• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : احاديث عن الثورة والشعائر الحسينية( 4 ) .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

احاديث عن الثورة والشعائر الحسينية( 4 )

السؤال المطروح هو ، هل ان الحسين ( ع ) وهو الذي  يعلم  بمصيره  كما  بينا  في الاحاديث السابقة خرج محاربا ؟ ام انه لا يريد الحرب مع علمه بمصيره  الذي  اكده الكثير من العلماء والباحثين من خلال دراستهم للسيرة  الحسينية  ،  واطلاعهم  على المصادر التأريخية والروايات التي تؤكد هذه الحقيقة  ،  ومن  خلال مؤشرات  كثيرة منها قناعة الامام ان الحاكم الاموي مصمم  على قتله  وبكل  وسيلة ، وفي أي  مكان يظفر به حتى ولوكان داخل البيت الحرام  ، وهذا  احد الاسباب التي  دفعته  للاسراع بالخروج من مكة المكرمة،ذلك لان الامام مصمم على رفض خلافة يزيد للامة كونه لا يصلح لهذه المسؤولية ومهما يكن الثمن  لذلك ، اذ شعر الامام  بمقدار الخطر على الاسلام في حال استمرار الامويين في الحكم ، حيث باشروا  منذ تولي معاوية الحكم بتسويق اسلام السلطة ، الذي  يزيف  حقيقة الاسلام  وجوهره  ومبادئه السامية ، اذن رفض الامام الحسين (ع) لسلطة يزيد ليس من اجل طلب الحكم ، بل لمنع الانحراف عن المبادئ الاصيلة للاسلام والمحافظة على جوهره وروحه الانسانية ، اما يزيد فقد كان متلهفا لاخذ البيعة (( من كبار زعماء المعارضة وعلى رأسهم الحسين  فقد  كان اكبر همه حين آل الامر اليه بعد موت ابيه – معاوية – هو بيعة النفر الذين ابوا على معاوية بيعة يزيد  ،  فكتب  الى الوليد بن عتبة  والي المدينة كتابا  يخبره  فيه  بموت معاوية وكتابا اخر جاء فيه:اما بعد فخذ حسينا،وعبد الله بن عمر، وابن الزبير بالبيعة اخذا ليس فيه رخصة ، حتى يبايعوا والسلام )) .
اقبل الحسين على الوليد فقال :  ((  ايها الامير ،  انّا  اهل  بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله)).
 ((بهذه الكلمات اعلن الحسين ثورته على الحكم الاموي الفاسدعلى عظمته وجبروته وقسوته في مؤاخذة الخارجين عليه، فقد مات معاوية وانقضى العهد والميثاق واصبح وجها لوجه امام دوره التأريخي الذي يتحتم عليه ان يصنعه  ،  وانه لعلى يقين من ان حكم يزيد لن يأخذ صفة الشرعية ما دام هو ممسكا عن بيعته،اما اذا بايعه، فانه حينئذ يكون قد اكسب الغل الجديد االذي طوقت به الامة المسلمة صفة قانونية شرعية، وهذا شئ لا يفعله –ع- ) ثورة الحسين ، محمد مهدي شمس الدين
اذن الحسين رفض البيعة ليزيد حتى لا يعطي الشرعية للحكم الاموي  ،  وهو يعرف نتيجة رفضه هذا ، وهي الموت ، فالظروف الموضوعية اشرّت للامام مصيره الذي سيؤول اليه وهو الاستشهاد ، لكن هذا الاستشهاد سيغير المعادلة لصالح الدين والامة المبتلاة بالسلطة الاموية الجائرة ، وسيظهر الى  الناس  الوجه  الحقيقي للاسلام الذي اراد الامويون طمس معالمه الجوهرية،فكان لابد من الثورة والشهادة، وبدونهما الذل والخنوع والاستسلام للامر الواقع الردئ ، لذا فأنه قال : (( الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة ، وهيهات منا الذلة  ،  يأبى الله  لنا  ذلك  ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت وانوف حمية ، ونفوس ابيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )) .
الامام الحسين (ع) بين موقفين لا ثالث لهما،اما موقف العز والكرامة، او موقف الذل والاستسلام،ومن الطبيعي ان يختارالموقف الاول الذي فيه عز الاسلام ، ومن كلامه (ع) في هذا الموقف ( اني لا ارى الموت الا سعادة ، والحياة مع الظالمين  الا برما ) وكان كثيرا ما يردد ( موت في عز خير من حياة في ذل ) . وهكذا صمم الامام  على الثورة،رغم المؤشرات التي تقول ان الاستشهاد هو مصيره لا غير ،وهو يعرف  هذا المصير،  اذ ظهر ذلك من خلال رفضه  نصيحة  اخيه محمد  بن الحنفية ، ونصيحة الصحابة الاخرين الذين طلبوا منه عدم الذهاب الى العراق ، ومن خلال حديث الامام مع اصحابه الذين جاءوا معه الى العراق ، وهو يذكرهم بالمصير الذي  سيؤول  اليه  وكذلك المصير الذي سيصيب من جاء  معه  من الاصحاب ،  قال  لابن الزبير الذي طلب منه اعلان الثورة في مكة بدل العراق  : (( وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم والله ليعتدن عليّ كما اعتدت اليهود في السبت )) .
