صفحة الكاتب : حسين علي الشامي

فجر الفتوى تجارب خطها المقاتلون بحروفٍ من دم
حسين علي الشامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المقـدمـــــــة
ــــــــــــــــــــ
تحمل العراق منذ زمن بعيد الكثير من المآسي وواجهة كثيراً من الصعوبات، ففي كل مرحلة هناك عدو يحدق به ويمكر له ويصيغ الموت على ضفافه، غزواة تتبعها غزوات وانهار من الدم شيدت على انهاره ، ومقابر المظلومين لازالت تتزين كل يوم بأعداد جديدة من الشهداء .
من أصعب الظروف التي مرت عليه ما شهده عام 2014م ، حيث مرت عليه أكبر هجمةٍ بربرية قادها رجال الظلام من وراء الحدود لتسقط مدن عزيزة على قلوب ابناء هذا العراق وتعرضت بالوقت ذاته عاصمته الى نوبةٍ من الفزع والترقب ، إذ لم يتحمل اصحاب المسؤولية المسؤولية ، بل البعض منهم كان مسؤول عما حدث في تلك الحقبة الصعبة وبدأت أصوات الشر تتعالى ، تحلم بيومٍ من النزف على أطراف ضفاف دجلة والفرات ، فغيمة غيمة التعاسة على البلاد ، ولجئ الكثيرون من ابناء الوطن الى ملاجئ الدول التي كانوا يتوقعوها هي محطة الاستراحة لها ، ولكن كان هناك ضيمٌ أخر بانتظارهم إذ لا جدوى من هذا اللجوء فلم يتغير شيء فقد انقادوا الى حياةٍ اكثر خشونة وصعوبة .
لهذه البلاد رجالٌ تتطبعوا على الصعاب ، فكانت لهم دائماً وقفة مميزة ، وتجاربٌ خطوها بالدم على رمال الحقيقة ، فبصبرهم ورغم الظرف الصعب الذي مر به العراق والهاوية التي وصل اطرافها الا ان رجل العراق الاول كان له نداءاً غير تضاريس الحراك الدولي ، وهدم سقوف الغي والظلم ، فمنع بفتواه العظيمة ما كان أهل الظلام يرنون اليه ويتمنون حصوله ، فكانت فتوى الجهاد الكفائي لهم بالمرصاد.
لبى المؤمنون من أسرنا العراقية الباسلة لمرجعهم وخرجوا بكل أطيافهم غير خائفين ولا وجلين يضربون بعد التريس وصف الصفوف بيد من حديد كأن قلوبهم زبر الحديد .
على أثر ذلك بدأت رحلة التحرير ، فكانت المحطة الاولى لهم ، جرف النصر العظيم فكانت انطلاقتها تزامنا مع عاشوراء التضحية والفداء لتتوالى الضربات على العدو حتى عيدت كل أراضينا شبراً شبراً ، واسقطت رايات أهل الرياء لتمزق رايتهم السوداء فحطة على اثرها حمامة سلام بيضاء وليدة فتواه المقدسة بتعاليمها الانسانية ونداءاته الادمية التي لطالما نادى بها ابناء المرجعية تلبية منهم لقائد حملة تجديد روح الفداء والنضال والموت بشهادة وكفاح ، وبحرص منهم طبقت تلك التعاليم على أرض الواقع من تقديمهم المعونة لكل من لجئ اليهم متحصن بهم، والذود عن ابناء المناطق المحررة وحمايتهم من خوارج العصر.

كابوس اليوم المشئوم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في ذلك اليوم طرق باب الوطن الهم من جديد وزاد الطين بلة الخيانة التي صدم بها الشعب العراقي لتزلزل اركان المؤسسات المسؤولة عن حياة الموطن وبتتابع الاحداث تساقط غصن ثم غصن من أغصان ارض الوطن العزيز ليأتي اليوم المشئوم ذلك اليوم الذي أعلنت مجموعات من العصابات المرتزقة أقامة دولة مبدئها الاول والاخير الارهاب الاعمى وعلى أثر ذلك زيد سقم المبتلين بهذا البلاء الاسود لتزدهر معاناتهم في الايام المقبلة .
ليس المفاجئ التعرض لأي نوع من الاحتلالات، لكن الصدمة تكمن بتخاذل الترسانة العسكرية المسؤولة عن حماية المدنيين الذين دائما ما يكون أملهم الوحيد العيش بأمان لتكون نتيجة ذلك التهاون والتغاضي سقوط اكبر الاغصان والاكثر حساسية بتنوع الوان وريقاته ، فسيطرت تلك المجموعات على مدينة الموصل وهي ثاني اكبر مدينة في العراق.
دق ناقوس الفزع في قلوب الامنين وطرقت ابواب قلوبهم أجنحة الخوف والخطر فهم ليسوا اكثر من مدنيين لا يملكون العدة والسلاح ولا يمكنهم خلال تلك الفترة اعداد الخطط اللازمة والرصينة للدفاع عن اراضيهم وبيوتهم ومراكزهم التجارية فقرروا الهرب فعم ذلك اليوم الكثير من صور الهرب الكبير الذي تمثل بأول الهاربين المسؤولين الحكوميين السياسيين والعسكريين فنقادة الموصل أسيرة مغلولة الايدي الى من لايعرف قيمة الانسان فحدثت على أثر ذلك الكثير من الاهوال التي اضطرت المجموعات الانسانية من الانسحاب واللجوء الى أقرب نقطة قريبة أمنة تاركتا خلفها الذكريات الحلوة لتركن الى الفزع والخوف واللجوء الى أسوء حالا قد ينتظر اللاجئين المدنيين الذين بهروبهم كانوا لا يتمنوا الا الحصول على مأمنا لهم ولذويهم من النساء والاطفال .
