الحرب الوطنية على المغالطة
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا تولد المغالطة من رحم واحد بل هي تتقلّب في أرحام كثيرة ويحيل بعضها على بعض فتصبح مركّبة تفرض على الحقيقة مهامّا مضاعفة..إنّ مقارعة المغالطة تصبح عملا تاريخيا لا سيما حينما تجد المغالطة بيئة قابلة..أهم العناصر الأساسية في البيئة القابلة للمغالطة هي: - فساد الذوق والثقافة العامّة وشيوع الفوضى والرداءة في كل شيء - عزوف المثقف الحقيقي عن القيام بدوره في تقويض المغالطة في مهدها - الفجوات القاتلة بين الأجيال وانخراط الجيل الجديد في حمل مغالطات الجيل القديم - غياب النقد والتحقيق وغلبة الإعلام الفاسد.. تزييف التّاريخ مهنة قديمة مثل الدعارة تماما..ومع أنّ للتاريخ منهجيته وتقنيته العلمية فإنّه كان يتعرض بين الفينة والأخرى لاختراقات تساهم في انحطاط الصناعة..في دنيا المغالطة لا نتحدّث عن الكذب بوصفه فعل ساذج..بل بوصفه صناعة مركّبة، فالمغالطة صناعة تسعى لجعل الكذب هو عين الحقيقة..وفي كلّ القطاعات هناك نصب واحتيال بما في ذلك قطاع الثقافة والإعلام وصناعة الأفكار.. وتلعب الصحافة الصفراء دورا كبيرا في مجال المغالطة لأسباب تفوق كونها أسبابا مهنية، فالصحافة الصفراء ليست مهنية أصلا بل ظلت فيروسا يرعى على هامش العمل الإعلامي، ولكن هناك من يسهام في المغالطة إقتناعا وإقناعا وهناك من يساهم في المغالطة من باب عرض الخدمات..تحاول الصحافة الصفراء أن تقدم نفسها صحافة مناضلة بينما هي تباشر مهنتها بأساليب بيع أو عرض الذمم للبيع..فالمغالطة اقتحمت كل حرم حتى حرم النضال والإخبار والسياسة والدين والثقافة.. ساهمت الملّة المغالطة في إفساد الحقيقة..ومثل الثعلب تلعب في الميدان حين تختفي الأسود..لقد أصبح المشهد مقرفا جدّا..ومع ذلك يبدو أن هناك من يدعم الرّداءة لكي تمرّ بسلام إلى الوعي المصاب أصلا بالفالج.. لو انحصرت المغالطة في أدوات صناعتها وتبليغها في المشهد الإعلامي لهان الأمر ولكن المغالطة تتكامل في سائر القطاعات..لا توجد حقيقة إلا ووراءها مغالطة تتربّص بها..حين يعجز الباطل أن يقارع الحقيقة بواحا يلجأ إلى أساليب المغالطة ليأخذ مظهر الحقيقة ويحتفظ بماهية الباطل.. تستغبي المغالطة الرأي العام ثم تستغبي صاحبها الذي ينسى أنه مغالط فإذا بالمغالطة تهيمن عليه وتستغبيه فتظهره في مظهر البليد متى استبلد الناس واستغبى الخليقة.. ولكن منطق الأشياء دائما كان في غير صالح المغالطة..فهذه الأخيرة عاجزة عن أن تنظّف طريقها من التناقض..وهنا تصبح مهمّة النقد ممتعة حين تتقاذف المغالط عوامل التعرية التناقضية..حين يباشر المغالطة محترفون من الدرجة الكبيرة تكون القضية بالغة التعقيد لكن حين يباشرها هواة من الدرجة الرديئة فتصبح المهمة سهلة بعض الشيء.. إنّ الخطر الذي يحدق بالوعي اليوم هو استهلاك المغالطة في غياب إرساء سياسة للأمن الثقافي، وتحرير الصحافة من الرداءة ووضع شروط ودفتر تحمّلات في إطار الحرب الشّاملة على المغالطة..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat