صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

 رغم انه ذهب الى العمل باكرا , لم يحصل على فرصة او حيز له في أي مكان للعمل , لم يك هناك من يستأجره في هذا اليوم , فيدفع له , حتى انتصف النهار , حينها قرر العودة الى البيت , لكن .. تذكر ان زوجته طلبت منه ان يجلب شيئا للغذاء , فلا يوجد في البيت ما يسد رمق الاطفال , الذين هم في امس الحاجة الى التغذية الجيدة وهم في مثل هذا العمر , كان صدى صوتها يتردد في رأسه كرنين الاجراس في غرفة محكمة الاغلاق , ترك التفكير بالعودة خال الوفاض , وانعطف باتجاه السوق .

دسّ يده في جيبه , اكتشف وجود ورقتين فقط , تأوه:
- هذا لا يكفي وجبة غذاء لثلاثة اطفال مع ام واب .
 تجول في السوق بحثا عن وجبة رخيصة تسد الرمق , رمق المطاعم بنظرات مهيبة , سرعان ما ابعد ناظريه عنها , وقف قبالة مطعما للفلافل , ما لديه لا يكفي لخمس لفائف , انصرف مبتعدا . 
توقف امام المخبز , قرر ان يشتري عدة ارغفة بورقة واحدة , وان لم يك عددها  كاف لجميع العائلة , الا انه فكر ان يقسمها بينهم بالتساوي , ثم انطلق بحثا عما سيشتريه في الورقة الاخرى , حالما دخل في سوق الخضراوات , توقف امام بائع الطماطم , قال في خلده:
- سيقول الاطفال لقد سئمنا من الطماطم مع الخبز .. بالزيت او بدونه.
استمر في الاكتشاف , توقف امام بائع الخيار , لكن ورقة واحدة لم تك كافية , حدق في البائع الذي يغرد بصوته الجهوري مناديا اياه حالما رآه يتفحص بضاعته: 
- انها الافضل ... والارخص .. الكمية محدودة .. اغتنم الفرصة .. لا تفوتها.
لم يدر البائع ما يدور في خلده , لذا اظهر نوعا من الغرور , وانصرف مبتعدا بشيء من الزهو , متظاهرا انه اكبر من ان يشتري الخيار! . 
استمر في جولته الاستكشافية في كافة انحاء السوق وتفرعاته الضيقة , متفحصا الباعة المتجولين , مستفسرا عن الاسعار , الا ان الفرصة لم تحن بعد كي يجد بغيته .
هناك , وعلى الطرف الاخر من الرصيف , سمع بائعا ينادي بصوت مرتفع:
- ارجل دجاج .. كيلو واحد بورقة ... ارجل دجاج .. كيلو واحد بورقة.
 بالرغم من ان صوته كان مبحوحا , الا انه طرق مسامعه كتغريد العندليب : 
- كيلو واحد سيكون كاف جدا ... كما واني املك الثمن.
اسرع نحوه , لكنه توقف , عندما تذكر انه ابن البلد , يملك من العزة الكثير , لكن .. طرقات الجوع لا ترحم , ان تحملها هو وزوجته , فأنه لا يحتمل ان يرى فعال الجوع في صغاره , فكر ان يتنازل عن الانفة , لكن ذلك كان صعبا عليه ايضا .
لاحظ ان المقبلين عليه من ذوي الفقر والفاقة , سمع البائع يسلقهم بلسان حاد , اما من يجاوره من الباعة الاخرين كانوا يسخرون منهم :
- كلوا .. واشبعوا .. لولا ارجل الدجاج وثمنها الرخيص لمتم من الجوع .. او انقرضتم !.
الى غير ذلك من الكلمات التي ظن انها جارحة , لم يك لهم حول ولا قوة , جرعوا تلك الغصص تحت وطأ الفقر , الجوع , العوز . 
 توقف يتربص فرصة مناسبة , لم تطاوعه قدماه للابتعاد , فجأة , حانت الفرصة ! . 
ركنت سيارة فخمة , ترجل منها رجل ضخم الجثة , يرتدي بزة غالية الثمن , ادار ربطة عنقه , واعاد ترتيب سترته , توجه نحو البائع , الذي هبّ لاستقباله مرحبا :
- اهلا استاذ .. تفضل .. لدينا اليوم بضاعة طازجة!. 
مبعدا بعض الفقراء عن طريق ذلك الاستاذ , موسعا له الطريق , سمعه يطلب خمسة كيلو من ارجل الدجاج , اغتنم الفرصة , وقف بجواره , وطلب كيلو واحد فقط , حدقا فيه , البائع والاستاذ , بدوره راقب الاستاذ يخلع نظارته قائلا :
- كلابي المدللة تحبها كثيرا!.
امتعض جميع الفقراء لسماع كلماته , خرجت من فيه بشيء من الزهو والتكبر وبعضا من الخيلاء , فنظروا اليه بازدراء , كان الاجدر به ان يراعي مشاعرهم , او على الاقل ان يتفوه بها بطريقة اخرى لا تمس مشاعرهم .
امتعض صاحبنا بدوره , وشعر بشيء من الاذلال :
- هذا الرجل الغني يشتري ذلك طعاما لكلابه .. مزاحما الفقراء الذين يبحثون عما يسد الرمق... يا لبئس هذه الحياة و يا لتعاستها ! .
كانت شفتاه ترتجف , محاولا التعليق او الرد على كلام الاستاذ , خانته التعابير , وانحبست الكلمات في حنجرته , بينما كان البائع يزن الكمية المطلوبة , استجمع هو قواه , راسما صورة اطفاله وزوجته , وفرحتهم بعودته بشيء جديد , يغير الروتين اليومي الممل , وقال مبتسما ابتسامة المنتصرين مع شيء من البلاهة , مصحوبة بشكل من اشكال الزهو المتصنع :
- قططي .. ستحبها كثيرا ! .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/19



كتابة تعليق لموضوع : قطط
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net