الدعاية الاعلامية والتهويل الاعلامي من القنوات المغرضة شارك تلك الحملة الرعناء ليقضي على البقية من أمال الشعب المأسور للمعاناة والمساوئ، ليتلوا بعد ذلك الصدمة الكبرى حيث تلت الموصل مدن أخرى تسقط نفس السقوط بتغاضي الكثيرين ممَنْ هم عاملين على رعايتها وتوطيد الاحوال الاجتماعية والسياسية فيها، فتلت الموصل الانبار التي حدثت فيها ثاني أكبر مجزرة عرفها التأريخ حيث قتل من أبناء المدينة وبالتحديد من المدنيين المسالمين ما ناهز الخمسمائة فرد او اكثر بتنوع مراحلهم العمرية شيب وشباب، نساء وأطفال دون أدنى رحمة أو شفقة حتى طافت على تلك المدينة أسربا للغربان السوداء لتقضي على كل الآمال التي بنيت على تمني التحرير من هذا الضيم والظلم والقتل والاضطهاد ، تلك واقعا كانت عبارة عن حادثة مأساوية يندا لها جبين الانسانية، وتقف دقات القلب مأسورة الى ذلك البطش المذهل والاعتداء الوحشي على اناس مسالمين ذنبهم الوحيد أنهم عراقيون رفضوا هكذا نوع من البشر، كذلك ما حدث في صلاح الدين وتلك الحادثة المروعة التي راح ضحيتها شبابا بعمر الورد ذنبهم الوحيد الانخراط بالمؤسسة العسكرية فكانت نتيجتها سبايكر، الشهادة والموت الاحمر حيث قتلوا على أعتاب دجلة فأحتضنهم احتضان الاب المروض لألم أبناءه بقليل من الماء البارد ، كما تعرضت ديالى الى نفس الحال من المساوئ فحوصرت مدن بأكملها واضطرت أخرى للتنازل عن مدنيتها محاولة استغلال الوقت المتبقي للمحافظة على كيانها والدفاع عن شرف المدينة ودفع العدو قدر الامكان وهذه المدينة حقيقة ضربت أروع مثل البطولة والشجاعة حتى لحظة التحرير ، ولم تكن بغداد في مأمنٍ مما أحدثه ذلك التهديد فالعدو بدئ يهددها بالموت وإراقة دم أبرياؤها محاولين تغيير أسم مدينة السلام الى مدينة الموت والسراب .
خلاصة الاحداث لم يكن ذلك اليوم المشئوم بكوابيسه الفظيعة الا خط قلم لم يميز الصواب عن الخطأ فعرض العراق وأهلها الى بحيرات من الدم، ليقتل شهداء أبرياء بمبرراتٍ لامعنى لأصولها ولا أصل لفروعها لترتكب المجازر وتقام المحاكم اللا شرعية لتستنزف من خلالها الآموال والاملاك وتنتهك على أعتابها أعراضا لطالما مُصانٌ شرفها ونقي نوعها .
لم يكن ما حدث من أحداث داخل أرض الفراتين تحت المسميات التي أدعوها المساندين والمدافعين عن الارهاب والمسمين له بالجهاد المقدس الا عبارة عن غاية تسكن أفئدتهم هي تحقيق تلك الأغراض المريضة بحلمهم في حكم العراق من بوابة الارهاب.

فجر الفتوى (البداية الجديدة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خيمت على سماء العراق غيوم الخوف والترقب ، وغابت شمس سعادته البهيجة بألوانها وأطيافها المختلفة، ليغرس الخوف بقلب كل محب لهذا البلد ، لم يكن ذلك اليوم المشئوم الا سم خنق عنق المترقبين لسلامة وطنهم والحالمين بيوم جديد ، فمنذ عام 2003م لازال العراق يعيش ذلك الظلام من السرقة المتكررة لثرواته والقتل على الهوية فقط لمبررات طائفية جاء بها خدم ما وراء الحدود ليزيدوا خوف العراقيين ، أستمر العمل على هذا المنهج - منهج الارهاب الاعمى- طول تلك الفترات التي سبقت سقوط ما يقارب 40% من ارض العراق في عام 2014م فكانت كلها محاولات فاشلة لتخريب بقايا الحياة في العراق وتحويله الى مرتعٍ للإرهاب والارهابين فهذه واقعاً كانت رغبة المحتل لزيادة القدرة على سرقة العراق الجديد .
كابوس اليوم المشئوم والامكانيات الاعلامية التي أمتلكها الخصم - العدو اللدود للعراق ووحدته - تعامل بقدرة فتاكة مع الموقف فقد قاد حرباً باردة قاسية على أبناء العراق محاولاً تمكين اجندته العسكرية الظالمة من زيادة تفشي المرض السرطاني داخل جسد العراق الجريح فهي محاولة احتضان أيدي الاخطبوط لجميع أوصال هذا البلد حتى يتمكن من تكسير عظامه وأضلاعه حتى يكون لقمة سانحة لعدوه يأكله كيف ما شاء وأنى ما شاء!! .
المخططات كبيرة والاجندة التي كانت خلف داعش كانت عبارة عن قيادات متكاملة حرصت على زرع الفتنة أولا من خلال المندسين بين أنفسنا من أهل السنة بزرع جملة من الافكار عن أخوتهم في الجنوب والوسط حتى جعلت لكل منهم أسم وصفة ولم يهرب من مسمياتهم أحد أبداً فالكل معرض للقتل والنهب والسلب .
الجميع كان متفائل بذلك النصر الأسود ومبتهج بتحقق أولى خطوات حلمه الضبابي الذي لطالما تمناه، فجزء كبير اليوم من العراق بأيديهم، فعلت بعد ذلك أصوات النشاز بقادمون يا بغداد و يا كربلاء و يا نجف وسنفعل كذا ونفعل كذا ، لكنهم نسوا أنهم يتعاملون مع من زُرعت الحرب بأنفاسه منذ ذلك الزمن البعيد الذي كانت صفين فيه جهتان أحداهما العراق وأهله والاخرى الشام وأهلها من أصحاب النزوات والكفر والخط الظالم .
نسوا انهم يتمنون ان يقودوا أبناء ثورة العشرين متناسين أنهم أبناء شعلان أبو الجون و أولئك المراجع العظام .
كذلك نسوا أنهم أبناء النجف والنجف فيها فارس لا يلني وسيف لا يخيب فيها علي وتراثه الابدي الباقي الازلي .
نسوا كربلاء بتوابعها من اهل الجنوب والوسط من أبناء الحسين الشهيد والعباس صاحب الكفين وسيد الماء ، فجاءتهم الصدمة الكبرى والنداء العظيم تحمله ملائكة الرحمان بسواعد تحمل لواء الحمد وبأيديهم مكتوب مختوم فيه أنهضوا أيها الصابرون ولبوا نداء المرجع الكبير ففتواه نادة بالجهاد الكفائي ، فمن يجد بنفسه القدرة على حمل السلاح فليتوجه الى ساح الوغى والكفاح ، فجاءت الحشود تتلو الحشود ملبيتا النداء ، ليبزغ فجر جديد فاصحاً عن بدايةً مثالية لتمنع جميع الخطط التي حيكت على العراق بأرضه وأبناءه كزلزال يضرب أعماق بيوت العنكبوت الهَرِمَ ، لتتغير الحكاية على سواعد النبلاء وتمزق رايات اهل الفجور والكفر ، معلنتا تلك الصيحة الفتوائية بتجديد الدماء من خلال الق الفداء الذي أستعد له العراق والراغبين بجهاد الاعداء .
