• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قنبلة نتنياهو التكتيكية .
                          • الكاتب : علي بدوان .

قنبلة نتنياهو التكتيكية

قنبلة سياسية تكتيكية جديدة أطلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو باعلانه عن امكانية تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة مع حزب كاديما (كاديما بالعبرية : الى الأمام بالعربية)، وهو الحزب الجالس في مقاعد المعارضة منذ الانتخابات التشريعية الماضية الثامنة عشرة للكنيست.
ففي وقت كان متوقعاً فيه أن تجري عملية اقتراع داخل الكنيست على حل البرلمان بعد ان كان نتانياهو قد دعا في بادئ الامر الى اجراء انتخابات مبكرة في الرابع من سبتمبر، فاذا بنتانياهو يعلن عن امكانية القفز عن اقتراح حل الكنيست واجراء انتخابات مبكرة لصالح اعادة بناء ائتلاف حكومي جديد مع المعارضة وحزبها الأول كاديما. فما الذي عدا عما بدا، وماهي حيثيات التحول الجديد في مواقف القوى والأحزاب الاسرائيلية، وأين أصبحت دعوات الانتخابات المبكرة في اسرائيل؟
أسباب في التحّول
أولاً، نبدأ القول بأن الحياة السياسية الداخلية في اسرائيل صاخبة على الدوام، ومليئة بالمفاجآت والتوقعات، ومتخمة بالتحالفات والتحالفات المقابلة، وكلها قيد التبدل والتحول في لحظات معينة تبعاً لمصالح تلك الأحزاب، وحصتها المتوقعة من كيس السلطة التشريعية (الكنيست)، خصوصاً منها الأحزاب التوراتية الصغيرة التي تشكل في أغلب الأحيان «بيضة قبان» في أي تحالف لذلك نراها دوماً تسعى للحصول على أعلى المكاسب قبل أن تشارك بأي ائتلاف حكومي. 
وبالطبع فإن مرد التحول في مواقف الأحزب الاسرائيلية على صعيد الحياة السياسية الداخلية في اسرائيل ليس له علاقة بالتباين حول قضايا وعناوين تتعلق بسياسات اسرائيل الخارجية أو مواقفها بشأن عملية التسوية مع الفلسطينيين أو مع أي طرف عربي على سبيل المثل، بمقدار ما لها من علاقة بالصراع على مكاسب حزبية داخلية، وقد تستخدم في كثير من الأحيان الشعارات السياسية لدعم وتحشيد مواقف الأحزاب داخلياً كالاستقدام الحالي للملف النووي الايراني والمزاودة بشأنه بين الأحزاب لكسب جمهور الشارع. 
ثانياً، ان نتانياهو باستيعابه لحزب كاديما داخل ائتلافه الجديد حال تم قيامه، يكون قد حقق مكاسب ذاتية مرموقة، ومنها ضمان استمراره في الموقع الرئاسي للحكومة لمدة عام ونصف العام تقريباً، وقد تحمل له تلك الفترة الزمنية المتبقية بعض الانجازات الداخلية أو الخارجية أو الاثنتين معاً بما يضمن له ولحزب الليكود فوزاً لاحقاً في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة المتوقع اجراؤها نهاية العام 2013 في حال لم يتم حل الكنيست وتقديم الانتخابات البرلمانية. وهو بذلك اشترى حزب كديما مع اعضائه الـ (28) في الكنيست في مزاد علني ليضمن لنفسه سنة ونصف السنة في رئاسة الحكومة مقابل رشاوى ومواقع سياسية لموفاز وبعض أعضاء كتلة كاديما في الكنيست الحالية.
