افغانستان بلد اسلامي محتل من قبل الامريكان ، وامريكا تدعي انها متواجدة في افغانستان لمقاتلة طالبان المنظمة الارهابية ، وطالبان التي حكمت افغانستان بعد نهاية الغزو السوفيتي لها ، تدعي انها تحارب الامريكان المحتلين ، وكانت فترة حكم طالبان لأفغانسان وصمة عار في جبين المسلمين ، وتشويه صارخ للاسلام النقي الاصيل ، وكلاهما يكذبان لا احد يحارب الاخر بشكل جدي وحقيقي ، بل كلاهما يحاربان الشعب الافغاني ، الامريكان يريدون لطالبان البقاء بين الحياة والموت ، وطالبان تريد المساومة مع امريكا لاستلام الحكم من جديد ، لأن مهمة الحركات السلفية المتطرفة التي تعمل باسم الاسلام زورا ، هو قتل المسلم الاخر وليس قتل الامريكان ، وقد ظهر ذلك جليا ليس في افغانستان فحسب ، بل في كافة انحاء العالم الاسلامي ، ومتى يرى الامريكان الوقت المناسب للتفاوض والتفاهم مع طالبان فسيتفاوضون ، لأن امريكا لا مشكلة لها مع الحركات السلفية ، بل على العكس هذه الحركات موظفة لخدمة الاهداف الامريكية والصهيونية ، بالتعاون مع السعودية وقطر راعيتا الفكر السلفي المتطرف .
من خلال استعراض تأريخ السلوك السياسي الامريكي في التعامل مع قضايا العالم ، لا يصعب على المراقب والمتابع السياسي كي يصل الى نتيجة حتمية مفادها ،( انّ امريكا بلا ضمير )، وبلا التزامات اخلاقية ، طبعا لا يمكن في هذه المقالة القصيرة ، استعراض المواقف السياسية الامريكية تأريخيا بالتفصيل لأثبات ذلك ، لكن سنتطرق الى نموذج واحد من المواقف الامريكية في التعامل مع القضايا العالمية ، وهذا النموذج سنأخذه من افغانستان ، وليس هذا النموذج الوحيد في هذا البلد ، لكن سنأخذه كمثال على انعدام الضمير الامريكي ، هذا المثال هو موقف امريكا من زراعة وتجارة المخدرات في افغانستان ، كل انسان يعرف مقدار الخطر الذي تسببه المخدرات على الانسان ، وعلى الشعوب ، لكن امريكا رغم وجود هذا الخطر تغض النظر عن زراعة المخدرات والمتاجرة بها في افغانستان ، وكأن الامر لايعنيها ، ما دام هذا الخطر لا يهددها ، ولا يترك تأثيره عليها ، بل على العكس تخدم قضية المخدرات المصالح الامريكية في كثير من المناطق ومنها افغانستان .
بتأريخ 16 اب 2012 قدمت فضائية روسيا اليوم برنامجا بعنوان :
لماذا التساهل مع المخدرات في افغانستان ؟
وهذا العنوان اخترناه عنوانا لمقالتنا ، وقد ضيّف مقدم البرنامج اثنين من الخبراء الروس للحديث عن هذا العنوان ، من خلال الاسئلة التي يطرحها مقدم البرنامج على الخبيرين ، واجوبة الخبيرين ، توصلتُ الى الفكرة التي يريد البرنامج والخبيران الروسيان توصيلها الى المشاهدين ، هذه الفكرة تشير الى حقيقة ، وتشير ايضا الى اغراض سياسية ، الحقيقة هي ان هناك زراعة ومتاجرة بالمخدرات في افغانستان، وامريكا تغض النظر عنها ، في حين تعرف امريكا جيدا هذه المزارع وتستطيع بكل سهولة الوصول اليها وحرقها ، لكنها لا تفعل ذلك ، يقول الخبيران ان استفادة منظمة طالبان من المخدرات تبلغ حوالي مائتي مليون دولارا سنويا ، وهذه الفائدة قليلة بالقياس الى فائدة الحكومة الافغانية التي يدعمها الامريكان ، لهذا السبب يتساهل الامريكان مع المخدرات في افغانستان لغرض دعم حكومة افغانستان ، أرى أنّ هذا الادعاء على الحكومة الافغانية وراءه اغراض سياسية .
المراقب عندما يسمع هذا الكلام يستنتج امورا منها ، على فرض أنّ طرح الخبيرين صحيح ، امريكا تتساهل مع المخدرات ، لأن الحكومة الافغانية حليفة امريكا تستفيد من ارباحها ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل انّ الاموال التي تحصل عليها الحكومة الافغانية يعادل الضرر الذي تتركه المخدرات على الناس ؟ سواء كانوا داخل افغانستان او خارجها ، اذا سلمنا بحقيقة هذا الطرح ، هذا يؤكد ان امريكا بلا اخلاق ولا ضمير ، ومثلها كذلك الحكومة الافغانية المستفيدة من هذه الاموال ، أنْ صح قول الخبيرين ، في رأيي ان امريكا تتساهل في زراعة المخدرات ليس لهذا السبب ، بل هناك اسباب اخرى سنذكرها ، حينئذ يمكن ابقاء التوصيف الذي يقول ان امريكا بلا ضمير ، على حاله اذا عرفنا هذه الاسباب التي هي ليست خافية على احد .