لم تكن تلك الفتوى الا ولادة لحياة جديدة مرسومة ملامحها على الواح الايام الصعبة لتمسح على كتف العراق الاب بلمساتٍ ناعمة تداوي الجراح التي سببها أصحاب الضلالة واتباع الاهواء والغايات المريضة، فالغاية التي جاءت بها، غاية سمحاء بريئة رغم اللون الاحمر الذي قد تتزين به أطرافها وتتجمل به أطيافها .
الحكمة التي جاءت بها فتوى النصر المؤكد هي دعوةٌ للانتصار وحماية النفس والمال والاهل والعرض بلا موتٌ حطام ونهايةٌ مأساوية فهي مداد لذلك الصوت صوت فزت ورب الكعبة وألق الوجود تمثل بهيئتها الرائعة المنتصب على هيهات من الذلة وكشف غايات اهل النفاق والعدوان وعدم الاستسلام لرغبات قوى الشيطان الحريصة على تنفيذ غايات ربهم الاعلى -أهواءهم المريضة- حتى لو كلف ذلك الناس الامنين حياتهم .
لقد جاءت الفتوى لتُحيي روح الانسانية من جديد، لتحفظ ماء الوجه لمن لجئ من خوف الظالمين الى بوابات مدن الرحمة من أهليهم وشعبهم الذي لبى وخاض تجارب متنوعة مع البداية الجدية التي مثلتها الفتوى المقدسة .

أيثار الأُسر الملبية لنداء المرجعية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم تقف الاسر العراقية الشجاعة مكتوفة الايدي بعد ذلك النداء الكبير الذي فجر فيهم الحس الانساني ودفع في أعماق روحهم الشجاعة والبسالة ، مستنهضاً قوى الحماس والجهاد في صدورهم ، متخذاً تاريخ تلك الاسر وسيلة لقيامهم ، مذكرهم بنتائج عبق ذلك التاريخ الابيض بدفعهم كل عدو لدود حاول نحر أرضهم بسيوف الشيطان ، فكانت لهم الوقفة المثالية والقوة الجهادية الكافية لدفع ما يملكون وما لا يملكون مكملين صفوف النضال على سواتر الابطال .
القصة بدأت من تلك العوائل التي أثَرت بروحها وفروعها تارةً دافعة أبناءها نحو صف الصفوف وإكمال العدة والعدد من أجل دفع العدو ببسالة وقوة عن ارض الرافدين رافعي نداء الله والاسلام على أكتافهم الشجاعة من بوابة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ، فكانت تلك الوقفة وقفةُ رعبٍ ورهبة جبت في صفوف العدو فاكتملت صور البطولة بألوانها الحماسية فأرهبت العدو وأي رهبة كتلك التي كانت يوم بدرٍ وحنين {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} .
عملت الاسر على سد كل الثغرات لتنشيط هدف الجهاد وتقوية عدته من الدعم العسكري واللوجستي فالإباء ، الابناء ، الاخوة، الاعمام ، الأخوال على الساتر انتشروا يحموا ماوراءها من الامنين من النساء والاطفال، بينما عمل الاخير على الدعم اللوجستي ليكافئ المناضلين على حميتهم من تقديم المؤنة اللازمة لرعاية قوتهم ووقفتهم البطلة .
كان النداء الى الجهاد الكفائي نداء نهضة الاصلاح في أمة أصاب كبدها مرض أستفحل فسرق الكثير من صحتها ، وكان الملبيين العلاج والوقاية من ذلك المرض حتى لا يستفحل أكثر وتأخذه العزة بالإثم فيضرب أهل الخير في هذا البلد ، فكانت الدعوة الى النصر هي القلب النابض في عقول حماة الوطن وانصارهم من الاسر العراقية الحرة الابية .
اكتملت الصورة بعد توجه الخيرين الى ساحات الوغى وانتفضت غيرة العروق النقية بوجه أصحاب الاهواء المريضة معلنتا إصرارها على الحماية والذود عن خير البرية العتبات المقدسة والاثار النقية لعترة المصطفى (صلى الله عليه واله) لتمثل تلك الوقفة خير الوقفات وأشرفها وانقها فقد تلونت بلون الولاء والشجاعة والايثار ، فالمتوكل العباسي لن يستطيع إعادة الكرة مرة أخر بتهديم قبر الحسين ، ويزيد الامي لن يستطيع اليوم أن يسبي زينب مرة أخرى ، وحاشا ان يكون ذلك وأهل الايثار بمرجعهم الكبير يتنفسون الهواء وفيهم روح تسكن أبدانهم ودقات قلب تنبض واحدة تلو الأخر ، لذلك هم الطينة الوفية لأصلهم النقي ، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) : وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فقلوبهم تحن إلينا ، من أصلهُ الشجاعة والمروءة والبطولة من المؤكد سيكون نحوه على هذا وحراكه على ذات الحراك وصبره بنفس القيمة والايثار، فضربت على سواعد الوارثين لنقاء تلك الطين أعظم وأجل صور النهضة بهدف حفظ الارض والعرض عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل الله ، فقد جادت الاسر بالنفس والمال ليكاملوا تلك المعادلة التي سنها أسدهم بفتواه الجهادية ، ودعوته لدفع العدو وتحطيم رغباته الفاسدة ، فقتل الاطفال ، وسبي النساء ، وذبح الاسير وانتهاك الستور ، ليس من نبض الاسلام ولا من دعواته ، لذلك وجب الجهاد ودفع هذا الوحش عن ارض السواد وتمزيق رايته السوداء، وقد لبى أصحاب الايثار بسحقهم أهل الفسق لتتوالى على أعداء الدين الضربات الموجعة ولتتغير تلك المعادلات السوداوية لتحل بدلا عنها الحلول البيضاء والافكار النقية مواعدين ذويهم على الصبر حتى يعاد أخر شبرٍ مغتصبة من قبل الظالمين المنتهكين والسراق الطامعين .

دعوة المرجعية الخالدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعد المرجعية المقدسة المؤسس الاول لتشكيلات الحشد المقدس بفتواها التي دعت من خلالها الى الجهاد الكفائي والتي لاقت قبولاً من جماهير الشعب لم يسبق له نظير حيث توجهت الحشود التي قاربت على الثلاث ملايين من مختلف الاعمار ملبيين لدعوة الانتصار لدماء العراقيين ممن اعتدى عليهم وسرق أراضيهم علنا .
