المطران جورج صليبا: الإمام الحسين رفض المساومة على مبادئه وكان أمينا لدينه ورسالته
لفت مطران السريان الارثوذكس في لبنان، جورج صليبا، الى اننا نعود هذا العام من جديد لنتذكر الحدث المروع والجريمة النكراء التي ارتكبتها يد الغدر والاثم في عاشوراء التي ادت لاستشهاد الامام الحسين وعندما نذكر الحسين نذكر الفضيلة والتقوى والبطولة ونذكر بكل اعتزاز الشهادة بكل معانيها ومضامينها، فعندما يكرم الانسان الله انسانا يعطيه اخرة نسميها الشهادة، والشهادة في الاديان نوعان: شهادة باللسان وشهادة بالدم حيث يشهد الانسان بدينه وقيمه ومبادئه وعندما يشهد فانه يشهد بمكنونات قلبه، ولقد تعلمنا من السيد المسيح ان الرجل الصالح يخرج الصالحات والرجل الشرير يخرج الشرور، وهذا اللسان هو عالم مستقل بذاته يعّبر عما يفكر صاحبه وعما يشمل في داخله، وقلب الانسان لا يعرفه الا الله وحده حتى يفهم الاخرون ويتعمقوا في اعماقه ينظرون الى لسانه ويسمعون ما ينطق به هذا اللسان لانه من فضلة الخلق، وعندما يتكلم الانسان فاذا من كانت افكاره سلمية تقود الناس وخاصة المؤمنين الى التزام الفضيلة والكمال المطلوبة من كل البشر ومن المؤمنين خاصة.
وتساءل: ماذا ينفع الانسان لو ملك العالم كله وخسر نفسه؟ وقد جاء بتعاليم دل عليها قول الله تعالى:” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” هو الذي يعبر عن مكنونات الانسان ماذا ينفع الانسان اذا كان مسيئا للاخرين؟ ماذا يفعل ان تجرد من عبادة الله ومحبته ومن الطاعة لله؟ نحن نرى في الاسلام والمسيحية ان بداية حياة الانسان هي يوم شهادته لانه يختم حياته بالشهادة وما اسعد هؤلاء الذي يموتون في سبيل الله وقد قال القران “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” فهذا الواقع تلخصه هذه المناسبة مناسبة عاشوراء لعشرة ايام من الحزن من الالم والتذكر والذكرى يقول تنفع المؤمنين لانها وسيلة للقدوة الحسنة، لا يستطيع ان يفوز بها ويظفر الا هؤلاء الذين اختارهم الله، لذلك نعلّم في الكنيسة: “كن امينا الى الموت فسأعطيك اكليل الحياة، فالامانة هي الاخلاص لله في عبادته والعبادة الحسنة .
وتابع…الامام الحسين كان امينا تسلم من ابيه الامام علي ومن جده من التعاليم التي استقاها مع حليب امه ومع الامانة اذ يجب ان يكون هناك قوة وان يكون قويا في ما يؤمن به، فاذا كان قويا يكون مخلصا ونحن في الحياة كلها امانة ومسلمة، كما نسلم بالاسلام دينا نسلم بالمبادىء السامية وشعار الامام الحسين الذي نقيم ذكراه فمع القوة والشجاعة هناك عامل الاخلاص والتضحية حتى الموت، فما قيمة الامانة والشهادة ان يتجنب الانسان الاستشهاد او يخشى من الموت، فالذي يخشى من الموت ولا يعبر عما يؤمن به فهوه غير نافع لا لنفسه ولا لعائلته ولا لوطنه. التضحية هي عنوان مميز تميز بها النخبة والاصفياء والمختارون في المجتمعات البشرية وليس كل الناس نخبا والمختارون هم الخميرة، وهم الاقلية التي تخمر العجين، وفي نفس الوقت تتوسع وتزيد العطاء والخيرات والنعم، لهذا رفض الامام الحسين اي مساومة على هذه المبادىء اذ التزم بها وكان امينا لدينه ورسالته وما تسلمه من عائلته. وعندما قصده يزيد بن معاوية وطلب منه المبايعة رفض الامام الحسين، لانه لم ير اهلية في يزيد لان يكون هو المؤتمن على هذه الرسالة والفضيلة فرفض، وكانت المؤامرة وكان الحسد ويقال: لولا الحسد ما مات الجسد”، لو لم يحسد الشيطان ادم وحواء ولم يحسد الجنس البشري لما كان مصيره الموت. ويزيد حسد اهل البيت واراد ان يكون محلهم او مسؤولا عنهم، ويقال في الانجيل عندنا: “لا تطرحوا درركم امام الخنازير لانها تفسدها” وكأن الامام الحسين يقول ليزيد انت لا تستحق هذه المبايعة فأعدل عنها ولا نقبلك منا ابدا.
وراى المطران صليبا ان حكام العالم اليوم يتكلمون بحقوق الانسان، ونرى ما يجري وخاصة في منطقتنا في الشرق الاوسط اي نوع تمارس الدول الاوروبية واي نوع من من القضايا المحقة تتبناها الدول العظمى، واي معاملة يلقاها البعيدون عن الشرور، ولا نرى الا الشر وقد غلب الخير ليقتلع الانسان من ارضه، يكفر بدينه يعتدى عليه بشرفه وماله وكل قيمه وما يؤمن به من قيم، فماذا فعلت حقوق الانسان، هي اضرت بالانسان وهم يفتخرون من اجل الكرامات ويفعلون ما يفعلون، ويسخرون التكفيريين من مكان اخر ليقتلوا ويعتدوا ويسيئوا باسم الدين، وباختلاق مبادىء جديدة، والدين الاسلامي والمسيحية براء من هذه التعاليم والتوجيهات. ومع ان الشر يغلب الخير كثيرا الا اننا نؤمن ان الشر حبله قصير مهما امتدت الايام والسنوات لا بد ان تظهر الحقيقية فيحصحص الحق ويزهق الباطل لان الباطل كان زهوقا. وعندما نقيم ذكرى الامام الحسين نقول لا يوم كيومك يا ابا عبد الله الذين يتابعون هذه المناسبة وان كانت اليمة لكنها تقود الى الرجاء والانسان لا يعيش بدون رجاء والشاعر يقول: “ما اضيق العيش لولا فسحة الامل..” فالحياة صعبة لولا فسحة الرجاء والامل ومهما الشرور احاطت بنا نعلم باليقين ان الله يوجد من المحنة خلاصا ويحمي محبيه ليشاركوا الملائكة والصالحين ويفتح الطرق امام محبيه ويشاركوا الذين غابوا وصاروا في السماء ونحن لاحقون لهم وهناك الاستقرار والصلاة والشفاعة.
كلام صليبا جاء خلال احياء نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة أية الله الشيخ عبد الأمير قبلان الليلة الثالثة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس بحضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.وعرف بالمناسبة الشيخ علي الغول وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم .