعراق , صاعد بن الحسن البغدادي من أعلام القرن الرابع الهجري الذي ولد بالموصل ونشأ ببغداد , ثم أنتقل للأندلس أيام ولاية المنصور ( محمد بن أبي عامر ) .
وكان شاعر وكاتب نثر ومسرح واشهر كتبه ( القصوص) الذي وضعه في طريقة ( آمالي القالي) , ألا أن أروع أعماله النثرية المسرحيتان  وهما ( الجواس بن قعطل مع بنت عمه عفراء )و ( الهجفجف بن عدقان مع الحنوت بنت محرمة ) , وكأني به قد سبق من كتب روميو وجوليت بمئات السنيين لكن لم نتداول بمسرحنا ولا بحكايتنا هذا الأدب لأسباب كانت من تغيير ألوان ومزاج الحكام الذين مروا على العراق  , وهاتان المسرحيتان أمر المنصور الأندلسي  بأخراجهما وعرضتا  ومن أعجابه بهما  جعل البغدادي من أعضاء مجلس الندماء أي المقربين في الأمسيات الخاصة به  وهذه ميزة تشبه ميزة ما أسماه نظام صدام بالأصدقاء أي لهم صفة الصديق وباقي الشعب أعداء لهم أمتيازات طبقية وخاصة ويقابلون الخليفة ويعرضون عليه أنى شاؤا بشرط الولاء والخدمة الخاصة له  , وبالأندلس نجح البغدادي هذا الكاتب والشاعر كذلك باصعب أمتحانات كتاب ونقاد قرطبة التي كانت مركز الثقافة العربية الأسلامية ولكونه أشتهر فقد  أتهم بالسرقة والأنتحال , وأبعدوه عن المعرفة بعلوم اللغة العربية بينما هو الفطحل فيها , وأتهموه بأدبه وعقله لكنه صامد بوجه التحديات وأنتصر بأن كتب لنا ما يفكر فيه من أدب ونقل لنا صورة ذهنية عن زمانه ربما نعجز عن تصوير حالنا اليوم عنها ونحن نفتقد لكتاب رواية تحول لمسرحية أو تمثل تؤرخ لزماننا ...
والكاتب والشاعر البغدادي كتب كتابه ( القصوص) الذي نال أهتمام الأعداء قبل الأصدقاء فتمت الوشاية به عند المنصور الأندلسي  لأنه تناول العديد من شيوخ الأدب بهذا الكتاب لدرجة أستطاعوا أقناع المنصور الأندلسي  على أن الكتاب مجموعة أكاذيب وأخيرآ أمر برميه بالنهر , ومن فرح خصومه لأخذ مكانه بمجلس الندماء عند الخليفة قال شعرآ بالحادثة هذه _
قد غاص في البحر كتاب القصوص       وهكذا كل القيل يغوص
فأجابه صاعد البغدادي قائلآ _
عاد الى معدنه أنما              توجد في قعر البحار القصوص
وانتهت القصة بهزيمة الكاتب والشاعر البغدادي والحكاية من أولها .. أستأذن البغدادي للدخول على الخليفة لعرض كتابه الجديد القصوص ولكن كان عند الخليفة الأدباء والشعراء والمقربين منه بمجلسه ومنهم الزبيدي وأبن العريف والعاصي .. فقال لهم المنصور الأندلس _ أن هذا الرجل الوافد من بغداد جاءنا يزعم أنه متقدم في هذه الآداب التي أنتم سرجها الضاحية وأهلتها السارية , وأحب أن يمتحن ما عنده !
ثم أذن له بالدخول عليهم وبدأ المنصور الأندلس الحوار مع صاعد البغدادي , فسأله عن أبي سعيد السيرافي .
فأجاب اليغدادي_ أني لقيته وقرأ علي أي درسني سيبويه المتخصص بما نسميه اليوم قواعد اللغة العربية من النحو والأعراب ..
بادئه العاصي قائلآ _أسألك عن مسألة ..
فأعتذر منه _ أن النحو ليس جل بضاعتي .. أي ليس كل تخصصي فتغامز الحاضرون وتهامسوا فأنبرى له الزبيدي قائلآ _ فما تحسن أذن أيها الشيخ ؟ فأجاب البغدادي_ حفظ الغريب .