كانت المرجعية الداعم الرئيسي في تنمية الحشود المليونية التي التحقت بصفوف المجاهدين ، وعلى الدوام وكما هي -المرجعية- تحصن فتواها بما يبني الدولة ويعز الامة ويدفع عنها بلاء الظلم والاضطهاد ، وعلى ذلك دعتْ الجميع الى الانخراط بتشكيلات الجيش والشرطة والتعامل مع الدولة والحكومة على انها المحرك الرئيسي لقيادة هذه الحشود لما يتناسب والوضع الذي يتعايشه العراق في تلك الحقبة السوداء التي أرهقت تفكير المهتمين والراغبين بدفع الظلام الاسود عن سماء الوطن .
على هذا ابدت الحكومة تعاونها الذي امتاز بشفافية العمل ودعم الحشد الشعبي والذي انتهى أخيراً بسن قانون يعلن عن ان الحشد هو مؤسسة عسكرية تابعة لحكومة ودولة العراق تخضع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة ، فيما قد أثبتت المرجعية بحكمتها ونبلها صلابة موقفها من الدعوة لتنظيم الجماهير والمطالبة بحقوقهم اللازمة والحفاظ على أرضهم، ودعمهم بكل ما يستحقوه سواء كان دعماً لوجستي او عسكري .
وحقيقة لولا تلك الوقفة التي مثلتها المرجعية بنبل تفكيرها وحكمة قيادتها ورؤيتها البعيدة لكان الان العراق بغير حال، حالٌ مأساوي، يحيا حياة صعبة، يتنفس صغاره الدخان الاسود، ويعيش كباره تحت بطش الظالمين، أضافة كبيرة وخطرة وهي تعرض المقدسات الطاهرة لأيدي هؤلاء الخفافيش المتعطشة لسفك الدماء وامتصاص خيرات أهل هذا البلد .
الفتوى الجهادية كانت دعوةٌ خالدة حُفظَ من خلالها يراع هذا الوطن وأبناءه من سطوت الظالمين، وحَرُمت المخططين من تحقق حلمهم بإرجاع رحى التأريخ الى الخلف كي يعاد أهل الظلم الى منصات الحكم من جديد وتعاد تلك الايام التي حاكها صدام وأعوانه ضد المدنيين الامنين .
كانت فتوى الجهاد الكفائي صيحةُ أسدٍ مغوار وعالمٌ فذٍ قائدٍ حكيم تمثل برؤياه العميقة ورأيه الصلب الواحد الذي لم يدعوا في يومٍ ما الى الاعتداء أو تمزيق الوحدة وتشتيت الصفوف، وقد أمر المرجع الكبير رغم الجراح التي تعرض لها أهلنا من أبناء الجنوب والوسط من المجازر في تلك المناطق التي سقطت بأيدي براثين الارض داعش الا أنه عرف أهل الجهاد أدوارهم وبين فكر الجهاد النقي على صورٍ من النبل والأخلاق ، ومثله على شاكلةِ الزرع الذي ينتظر أهل العراق حصاده بالقريب العاجل، فأوصى بإفشاء السماحة والسلام وحفظ المال والعرض لأهل المناطق المحررة.
كما وأكد على أهم القضايا التي تمس المجاهدون قبل غيرهم وهي الغاية من الجهاد فقد وضح ان الغاية الرئيسية هي الحفاظ على أرواح المجاهدين لانهم يمثلون العراق و عوائلهم التي ترقب مجيئهم سالمين غانمين ، وعدم التعرض الى ما قد يؤدي بحياتهم الى التهلكة فالغاية الاولى هي النصر لا الموت، وان كان هناك موت فهو موتُ عزٍ وشرف وحياة أبدية تخلد بأهداف المجاهدين التي برزوا الى مضاجعهم الاخيرة ونهاياتهم السعيدة من أجلها فكانت فلسفة فتوى الجهاد الكفائي هي النصر قبل الموت والحفاظ على سلامة العراق وأهله بسلامة مجاهديه.

مقاومة وصمود
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فجر الفتوى بزغ بعد ظلامِ ليل أسود، اختفت فيه أضواء الأمل، وانتهى تدريجياً شعاع الامن، فسيطرت خفافيش ظلام ذلك الليل على فسحٍ واسعةٍ من بلاد أرض الرافدين، ناشرة الفساد في أطرافه بنداءاتٍ وصيحات الباطل، متغنين باسم الجهاد المقدس، لكنهم غيرُ ذلك فقد مثلوا الكفر والنفاق ونشروا الشرك والظلم في أرض أم الربيعين فيبس خضارها وأسودة سماءها وأحمرة شمسها منكسرةٍ بعد جمال الطلة والهيبة .
لم تكن تلك الصيحات الا صيحات الالتواء على الدين والتعامل مع القرآن بالضد فكانت أمنيتهم أرسال إشاراتٍ الى العالم الخارجي أنه أسلامُ قتلٍ وتخريب ونهبٍ واعتداء، وهيهات ان يكون كذلك فقد تغير الحال وكشف المستور للعيان اذ لم تبقى لهم هيبةٌ ولا وقار بعد بزوغ فجر فتوى الجهاد الكفائي حيث كسرت رماحهم وسيوفهم التي جاءوا بها متمنين اكتمال حلمهم بالسيطرة على أرض الاسود وقيادتهم الى حتوفهم ببرودة دمٍ وأعصاب.
كانت الفتوى شرارة النهضة وسبيل النجاة والطريق لكسر قيود الظالمين ممَنْ كانوا يتوقعون انهم الاقوى والاكثر دهاءاً في سرقة أحلام المدنيين الامنين، ونهب ممتلكاتهم والاعتداء على خاصياتهم دون اي ردة فعلٍ يتوقعوها منهم، لكن هيهات وألف هيهات بوجود أسد فتوى الجهاد والكفاح تلك الفتوى التي افلت رحلة الظلم بمنح لواء المجاهدين سمة الفوز والخلود وأكدت بثوابتها وتعاليمها شاخص هيهات من الذلة لتكون البداية قويةٌ من خلال الملبيين الذين باعوا أنفسهم لله تعالى واشتروا دينهم وأخرتهم بأموالهم وبنيهم وأنفسهم .