هناك مؤشر ظهر في نفس البرنامج يدلّ على ان الحكومة الافغانية لا علاقة لها بزراعة المخدرات ، اذ شاهدنا جنودا افغانيين يقومون بحرق مزارع المخدرات واتلافها، وفي هذا دليل على ان الحكومة الافغانية لا توافق على زراعة المخدرات ، حتى وانْ وجد منتسبون فاسدون داخل الحكومة الافغانية يتغاضون عن المخدرات لمصالح شخصية ، انّ مقولة امريكا تتساهل مع المخدرات لاجل منفعة الحكومة الافغانية ، ادعاء غير صحيح ، تبطله الحقائق على الارض ، ارى ادعاء الخبيرين على الحكومة الافغانية انها تستفيد من تجارة المخدرات ، تكمن وراءه دوافع سياسية .
في رأيي ان سبب التساهل مع المخدرات في افغانستان ، ليس من اجل الحكومة الافغانية ، بل من اجل ان تستفيد المنظمات الارهابية منها ، وذلك يعود لحسابات امريكية سياسية وستراتيجية محسوبة سلفا ،لأنّ دول المحور الامريكي ، هاجسهم الرئيس اليوم هو اسرائيل ، كيفية المحافظة عليها ، والخطط لتطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية ، والتخطيط لأشغال العرب والمسلمين بمشاكل داخلية ، ودعم الفكر المتطرف الذي يزرع الفتن بين المسلمين ، وخير من يمثل هذا الفكر اليوم هو الفكر السلفي برعاية السعودية وقطر ، الذي انتج الحركات الاسلامية المتطرفة التي تكّفر المسلم الاخر المختلف ، وتبيح قتله ، كل هذا يجري بشكل عملي في المجتمع الاسلامي في الوقت الحاضر ، ومن الناحية الواقعية امريكا لا تتعامل بعدائية مع المنظمات الارهابية المتطرفة ، لان هذه المنظمات موجهة بشكل دقيق لخدمة الاهداف الامريكية الصهيونية ، منظمة طالبان والقاعدة التي تدعي امريكا محاربتهما ، انما هو كذب وافتراء ، اذ المصلحة الامريكية الصهيونية تقتضي ابقاء طالبان او القاعدة بين الحياة او الموت في المناطق التي تتواجد فيها القوات الامريكية، أنّ موت هذه المنظمات الارهابية لا يخدم المصالح الامريكية الصهيونية ، موتها يعني زوال المبرر لتدخل او تواجد القوات الامريكية في المناطق الاسلامية ، نعم قد تقتضي المصلحة الامريكية ان يموت بعض القادة لهذه المنظمات الارهابية مثل ماحصل لاسامة بن لادن ، لكن ان تموت المنظمة الارهابية ، هذا امر لا يمكن توقعه ، لأنه لا يخدم المصالح الامريكية الصهيونية ، من هذا يتبين أنّ التساهل مع المخدرات في افغانستان ، لم يكن اعتباطيا بل بناء على رغبة امريكية مسبقة لغرض تحقيق الاهداف السياسية المطلوبة ، منها تقديم الدعم المالي لهذه المنظمات الارهابية التي تخدم المصالح الامريكية ، كذلك التساهل يأتي من باب أنّ المخدرات وسيلة من وسائل الهاء الشعوب وتدمير نفسية المدمنين عليها ، وتخريب النسيج الاجتماعي في هذه البلدان ، وهذا ما تريده امريكا ويسعى اليه الصهاينة ، اذن التساهل مع المخدرات هو احد الوسائل التي تستخدمها امريكا لتدمير المجتمعات الاسلامية، اضافة الى وسائل اخرى منها نشر الفكر التكفيري المتطرف الذي يزرع الفتن الطائفية ويمزق وحدة المسلمين ، واشاعة الجنس بطرق غير شريفة وغير مشروعة لتهديم القيم الاخلاقية خاصة عند الشباب المسلم ، وتقسيم البلدان الاسلامية على اساس طائفي او قومي عنصري ، الى غير ذلك من الوسائل التي تدمر المجتمعات الاسلامية ، وتصرفها عن اهدافها الحقيقية ، ومنها القضية الفلسطينية ، كل هذه الاعمال التخريبية العدوانية ، انما هي جزء من الستراتيجية الامريكية في التعامل مع العالم الاسلامي.
التساهل مع المخدرات في افغانستان ، لم يكن عفويا بل هو جزء من السياسة الستراتيجية الامريكية الصهيونية لتدمير شعوب المنطقة ، اضافة للوسائل الاخرى ، منها ترك المنظمات الارهابية التي تدعي الاسلام ، وتعلن عداءها للمسلمين الاخرين تركها تعيش لا هي الى الحياة ولا هي الى الموت ، تستخدمها كورقة حسب الحاجة، فهي ان ارادتها ضعيفة في منطقة ما فستكون ضعيفة ، وان ارادتها قوية في اخرى فستكون قوية وعنفية دموية ، مثل ما يجري اليوم في سوريا ، من هذه المعطيات نستنتج أنّ العالم الاسلامي يتعرض الى هجمة امريكية صهيونية ليس بالطائرات والصواريخ والدبابات ، بل بوسائل تدميرية اخرى ، منها المخدرات ، والحركات الارهابية المدعومة من المحور الامريكي الصهيوني ، والفكر السلفي الذي يثير الفتنة الطائفية والمذهبية ،الى غير ذلك من وسائل منظورة ، واخرى غير منظورة .
بناء على هذه المؤشرات يجب على المسلمين التسلح بالوعي والانتباه وأخذ الحيطة والحذر لتفويت الفرصة على امريكا والصهاينة والمحور المتحالف معهما ، من ان ينالوا من المسلمين ، ويحقق بالتالي اعداء الاسلام اغراضهم الشيطانية ، لا سامح الله تعالى . |