قال الزبيدي _ ما وزن أولق ؟
فقال البغدادي_ أمثلي يسأل عن هذا ؟
فصاح الزبيدي _ قد سألناك فأجب!
قال البغدادي_ أنما يسأل عن مثل هذا صبيان المكتب !
قال الزبيدي ( مقهقهآ) _ لست أشك أنك تجهل الجواب ..
فأجاب الصاعد _ وزن أولق هو أفعل .
قال الزبيدي ( ضاحكآ)_ هكذا؟ والله ياصاحبي أنك  ممخرق!
سيطر البغدادي على نفسه ( ممخرق مثلما قال عادل امام بالمسرحية مستهزءآ أنك مهزىء !) قال البغدادي للزبيدي_ أخال الشيخ صناعته الأبنية ؟ قال الزبيدي _ أجل ... وما صناعة شيخنا ؟ قال البغدادي _ بضاعتي حفظ الأشعار , و رواية الأخبار .
وعندئذ جاء دور أبن العريف وجرى الحوار بينهما فكلما قال كلمة للبغدادي كان يجيبه ببيت شعر عنها شاهدى له , أو أتى بحكاية تجانسها حتى ظفر بأعجاب الخليفة الأندلسي فقال لمن حوله _ أنه من طبقتي في الحفظ واللغة فدعوني له .
فقال الخليفة له _ ما الخنشبار في اللغة ؟ قال البغدادي_ حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب وفي ذلك قول شاعرهم _
لقد عقدت محبتها بقلبي      كما عقد الحليب بخنشبار
فأشار الخليفة الأندلسي الى طبق التمر القريب أليه وقال _ ماالتمر كل في كلام العرب ؟ قال البغدادي_ يقال تمر كل الرجل تمر كلآ اذا ألتف في كسائه  ...
فترنم المنصور الأندلسي مجيبآ له ببعض أبيات أبي نؤاس ثم طلب من البغدادي أن يعارضها و لكنه أبى ذلك أجلالآ لأبي نؤاس , فأصر الخليفة الأندلسي على طلبه , فأنشد معتذرآ منه قائلآ _
أني لمستحي علاك          من أنتحال القبول فيه
من ليس يدرك بالروية      كيف يدرك بالبديه
قال الخليفة الأندلسي – أذن هات أحسن ماعندك بالغزل ...
قال البغدادي-
قلت له والرقيب يعجله       مودعآ للفراق!...أين أنا
فمد كفآ الى ترائبه          وقال سرآ وادعآ فأنت هنا
قطرب الخليفة الأندلسي وقال ( من حقك اليوم أنت تسأل من في المجلس ).
فقال البغدادي _ مامعنى قول أمرؤ القيس _
كأن دماء الهاديات بنحره      عصارة حناء بشيب مرجل
فقال أحد الجالسين بالمجلس _ هذا واضح ...وقال أخر – أنما وصف فرس أشهب عقرت عليه الوحش فتطاير دمها الى صدره فجاء هكذا ...
فقال البغدادي _ سبحان الله  أنسيتم قوله في قبل هذا وصفه –
كميت يزل للبد عن حال متنه        كما زلت الصفواء بالمتنزل
فبهت الحاضرون وكأنهم لم يقرؤا البيت من قبل انه نضح صدره بالعرق وعرق الحي أبيض فجاء مع الدم كالشيب و وأما أشياء كانت تصنعها العرب فذلك أنها كانت تسم باللبن الحار من صدر الحي فيتمعط ذلك الشعر وينبت كأنه شعر أبيض فايا ما عنى من أحد الوجهين فالوصف مستقيم .
وبدأ نجم البغدادي في الصعود فقربه الخليفة الأندلسي بعدها من نفسه وأستطاب صحبته فكان يتنزه معه , فغلت مراجل وسخنت الحقد والحسد في صور منافسيه وذات يوم دخل على الخليفة الأندلسي ورد ة في غير أيامها لم تستتم فتح أكمامها فراح الخليفة الأندلسي يقلب نظره فيها معجبآ وشاهده البغدادي فأنشد أرتجالآ  فقال _
أتتك أبا عامر وردةآ                     يذكرك المسك أنفاسها
كعذراء أبصرها مبصر                فغطت بأكمامها رأسها
فسر لذلك الخليفة الأندلسي وتوزع أعجابآ بين حلاوة الشعر وجمال الوردة و وكان أبن العريف حاضرآ فحسده وجرى الى مناقضته فقال للخليفة الأندلسي _ لقد عاود صاحبنا الحنين الى السرقة ! أن هذين البيتين لشاعر أخر وقد أنشد فيهما وهما عندي على ظهر كتاب بخط قائلهما !