بعد المعاناة التي عاشوها أبناء الاراضِ المحتلة من قبل داعش جاءت رايات الحق رايةٌ تتلو أخرى متحصنة بالأيمان وجلادة القلب والصبر على المصيبة لتضرب بيدٍ من حديد كل من سولتْ له نفسه وتصور خياله الضيق أن بإمكانه أقامة دولة الباطل بوجود رجال الله من المجاهدين الصابرين .
بدأت المقاومة وعمل المقاومون على تطبيق كل الأمور الانسانية التي أمرت بها المرجعية المقدسة بالحفاظ على الأهالي وممتلكاتهم وإنقاذهم من بطش الظالمين فكانت يد الله فوق أيديهم وأرواح الشهداء من آل البيت حاضرةٌ معهم ببطولاتهم وتضحياتهم وأهدافهم حتى سقطت رايات الخبث والعدوان لتحل بدل عن كل راية سوداء أخرى بيضاء بما نادى به اصحاب تلك الرايات من انسانية الاسلام و تطبيق شرعه المقدس على ارض الواقع والخروج برؤوسٍ مرفوعة من ارض المعركة بصورٍ خطها المقاتلين البواسل بمقاومة اعداء الدين والصمود على ايام المحن وسنوات الضنكة والضيم.

لبينـا فانتصرنا
ــــــــــــــــــــــ
رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ونبيهم وال بيته (عليهم السلام) ومن بعدهم قائدهم سيد الفتوى وحصن الامة المرجع الكبير، فقد خرجت حشودهم الملبية بقلوبٍ ملئها الحماس والفخر والشوق الى الجنة، لم توقفهم أمنياتُ الدنيا ولا ملكها أو زخرفها، فقد حصنهم الايمان ورمقتهم سعادة الموت بكرامة، حيث الشهادةُ كانوا يتمنون والنصر رفيق الشهادة، فالإرهاب الاعمى لا يملك تلك القوة التي أمتلكها أبناء المرجعية وأبناء العراق الملبيين، فهم أبناء منهج سيد العباد وامام الدعاء بحنجرته الذهبية التي زلزلت أركان وربوع ملك ماضيهم الاسود أبن زياد واين أبن زياد بعد ذلك الرد القاصم الذي مزق أوصال غطرسته وطغيانه: أبا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة .
لبى المجاهدون لنداء الجهاد مضحيين بما يملكون، النفس ، المال ، البنون، كلها عناوين وصور وشاخص ومثالية التضحية التي أسس طريقهم النضالي على أثرهن ففي كل يوم هناك شهيد ارتسمت على سيماءه رؤية الجنة، يحتضن جثمانه أبنٌ تعزى بعزاء الله ، بقولٍ يجسدُ ألمعنى الحقيقي للصبر : اللهم خذ حتى ترضى، فرؤياهم جميعاً كانت الرضى بقضاء الله تعالى وقدره.
كانت أجسادهم الطاهرة تتلو بعضها بعضٍ بأفعالٍ جهادية سمتها العزة والفخر وقداستها الشرف والجود وشاخصها النضال والحمية، على هذا النحو سار أهل الدين والجهاد والإقدام، فهدمت أركان جبروت ظلم الطاغين كأنها بيوت النمل قد زلزلتها وقع أقدام جيش سليمان النبي وقد حفهُ من كل حدبٍ وصوب شعور الانسان بالإنسان رغم المعاناة القاسية التي رؤها المجاهدين .
لم تكن تلبيتهم فقط القتل والقتال رغم شرفه العظيم، انما كانت تلبية تطبيق أوامر و تعاليم تلك الفتية المقدسة التي سمت لتكون نبراساً يجسد معنى الانسانية في انتشال الناس الذين وصفتهم المرجعيةُ بأنفسنا.
أنفسنا التي لابد مراعاتهم والحفاظ عليهم وذويهم بشتى الطرق وحتى لوكان الامر محال هكذا كان قول سيدهم الجليل صاحب القداسة والحكمة الجلية، قالها ليحفظهم من كل سوء فهم على حد التعبير قد ذاقوا الامريين ولا يجب ان يتذوقوا المزيد .
لذلك كان النصر حليفهم فمن كان يريد الله والاخرة لابد ان يثبت في ساحات تزلزلت الاقدام في وقوفها وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ الا من رحم ربي وهو ذو حظٍ عظيم .
نعم انهم كذلك ولمَ لا وهم البارزون الى مضاجعهم ببهجةٍ تترقب النصر حتى لو كان مستحيل في أوقات الضيق التي قل فيها الناصر وكثر العدو ، وأرادة الله فوق كل ارادة، لذلك مناهم الله بما كانوا يتمنون، وواصلهم بعزاءه وفضله حتى كانوا الملبين المنتصرين كاسرين شوكة أعداء الدين ، ليمدوا جسور العون والمحبة لأناسٍ ظلمهم المنافقون فكادوا لهم كيد المفسدين، فسطرت صور النصر على سواتر النُبل والقيم لتوعدَ بيومٍ جديد من غير سفكٍ للدماء أو هتكٍ لعرض أو سلبٍ لمال بحجج واهية جاؤوا بها، لتتهالك على ايدي المجاهدين أساليبهم وتتساقط رايتهم أما صيحات أهل التلبية والنصر.

تجارب خطها المجاهدون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للأحداث رجالٌ يغيرون مسار التأريخ ، فيستبسلون بمنع طغيان الفاسدين من الظهور والسيطرة على رقاب الناس، دافعين ذلك بدمائهم الزكية، يسطرون سجلات الحاضر والمستقبل بحروفٍ نقية، متأملين تغيير الواقع حتى لو كلف ذلك أعز ما يملكون، فقد وهبوا لله أروحهم فداء وتضحية بإقدامٍ يباهي الله ملائكته المقربين به فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال : إن الله يباهي بالمتقلد سيفه ملائكته فهم البارزين الى روضات الحق والحامين لشعار رب العالمين إقامةً لشريعته وسنته ، فكانوا القائمين الطالبين بحق الناس وقد ميزهم بارئهم من بين الخلق أجمعين أذ قال جل من قال: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، فجعل لهم المكانة العليا فقال: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29].
هكذا هم ما عشنا وحيوا فينا كعمود النور يضيء لمن حوله، نستلهم من أهدافهم فكرٍ نَيرٍ ونتعلم من أهدافهم وعياً وحلماً فهم الاحياء المخلدون الذين يتداول الفخر أسمائهم مبتهجاً كونهم عنوانٌ من عناوينه المميزة.