هذه المؤشرات تشير الى ان الحسين  (ع)  يعرف مصيره  ، كما تشير على تصميمه على الشهادة  ، لانه كان يرى ان لا امل في انقاذ الاسلام من مخالب الامويين الا بأن يضحي بنفسه ثائرا وشهيدا ، علما انه كان بامكانه التخلص من هذا المصير في  حال  اقراره الامويين منهجهم في التحريف والتزييف والتزوير  واعطاء  صورة  للاسلام غير صورته الحقيقة التي ارادها الله تعالى الى الانسانية جمعاء  ،  الامويون هم  من اسس لتزوير الدين ،  وما نرى اليوم  من صور للدين غير صورته  الواقعية هو  من تأسيسهم  ، وما التطرف في الدين والتكفير والعنف وجواز قتل  المختلف  ما هي  الا نتائج المنهج الاموي الذي يسير به اليوم حكام المسلمين والذين يدعون الاسلام ،وهذا الواقع المتردي والسئ الذي وضع الامويون فيه الدين، لا يمكن انتشال الدين منه ،الا   بثورة وتضحية عالية  وفريدة  يقوم  بها راعي وحامي الدين  في زمانه ،  وهوالامام الحسين ( ع ) المكلف  شرعيا  وعقليا بهذه المهمة الربانية ،  لذا  نراه  قد صمم على الثورة وعلى احداث التغيير، بدافع  مسؤوليته  كأمام مكلف بحماية ورعاية الدين  من بعد النبي محمد (ص) ،وبعد ابيه واخيه (ع) ، هذا اولا، وبدافع مسؤوليته الاجتماعيه والادبيه تجاه امته ،على الاقل انقاذ ما يمكن انقاذه ،  وتنبيه الناس الى هذا  الانحراف والتزوير والتوظيف الخاطئ للدين ، ولابد ان يكون هذا التنبيه من اعلى مسؤول عن الدين في زمانه ، سيما وان الامة قد وصلت الى مستوى من الخدر والسبات بحيث لا يهزها الا الدم وتضحية من النوع الفريد، فكانت ثورته،قال الامام في هذا الخصوص (( الا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، واظهروا الفساد  وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفئ ، واحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله ، وانا احق من غيّر )) .
وبعد وضوح هذه المعادلة ، وانكشاف النوايا ، هل سيبادر الحسين بالهجوم،هل سيبدأ الحرب ؟هنا في الاجابة نستطلع رأي السيد محمد حسين فضل الله في كتابه :    
( حديث عاشوراء ) ، ونختصر رايه –  مع كل المؤشرات التي تشير الى ان الحسين (ع) يعلم بمصيره هو واصحابه ، لكنه  سار مع القوم الذين حاربوه بالخط  الاسلامي الذي يريده الله تعالى والرسول الكريم  ، حيث بدأهم ملوحا  باسلوب  السلم  ويدعوهم للعودة الى الاسلام الحق بالكلمة الطيبة وبالحسنى ، بل  الحسين انفتح على اساس  ان يصلح في امة جده ، ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالكلمة اولا ،  ولذلك نجد ان من اوائل الخطب التي خطبها الحسين قوله:(( واني لم اخرج اشرا ولا بطرا  ولا مفسدا ولا ظالما،وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف  وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي ، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق  ومن ردّ عليّ هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرالحاكمين ))  اضافة لهذا النصح للقوم الذين يريدون قتاله  ، فأنه كان لا يريد لاصحابه ان  يبدأوهم بالقتال  ، لانه لا يريد ان يتحرك بالعنف  ما دام للرفق مجال  كما هو الخط الاسلامي  الرفق اولا فاذا فرض عليك الاخرون العنف فأنك تأخذ به حينئذ – هنا لا يريد الامام ان  يجعل  العنف عنوانا لحركته ، اوهدفا  وغاية  لها  بل  الاصلاح  في امة جده هو المطلوب  ، وهذا ماصرح به في خطابه الى القوم الذين شهروا السلاح  بوجهه ،  اما السيد حسين فضل الله فنرى تحليله لموقف الحسين (ع) ، انه لا يجيز العنف ابتدأً  بل دفاعا عن النفس ، في حين نرى الحركات السلفية المتطرفة ،  سليلة السلطة  الاموية ونتاج الفكر الاموي المنحرف عن الاصالة الاسلامية  ، كالقاعدة  وطالبان  وعناوين اخرى ، وكلهم يتحركون تحت مظلة الفتاوى الوهابية ، يجيزون القتل والعنف  ابتداء  ليس لمن يقاتلهم،وليس يقاتلون اناسا وثنيين، او كفارا ، كما هم يصنفون الناس حسب ما  يشتهون  ،  وحسب  ما يوحي  اليهم  فكرهم