فقال الخليفة الأندلسي _ أرني ذلك .
فخرج أبن العريف وركب فجعل يحث حتى أتى مجلس الشاعر أبن بدر الذي كان يعرف ويوصف بسرعة البديهة قوصف له الأمر وطلب منه أن ينظم شعرآ  في الحال يتضمن البيتين فقال أبن بدر _
عشوت الى قصر عباسه        وقد جدل النوم حراسها
ومدت يديها الى وردة          يحاكي لك الطيب أنفاسها
كعذراء أبصرها مبصر               فغطت بأكمامها رأسها
فوليت منها على عفة               وماخنت ناسي ولا ناسها
فأخذ أبن العريف هذا الشعر ودخل به على الخليفة الأندلسي فلما قرأءه أشتد غيضآ على البغدادي وقال _ غدآ أمتحنه فأن فضحه الأمتحان لم يبقى في موضع لي فيه سلطان وفي اليوم التالي أمر الخليفة الأندلسي فأعد طبقى فيه سقائف من ضروب النواوير ووضع على الشقائف جواري ياسمين وتحتها بركة ماء حصاها لؤلؤ وكان في البركة حية تسبح فلما دخل البغدادي مثل الطبق بين يديه يتأمله فقال له الخليفة الأندلسي _ ان هذا يوم اما ان تسعد فيه معنا وأما بالضد عندنا ة لأنه قد اجمع الكل على أن ما تأت به دعوى تدعيها , هذا طبق ما توهمت انه مثل بين يدي ملك قبلي في شكله فصفه في جميع ما فيه .
قال البغدادي_
ابا عامر هل غير جدواك واكف         هل غير من عادات في الأرض خائف
يسوق أليك الدهر كل عجيبة             واعجب ما يلقاه عندك        واصف
وشائع نور صاغها هامر               الحياة عليها فمنها عبقر   ورفا ر ف
ولما تناها الحسن فيها تقابلت            عليها بأنواع الملاهي      الوصائف
كمثل الضباء المستكنة كنسى           تظللها  بالياسمين    السقائف
وأعجب منها أنهن  نواظر             بركة ضمت أليها       الطرائف
حصاها الالي سابح في عبابها          من الرقش  مسموم الثعابين راجف
نرى ماتشاء العين في جنباتها         من الوحوش حتى بينهن  السلاحف
وسكت الشاعر البغدادي يسترجع أنفاسه وقد اشرق وجهه فبرقت عيناه بينما وجن الحاضرون وأستغربوا تلك البديهة الفذة وكتب الخليفة الأندلسي الأبيات بخطه وجعل يترنم بها وهو يجيد النظر في بدائع الطبق ولمح الى ناحية منه سقيفة فيها شكل جارية تجذف بمجذاف من ذهب لم يرها البغدادي وثم لم ينظم فيها فقال له _ أجدت ياشاعرنا الا أنك لم تصف هذه الجارية فهل قلت فيها شيئآ فقال البغدادي _
وأعجب منها غادة في سفينة      مكللة تصبوا أليها المهايف
واذا راعها موج من الماء تتقي     بسكانها ماء انذرته العواصف
متى كانت الحسناء ربان مركب    تصرف فيه يمنى يديها المجادف
فلم تر عيني في البلاد حديقة      تنقلها في الراحتين المناصف
ولا غرور أن شاقت معاليك روضة     زهتها ازاهير الربى والزخارف
أذا قلت قولا او بدهت بديهة فكلني      لها أني لمجدك   واصف
وهكذا أجتاز البغدادي الأمتحان على نحو رائع اذهل العلماء والشعراء فأمر له الخليفة بمكافأة وأجرى عليه  راتب شهري وألحقه ديوان الندماء .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياس خضير العلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/09



كتابة تعليق لموضوع : الجواس و الهجفجف أول مسرحيتان بالعصر العربي الأسلامي بالعراق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net