تمر المحن على بلدانهم فيكونوا دائماً هم أولُ الملبيين مكملين الحياة بصبرهم وطاقاتهم وقدراتهم يبحثون عن أملٍ في ظل الليل الطويل ، فينجحون بتحقيق ما كانوا يقدمون الارواح لأجله ، وهذا ما حدث ويحدث اليوم، خياراتهم المميزة كانت سبب في نجاحاتهم فاختيار القيادة الحكيمة هي بداية المشوار الطويل على الصراط المستقيم الذي يصل بسالكيه الى بر الامان هكذا كانوا هم وكان قائدهم ورمزهم سيد فتوى الجهاد الكفائي.
فإنقاذ الوضع المتأزم يحتاجُ لرجالٍ قلوبهم كقلوب الاسود اذا أشتد الوطيس، وفيهم حكمة قائمة كعمود نورٍ يمتد الى عنان السماء ينجيهم وينجي أهليهم وأنفسهم مما قد يصيبهم بسبب جرثومة دهاء الغابرين الطاغين الحالمين باقتياد الناس الى الضيم والتسلط على رقاب الامنين ، فبفضل فتوى الجهاد الكفائي ورجالها تغييرة معايير العالم وانكسرت رايات المفسدين وانقلبت عليهم أفكارهم فكانوا {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15].
ففتوى الجهاد الكفائي كانت بمثابة الفرج بعد طول صبر أيوب على البلاء ، وصورةٌ حقيقية جسدت شموخ الثقة المطلقة بالله {فصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} [يوسف: 18].
لم يستقبل المرجع الاعلى في يومٍ من الايام اي إندفاعٍ سلبي او تحرك عشوائي يذهب ضحيته الابرياء، ليثبت مرجعنا الكبير حقاً انه سليل تلك القيادة الواعية وصاحبة الرؤية البعيدة – قيادة أهل البيت (عليهم السلام) لشيعتهم وأنصارهم – في قيادة الامة ودفع المكاره عنها .
لذلك جاءت فتوى الدفاع المقدس مبنية على بصيرةٍ ناضجة واعية للمعادلات التي صارت نصب أعين القائد والمرجع، فجاءت بغاية إنسانية هدفها دفع الظلم ومنع انتهاك الستور من قبل هؤلاء الخفافيش الظالمين المانعين للخير والمفسدين في الارض أبشع وأنكر فساد ، فهب المجاهدون يستبسلون يدفعون سواد الكافرين والمنافقين حامين الامنيين بدمائهم وصبرهم حتى مرت على عيونهم وقلوبهم أحنك الظروف وأصعبها ، فالشوق للأبناء ، والزوجة ، والاب، والام ، كان معهم وفي صدورهم الا أنهم أبوا الا أن تكون لهم السواتر فرشٌ تغنيهم عن كل ذلك ، فاحتضنوا بنادقهم معبرين لها عن ذلك الشوق بفداءٍ يطرزوه في كل يوم ويرسموه على شاكلة ألواحٍ ملونةٍ بالوان النقاء والتضحية ، تلبيةٌ منهم لصوت الحق وحفاظاً على شرف وقداسة هذا الوطن.
كان صبرهم ثوباً ارتداه عراقهم ليكون ستراً له من كل عيب أنشئوه هؤلاء المرتزقة، وبناءاً جديداً لمستقبلٍ واعد حلم فيه كبيرهم وصغيرهم، فزلزلت أمام رايتهم أقدام المعتدين فكان سراباً حلم الطاغين ، مرت على عيون الحالمين كأنها كابوس جلسوا منه متيقظين بفضل تلك الصيحة التي مثلتها فتوى العز والشموخ .

من وحي قصص صبرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للفداء قصص طرزها اصحابه ، فرسموا لوحاتٍ متكاملة تحملُ على أغصان رسومها أوراق العزةِ والفخر، فقد آثروا وجاهدوا فقاتلوا، قتلوا وقَتلوا وبقوا هم وذويهم صابرون محتسبون مؤمنين بقضاء الله وقدره، فرحيين باختيار الله لهم انهم من المقربين وذوي المكانة العالية عنده، فهم الشهداء الشفعاء ومن قبلِ المقاتلين المجاهدين الصابرين، كأن قلوبهم زبر الحديد، لا تلهيهم الدنيا عن غاياتهم النبيلة ولاتلهيهم الاهواء والرغبات عن طلب الجنان العليا، فصاروا الدرس الذي ينتهل منه المتعلمين، والشاخص الذي يلجئ له العارفين، في الاعماقِ يعيشون، فهم الاحياء المخلدون بغاياتهم وفدايئتهم واهدافهم التي قتلوا من أجلها وقاتلوا العتاة عنها.
يسئلونك عنهم قل هم حشد الله المضحين الذين تكتب قصصهم فخرٍ للتأريخ كي يأخذ منها المؤرخون عباراتهم والمعتبرون أجل العبر وأعظمها، فالشجاعة والنبل الذي مثلوه وذويهم كان صراط الحق وطريق السعادة وشمس الصباح التي تصل بصاحبها الى الحقيقة ، فهم الحق الحقيق، والمنطق الصريح، والفعل القويم، من اين أبدأ وقصصهم كلها شجون وكفاح وشجاعة وايثار لكني أعرف من اين أبدأ أبدأوا من قاتل القناص الداعشي، ذلك الرجل الذي كان يعرف بنضره الثاقب، وبعد مرور ايامٍ وايام من وقوفِ قطعات الحشد الباسلة وعدم قدرتها على التقدم أكثر، خوفاً منها على حياة عناصرها البطلة، حيث كان القناص الداعشي يحشوا قناصه بإطلاقات الخيانة للوطن والموت لأبنائه فكلما تحركت القطعات هددها بإطلاقة خائنة فتتوقف الحشود البطلة، فأمر القائد أبو أحمد بأن يأتوه ب (جنديل ابو فليح) وهو رجل شجاع من أهالي (الجبايش) في مدينة ذي قار كان معروف بنظره الثاقب، فقال له : أبو فليح أريدك أن تعرف لنا مكان هذا القاتل الخائن وحَمسه بكلمات الرجولة والشموخ، فأبتسم أبو فليح أبتسامة بانة من خلالها تجاعيد الايام على وجه مرسومةٍ كأنها أنهر تمر على محياه وطلب بعد ذلك سيجارة أخذ يدخن وبنفسٍ واحد أنهاها وكأنها المسافة بينه وبين أحبائه الذين فارقهم.