ثالثاً، ان الأمر المتعلق بالقنبلة السياسية التكتيكية التي اطلقها نتانياهو بشأن تشكيل حكومة ائتلاف مع حزب كاديما، لم يتم حسمه الى الآن، رغم مصادقة كتلتي الليكود وكاديما في الكنيست على الاتفاق الذي يعني عملياً أن الائتلاف الحاكم سيتمتع من الآن فصاعداً بدعم أربعة وتسعين نائباً (حال وافقت كل قوى الائتلاف الحالي على مشروع حزب الليكود مع حزب كاديما). فالأمور مازالت قيد البحث الجدي، ولكنها لم تصل الى مرحلة البت النهائي لأكثر من سبب، منها أن حزب الليكود لا يستطيع أن يتخلى عن حلفائه في الائتلاف الحالي حال عدم موافقتهم على حكومة وفاق جديدة مع المعارضة وتحديداً مع حزب كاديما.
فالليكود وكاديما لا يستطيعان ضمان تشكيل حكومة دون باقي أحزاب الائتلاف الموجودة مع الليكود في الوقت الحالي. ومنها أن هناك قطاعات داخل حزب كاديما تبدو الآن غير راضية عن هذا الانقلاب الذي أحدثه رئيس الحزب الجنرال شاؤول موفاز بعد أقل من شهر من توليه موقعه القيادي الأول، فهو في نظر كثيرين داخل حزب كاديما وحتى من الذين انتخبوه شخصاً غير مسيس بما فيه الكفاية وعديم خبرة في مجال الحرتقات والألاعيب السياسية الداخلية، وبالتالي يمكن لنتانياهو ابتلاعه بسهولة. ومنها أن هناك بعض قوى الائتلاف الحالي تعتبر أن موفاز شخصاً عديم البصيرة وأرعن سياسياً، ولا يؤتمن على موقع نائب رئيس وزراء في أي ائتلاف مع حزب كاديما، وهنا نسمع أيضاً صوت حزب ميرتس المعارض بلسان النائبة (زهافا غلؤون) التي وصفت الاتفاق بين نتانياهو وموفاز بالمناورة التي تُشتمّ منها الرائحة الكريهة. فالاتفاق الحالي لانضمام كاديما ينص على تولي شاؤول موفاز موقع نائب رئيس الوزراء، ووزيراً بدون حقيبة إلى جانب انضمامه إلى جميع اللجان الوزارية الهامة، كما في تولي نواب حزب كاديما رئاسة لجنتيْ الخارجية والأمن والاقتصاد البرلمانيتيْن (وهنا يبدو الجانب النفعي البراغماتي المتعلق باقتسام الكعكة بعيداً عن القضايا ذات البعد السياسي). كما يبدو الجانب انتهازيا عند شاؤول موفاز الذي أقسم بعد ان تم انتخابه رئيساً لحزب كاديما بانه لن ينضم الى حكومة نتانياهو باعتبارها تجسد كل ما هو سيئ في دولة اسرائيل وأعلن في حينها انه هو الذي سيقود الاحتجاج الاجتماعي في الصيف القريب ايضا.
رابعاً، ان الموضوع السياسي غائب تماماً عن تفاهم حزبي اللكيود وكاديما، فالنقاط التي تضمنها اتفاق نتانياهو مع شاؤول موفاز وان تطرق للموضوع السياسي، لكنه لم يؤشر عليه بشكل دقيق وواضح، فقد كانت الاشارة اليه عامة ومغمغة ولا تقدم الجديد، وهنا بالضبط نعيد القول بان الاتفاق بين حزبي كاديما والليكود لا يعدو سوى اتفاق محاصصة وتقاسم ومنافع على المستوى الداخلي الاسرائيلي. ومع ذلك يبقى هذا الأمر ثانوياً، ولن يرتقي لمستوى خلافي بين حزب كاديما وحزب الليكود ـ مع أي من الأحزاب الموجودة في الائتلاف الحكومي الراهن. فجميع الأحزاب الاسرائيلية متوافقة تقريباً بشأن خطوط التسوية المطروحة مع الفلسطينيين، ولا يعارضها سوى الأحزاب العربية التي لا يزيد عدد مندوبيها في الكنيست الحالية عن (11) عضواً.