المتحجر المنحرف عن  خط الاسلام الانساني  ،  بل  يقتلون المسلمين الاخرين لانهم يختلفون عنهم في الاجتهاد او الرأي والفكر ،  ويجيزون  قتل  الابرياء  المدنيين  او الاطفال والنساء والشيوخ لا لذنب الا كونهم منتمين الى قوم يختلفون عنهم سواء  كانوا مسلمين او غير مسلمين  ،  واليوم اصبح فكرهم وفتاواهم تسير نحو الاسوأ  واصبحت مختصة بالمسلمين الاخرين فقط  وما مجازرهم التي يقترفونها في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها من البلدان الا دليل على ذلك ،واصبح هذا الفكر الاموي يحرك بخيوط خفية من الحركة  الماسونية العالمية ، لتشويه صورة الاسلام والمسلمين ، وتشويه كل دين انساني يدعو الى حب الانسان الاخر واحترامه،هذا الفكر المتطرف الذي يدعي الاسلامية ، يجيز تدمير كل موجود مدني او حضاري حتى لو لم يكن انسانا،هذا هو التشويه للاسلام، الذي وضع اسسه ، وجذّره في المجتمع اصحاب الاسلام الاموي  ، الذي  قاومه وحاربه من  بعد الرسول (ص) الامام علي والحسن والحسين (ع)  ، واستمر في  مقاومته  الائمة من بعدهم ، بان اعطوا الصورة الحقيقة للاسلام الانساني الذي يدعو الى الايمان  والعمل الصالح،الاسلام الذي لا ينحاز الى السلطان الجائر، بل ينحاز الى الانسان بقيمه العليا  بل قاوم جذور الاسلام الاموي السلطاني الرسول الاكرم في حياته، من خلال رفضه الكذب عليه ، لان الكذب على الرسول هو اساس الانحراف الكبير في الاسلام ، الذي تبنى تأسيسه الامويون، اذ اصبح الكذب على الرسول والوضع في الحديث جزءا من ستراتيجيتهم في الحكم ، اذ اشاعوا مفاهيم بعيدة عن جوهر الدين ومقاصده الانسانية والبسوها رداء اسلاميا ، منها جواز الاعتداء او قتل الاخرين مجرد الاختلاف معهم لذا نرى الحسين قد منع اصحابه من الابتداء بالحرب ، لان  من مبادئ  الاسلام  منع العنف ابتداء  ،  كما انه لا يجوز اللجوء اليه الا دفاعا عن النفس  ،  ينقل  لنا  الشهيد مرتضى المطهري في كتابه (الملحمة الحسينية ) انه (( عندما وصل  الامام  الحسين (ع) ، والحربن يزيد الرياحي الى (نينوى ) - وهي اسم منطقة في الطريق  كربلاء - وجاء كتاب عبيد الله بن زياد الى الحر يقول له فيه  : اما  بعد فجعجع  بالحسين  حتى يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله الا بالعراء، في غير حصن وعلى غير ماء .
عندها اقترح زهير بن القين على الحسين ان يباشر في قتالهم ، لكن ابا عبد الله قال : اني اكره ان ابدأهم بالقتال -  فالامام الحسين (ع) كان ممن يؤمنون بمبدأ عدم الشروع بمقاتلة عدوه . ))
هذه المؤشرات كلها تؤكد ان الحسين لم يخرج محاربا،بمعنى ان هدفه لم يكن الحرب  بل خرج مصلحا وثائرا لتغيير الواقع السئ ، وعندما فرضت عليه الحرب ، واريد له الذلّ قال :(( والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا اقرّ لكم اقرار العبيد)) المهم  في هذا القول للامام وغيره من الاقوال التي قالها اثناء القيام بالثورة ان نتعلم من الحسين ومن مدرسته الدروس  ،  ونأخذ العبر ،  كيف  نقاوم  الظلم وندحض  الباطل ،  متى نستخدم القوة لتحقيق الهدف ، ومتى نجنح الى اللين والسلم  ، نستقيد من هذه الدروس للحاضر وكيف نرسم للمستقبل  ، علينا ان نحب الحسين حبا  عمليا  وواقعيا  بسلوكنا وفعلنا الحسيني،لان الحب العاطفي الذي لا يتجسد الى سلوك وفعل وعمل يكون غير ذي جدوى ،علينا ان نحب ونقتدي بكل نموذج حسيني ، وان نرفض ونثور بوجه كل نموذج يزيدي ، أي ينتسب الى يزيد بن معاوية بالفعل والعمل ،ذلك هو الذي يبقى لنا من كربلاء التي ذهبت ومضت بشخوصها ، وبقينا نعيش مع القدوة والمثال والنموذج والخط والمنهج الحسيني ،  جعلنا  الله  تعالى واياكم من السائرين على الخط الحسيني  ومن المقتدين  بمنهجه  وصبره وتضحيته  ، ومن  المتمسكين  بمثله وقيمه  الانسانية الاسلامية .
 
A_fatlawy@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12472
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 2