وقف فليح بعد ذلك يترقبه ، واذا بالقناص اللعين أطلقة أطلاقته الشريرة فناداهم جنديل انبطحوا فقد أطلق أطلاقه ودلهم على مكان الداعشي الذي كان ينصب عدته وسلاحه داخل محولةُ كهرباء فتوجهت عليه سيارتين مدرعتين وقامت بحرقه وقتله داخل المحولة ومن ثم تقدمت القطعات الحاشدة لتكمل مشوار التحرير ، بفضل شجاعة وبسالة وفداء أبن الجنوب العراقي الذي قدم عيناه وقبلهما روحه فداءا لأبناء لواءه العسكري الذي كان يتقدم بأتجاه تحرير مدينة الفلوجة المنكوبة.
وهذه تعد من أهم قصص تلك البطولات التي قدمها أبناء المرجعية الحرة بتأييدهم تعاليمها وتلبيتهم لأوامرها بفتواها العظيمة.
وحقيقة أن من القصص التي تهيج شاعرية المراقب قصة أحمد الذي جاء به أخوته ممن كان يقاتل معهم في صلاح الدين شهيداً وقد وضعوه في جنازة ملفوفة بالعلم العراقي داخل سيارة مظللة وأخذوه صوب الكوت يبحثون عن أهله وبعد الوصول الى مدينته والبحث المستمر عن ذويه وصل أصدقائه الى بيته، والمفاجئة كانت انه بيت من طين مسقوف ببعض السعف وجذوع النخيل وحالته الاجتماعية والمادية يرثى لها، يعيشوها أهله داخل حيٍ من أحياء الكوت (التجاوز) ، طرقوا الباب واذا برجل كبير، طاعنٌ بالسن يستقبلهم وقد دعاهم للدخول الى البيت فأطعمهم وأتم معهم دور الضيافة المميزة، وبينما هم يشربون كوب الشاي حدثهم الاب بهدوء : أبني أحمد أحسه معكم لما لم يأتينا أمستحي أم ماذا؟! وأبتسم ابتسامة مشرقة ثم أستدرك بحديثه أن أمه تحس بأن ولدها خلف الباب فلما لا يدخل وهو معكم؟!، أخذت الحسرة والوجع الاصدقاء بعيداً ثم أوجس الاصدقاء خيفة وهم يسمعون صوت طفل رضيع يبكي فتبسم أبا أحمد قائلا: هذا ابن أحمد والله لو رأه الان لفرح فرحة لا تسعها الدنيا فقد مضى على زواجه ست سنوات ينتظرَ هذا المولود وقد رزقه الله اياه ، فجهش الاصدقاء بالبكاء وقالوا للأب : يا عم ان أحمد معنا قد جئنا به شهيد بطلاً فدى أقرانه بتصديه لسيارةٍ مفخخة .
من خلف الباب طرقت أذانهم (هلهولة) مفاضة بالدموع فرحة حزينة تصادمت فيها المشاعر فالأم تزف شهيدها الى الجنة فخرةٌ بما قدمه، بينما الاب أخذ سيجارة وأحتسى منها شربه وقال: الحمد لله الذي انعم علينا بهذه النعمة و واسيتي الزهراء بولدها الحسين(عليه السلام) رغم ان عيونه كانت كأنها شلال من الماء ينزل بمائه على شقوق التجاعيد التي داخل وجه فأضحت كأنها أنهارٍ ملئت من ذلك الفيض النقي ليتكامل الصبر مع الشجاعة بموقف الاب الغيور.
في هذا البيت اكتملت لوحة الصبر والصمود والتعزي بعزاء الله، فالله المعطي قد رزقهم بأحمد جديد، بينما أحيا أحمد بحياة الخلود، التي تغنى كل أبناء قريته ومنطقته التي يعيشُ فيها به كأنه نجمة تلألأت في سماء منطقته التي يقطنها، ينظر لها الباحثين عن الحقيقة فيروها تتوهج كأنها كوكب دري.
والإنسانية لم تنسى في حشدنا فهذه الطفلة برآء بنت الانبار التي ضيعت ابواها خلال اقتحام قوات الجيش والحشد منطقتها وهرع الدواعش مفرقين العوائل عن ذويهم فتيها الاطفال عن ذويهم ومن بين أولئك كانت براء ، وقد قابلها خلال فترة الاستراحة من المعركة وانتهاء رحلة تحرير منطقتها مجموعة من رجال الله ورغم التعب والضيم الذي رأوه خلال المعركة الا ان إنسانيتهم بالتعاليم التي عبئ المرجع الاعلى لها خلال مسيرة فتواه المقدسة قد تحققت على ارض الواقع من خلال المعونة التي قدموها للفتاة الصغيرة فهذا يمسح عيونها من الدموع وهذا يهدئ من روعها ويقول لها نحن أهلك فلا تخافي. كانت عطشا جدا وبعد استرخاءها تكلمت بصوت أخفاه التعب ليقرب أحد الابطال منها أذنه فيسمع حديثها أسقوني ماء ، فأخرج من جعبته ماء وبدئ يسقيها ، ليثبت بذلك الفعل لمن خاطب العقول ان قول المرجع الكبير وتعبيره عن أهل المحافظات الغربية بأنهم أنفسنا، قد أثبتت حقاً وعلى ارض الواقع فهي أعظم وأجل الكلمات دون رياءٍ او كذب ، فرجالنا لا يقتلون الابرياء ، ولا يعتدون، ولا يغتصبون أو ينتهكون ما حرم الله انتهاكه والتجاوز فيه، هم ليوثٌ حملوا بداخلهم أفئدة حمامٍ أبيض من جهة ٍ يحمون أرض الوطن ببسالة وصمود وصبر ومن جهة أخرى يقدمون المعالجة والرعاية والحماية للمدنيين المظلومين من قبل الظالمين الذي ثاروا بالأرض مفسدين ، ليكون رجال الله مثالاً تتغنى أصلابهم بعبقِ أرجوزتِهم الصابرةِ وبطولاتهم العامرةِ بالنبلِ والانسانيةِ، فمن يريد أن يسئل عنهم ، قل هم النضال بعينه، والكفاح بأصله، والانسان بإنسانيه ، هم كل فضيلة ومنقبةٍ جسدها أهل الحق الصابرون على المصيبة.

الشهيد أسد منبر التأريخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن الشهداء في يوم الا زكاة الوطن ، ونماء ثروة ابناءه الشجعان، هم أهداف تحيا فينا كأنها زهور عطرة نستنشق نسيم كبرياءها ، فهم الامل الماضي الحاضر والمستقبل الذي ننتظره بفارغ الصبر والترقب . ترسانة عسكرية متكاملة ، ومنظمة انسانية هادفة، فعل ما فعل حتى يمنع الذكريات المأساوية من الرجوع وأوقف ساعات زمانها بدمائه العطرة ، لذلك هو الحي الذي لا يموت في ضمير الامة، ورمز الشعوب المناضلة الواعية التي تريد يوماً جديداً عالمياً واعداً بتغيير وقائعه دون رجعة لمصائب الايام التي سبقته.