رشوة أحزاب اليمين التوراتي
في هذا السياق، ومن منطلق ارضاء الأحزاب التوراتية وأحزاب اليمين الصهيوني لضمان بقائها في الائتلاف الحكومي وعدم انسحابها حال تم التوافق مع حزب كاديما بشكل نهائي، فان نتانياهو وموفاز قاما بتنفيذ خطوة أمامية، حين قدما عرضاً مهماً لها من خلال رشوة مباشرة عنوانها استبدال (قانون طال) الذي يعفي الشبان اليهود المتشددين دينياً (الحريديم) من الخدمة العسكرية بقانون جديد، بالإضافة إلى دعم مدارس التعليم الديني بموازنات اضافية وتسهيلات جديدة، وضمان تشريع قانون الميزانية العامة للسنة القادمة بحيث يتضمن السلة المالية المشار اليها، مع طرح مشروع قانون بتعديل النظام الانتخابي حتى أواخر العام الجاري ما يعني أن الانتخابات المقبلة المزمعة بعد حوالي عام ونصف العام ستجرَى بناء على النظام الجديد.
في الاستنتاجات الأخيرة، ان ائتلاف حكومياً واسعاً في اسرائيل يعني المزيد من التوحد والتلاقي بين مختلف القوى والأحزاب في اسرائيل على برنامج محدد وان كان داخلياً الا أنه سيعطي منعكساته على صعيد السياسة الخارجية للدولة العبرية الصهيونية. فاتفاق نتانياهو موفاز لا يعدو سوى توسيع الائتلاف وتمتينه على أسس براغماتية، فيها تقاسم جديد للكعكة في اسرائيل وتبادل للمصالح بين هذين الحزبين ورموزهما، بحيث يجري في الوقت ارضاء باقي الأحزاب ورشوتها للبقاء في الائتلاف الحكومي وعدم الانسحاب منه. 
أما في الجانب الآخر المتعلق بنا كعرب وفلسطينيين على وجه الخصوص، فان انضمام حزب كاديما برئاسة وزير الحرب الاسبق الجنرال شاؤول موفاز الى الحكومة الائتلافية بقيادة حزب الليكود لا يبشر بالخير ولا يعطي سوى مؤشرات سلبية. فالجنرال شاؤول موفاز اليهودي الايراني الأصل مغرق في فاشيته وفي رؤيته السياسية الحادة تجاه الفلسطينيين، وهو أحد عتاة الصهاينة ممن يتبنون عنفاً في سياسته ضد الفصائل الفلسطينية، فهو قائد الاغتيالات التي وقعت خلال الانتفاضة الفسطينية الكبرى الثانية، ومنها اغتيال الشهيد صلاح شحادة، والشهيد الشيخ احمد ياسين والشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي واغتيال الشهيد ابو علي مصطفى الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرهم من قادة الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1967 .
ان اعادة بناء ائتلاف جديد داخل الدولة العبرية برئاسة بنيامين نتانياهو ومعه زبدة المتطرفين من السياسيين ومن العسكر ورجالات الأمن والاستخبارات من امثال الجنرال ايهود باراك والجنرال شاؤول موفاز والوزير أفيغدور ليبرمان، يؤكد أننا أمام مرحلة صعبة على صعيد الصراع العربي والفلسطيني مع اسرائيل. فبعد أيام سيقدم نتانياهو اجاباته على رسالة الرئيس محمود عباس التي تم تسليمها اياها من قبل صائب عريقات واللواء ماجد فرج قبل اسبوعين تقريباً، وكل المؤشرات المستوحاة من الصحف العبرية قبل أيام، تشي بأن الاجابات الاسرائيلية لا تحمل جديداً، بل تعيد تكرار المنوال ذاته من المواقف الاسرائيلية المعروفة تجاه عملية التسوية مع الفلسطينيين، وتجاه قضايا الحل النهائي. وعليه علينا أن ننظر للتحولات الداخلية الاسرائيلية بعين متفحصة وثاقبة، فتيارات اليمين الصهيوني تستفحل داخل اسرائيل والانزياحات المجتمعية فيها تسير أكثر فأكثر نحو الالتفاف حول برنامج التوسع والتهويد، بما في ذلك استكمال تهويد مدينة القدس العربية وكامل احيائها القديمة العربية الاسلامية والمسيحية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=17370
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 05 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19