كُتبَ التاريخ بسواعد النبلاء المصلحين ، لنعتبر من حروف كتاباتهم العبر الملهمة فيرقينا ويعرفنا قدرة التَمييز بين الصواب والخطاء، فهذا الامل الذي احياه الشهيد أستحق من خلاله أن يرتقي منبر الانسانية المجيد ، فمنابر التأريخ لا يستحق ارتقائها الا العظماء وبقناعة الشرفاء حيث لا نبل اكبر من التضحية بالروح وإفداء الوطن بالنفس والايثار بالمال والابن والعائلة اذا تتطلب الامر مثل هكذا تضحيات.
حملت جثامين الشهداء على أكتف المشيعين المستلهمين الفضل والشرف ممن رفعوهم على أكتافهم، لكن هذه المرةُ اختلفت وصاحب الجنازة تغيير، فالنور المنبثقُ من كوامن إصراره ونضاله شعَ في صبيحةُ كل يومٍ جديد، واستبدلت الشمسُ بريقها بيراعِ ثوابته، لتزهر ورود الطموح والتحرر من حديد غُل الاعادي، وتكسرُ عند كل خطوةٍ يخطوها حاملِ جنازته العطرة قيدٌ تمنى أهل الجور بقائه بأيدي أهل العزةِ والشموخ.
قدمهُ أبواه قرباناً لهذه الامة فكانا مدرسة الايثار، وسلطاني التغيير والاصلاح، فكل قطرةٍ من قطراتِ دمه الزواكي كانت هدفاً يشع بعقل الباحثين عن التغيير، لتتغير تلك الاغلال فتكون مقابض يدق بها رؤوس الظالمين، فينجلي بعد طول انتظار ليل خفافيش السواد، فتحطم رايتهم بإصرار البواسل الشجعان، وتسقط قلاعهم خائبةً فيأفل جبروتهم ليكون حطام، لتفنى سلاسل الدم التي جاؤوا بها وحاولوا أغراق الامنين بفيضان أنهرها، قاتلين بذلك امل تمتع الانسان بصفاء إنسانيته البيضاء، فكان الرد عليهم أرادةٌ أنهت غاياتهم ، والجمت أفواههم ، فقتيلنا شهيدٌ تعزا العالم بصفاء غايته، واستلهم المضحين أجمل صور الاعتبار والتغيير من عواطفه، فكل شيءٍ تغيير، وبزغ الفجر الجديد بأضاحي تقدموا الى مناياهم فصبروا حتى نالوا أسمى الدرجات وأعظمها، فهي الشهادةُ وان كانت موتاً، فموت العزِ أطيب من ذل الحياة.
صدقوا مجاهدونا فكانوا بدراً ظاهراً بعزِ ظهيرة سواد الظالمين، معينُ شمسَ بلادي على الظهور من كسوف خوارج العصر ، فتغيير الحال بفضلهم وما كنا نحلم به من تحرير صار حقيقة فهم عزُ منبر التأريخ وان قُتلوا.

الخـاتمــــة
ـــــــــــــــــــــــ
- تمر الشعوب بمحنٍ كُثر وتحيطهم الخيانات من كل حدبٍ وصوب وخير تلك الشعوب هي التي تقاوم وتحامي حتى تتخلص من ظلام الليالي السود التي تغطي صفاء سمائهم الباعثة للأمل.
- من أصعب المحن التي مرت على عراقنا الحبيب ما حدث في حزيران 2014م من سقوط مدن كبيرة وشهداء واضطهاد جماعي وظلم لافت للنظر وقع بحق المواطنين المدنيين والذي بطبيعته نافة الانسانية والادمية .
- ما حدث في يوم الهروب الكبير ما هو الا كابوس مفجع سطر اغرب الخيالات على واقع الامة ولكن الاكثر سوءا ما حدث من انسحاب المسؤولين لتلك المناطق ولجؤهم الى مدن ودول اخرى وهذا يضع علامات استغراب وتسائل !؟
- لم تقف المرجعية العظمى وقوف مكتوف الايدي بل كان لها رداً حاسماً وموقفاً جريئاً امتاز بالحكمة والنبل والشجاعة حتى بزغ فجر فتواها المقدسة .
- بعد دوي رعد فتوى الجهاد الكفائي خرج رجال العراق الابطال ملبيين وقد رفعوا رايات المقاومة والصمود ليخطوا صور البطولة في ساح الوغى والكفاح ويغيروا مسير خوارج العصر فأوقفوهم عند اعتاب احلامهم ليسقط امل الظالمين كأنه شجرة خبيثة احترقت وخبثها بنار شمس النصر والصمود .
- كان للأسر العراقية مواقف عملاقة تميزت بميز المناقب والفضائل وتعالت بغبطة الايثار والمحاسن حتى كانت تلك الاسر مصدر للصمود والنضال برجالها ونسائها الابرار فقدموا الرجال مقاتلين متعسكرين على سواتر العز والشرف دعماً عسكرياً مميزاً في احنك الظروف واظلمها ومن ناحية أخرى الغذاء والدواء دعماً لوجستياً كبيراً يمكن احتسابه اكبر حتى من ان تقدمه تلك الاسر لكن الاصرار كان ميزتهم فاستطاعوا ان يجعلوا الحلم حقيقة .
- رغم العسر الذي مر اهل العراق به لكن حملت الامل اعطت ثمارها على ارض الواقع حتى طرزت صور من الحقيقة لتكتب تلك التجارب على سنايا الايام فبثت اجمل القصص الواقعية التي كتبها مقاتلوها بحروف دمائهم النقية لتكون دعوة تأمل في شجاعتهم واصرارهم المميز .
كان الشهادة والشهيد ولدماء الشهادة عبق غير منهاج الحياة وجددة بدمائه الفكر والنظام ليمسح على جرح البلد العظيم فكان الصمود والإصرار ثم الصبر والمقاومة ثم النصر والتحرير لذلك كان ولازال ويبقى الشهيد اسد منبر التاريخ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين علي الشامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/16



كتابة تعليق لموضوع : فجر الفتوى تجارب خطها المقاتلون بحروفٍ من دم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net