صفحة الكاتب : عبدالاله الشبيبي

وقفة مع رسالة الحقوق للأمام زين العابدين ع...
عبدالاله الشبيبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جلس يُحدثنا عن ذكرى شهادة الامام السجاد عليه السلام وذكر شيء من سيرة حياته العطرة ومواقفة الخالدة، وما عاصرة من حكام الامة ولاقاه من الظلم والجور والاضطهاد والاقصاء، وكان شاهد على الحادثة المؤلمة التي لحقت باهل بيته واخوته، وهو الذي نقل جزء من تفاصيلها، كما وحدثنا عن الادعية والمناجاة التي تركها الامام عليه السلام للامة لما فيها من اهمية كبيرة واسلوب خطابي مؤثر، وكان كثير العبادة والسجود والدعاء، اذ نتعلم من هذه الادعية والمناجاة كيف نحاور بها الله عزوجل ونخاطبه وندعوه، ومن ثم عرج الى ذكر مؤجز عن رسالة الحقوق التي تركها الامام عليه السلام والتي تعتبر دستور حياة لمن اخذها وطبقها في حياته اليومية، وقد تضمنت لأغلب جوانب الحياة اليومية والسلوكية والميدانية.
رسالة الحقوق… وما أدراك ما رسالة الحقوق! إنها كريمة ليفهم الإنسان نفسه وما فطرت عليه من مواهب خيرة ونزعات إنسانية. هي لعمري سجل المعرفة بكل أنواعها الدينية والعلمية والفلسفية تفيد جميع الناس في كسب علومهم ومعارفهم وتقويم أخلاقهم وسلوكهم وتعمل على تطوير مجتمعهم في سائر منازعهم الاجتماعية والسياسية والتربوية والفكرية والأدبية والأخلاقية. المصدر: الامام السجاد جهاد وأمجاد، حسين الحاج حسن، ص171.
وقد قال احدهم لقد تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار.
وهي رسالة دينية أخلاقية اجتماعية سياسية تناول فيها الإمام عليه السلام الحقوق المتوجبة على الإنسان، وهي: حق الله تعالى، وحقّ النفس، وحقّ اللسان، وحقّ السمع، وحقّ البصر، وحق اليد، وحق الرجل، وحق البطن، وحق الصلاة، وحق الحج، وحق الصوم، وحق الصدقة، وحق الهَدي، وحق السلطان، وحق الرعية بالسلطان، وحق الرعية في العلم، وحق المعلم، وحق المالك، وحق الزوجة، وحق المملوك، وحق الأم، وحق الأب، وحق الولد، وحق الأخ، وحق المنعم بالولاء، وحق العبد بعد العتق، وحق ذي المعروف، وحق المؤذن، وحق الإمام، وحق الجليس، وحق الجار، وحق الصاحب، وحق الشريك، وحق المال، وحق الغريم، وحق الخليط، وحق الخصم المدَّعي، وحق الخصم المدّعى عليه، وحق المستشير، وحق المشير، وحق الناصح، وحق الكبير، وحق الصغير، وحق السائل، وحق المسؤول، وحق من سرّك، وحق القضاء، وحق أهل الملّة، وحق أهل الذمّة.
لقد نظر الإمام (عليه السلام) بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه واُسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه. وكلّ من يرتبط به أدنى ارتباط.
ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبنى المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّى له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً. المصدر: اعلام الهداية، ج6، ص193.
فان رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) يفيض بها الوجدان روعة وجلالاً، ويمتلأ، بها القلب طمأنينة وإيماناً، وتثير في الأسماع بهجة ورضا، وتحرك في النفوس عواطف وأحاسيس، وهي لعمري رائد الفكر الإنساني، وسجل المعرفة. وفوق ذلك كله أنها الوسيلة لفهم الإنسان نفسه وما فطرت عليه من مواهب ونزعات.
وهي كذلك مقومة الأخلاق ومقدرة القيم، والمشرف الأعلى على جميع منازع الناس وتطوراتهم في علومهم ومعارفهم وسلوكهم، وسائر اتجاهاتهم العقلية والسياسية والاجتماعية.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم، في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله. فإذا هي مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى الأعلى، وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل بها عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض، أفراداً وأزواجاً، وحكومات وشعوباً، ودولاً وأجناساً، تقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض.
إنها (رسالة) تهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور بالعقيدة الواضحة البسيطة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من عقال الوهم والخرافة، وتوجه الطاقات البشرية الصالحة إلى العمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون والطبيعة ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق. المصدر: شرح رسالة الحقوق، ج1، ص7.
وهذه (الرسالة) التي أملاها الإمام السجاد(عليه السّلام)، لنرى الأوج السامي الذي بلغته التعاليم الإسلامية في تحديد العلاقات الإنسانية، والزامها بأفضل الصفات وأنبلها.
فقد حددت تلك الرسالة حقوقاً وآداباً لعلاقة الإنسان بربه، وعلاقته بنفسه وأفعاله، وعلاقته بغيره سواء كان هذا الغير حاكماً أو محكوماً، معلماً او تلميذاً، زوجاً أو زوجة، والداً أو والدة، بنتاً أو ولداً، بعيداً او قريباً، وسواء كان ذلك الغير جاراً او صاحبا، شريكا أو غريماً، مشيراً أو مستشيراً، سائلاً أو مسؤولاً، صغيراً او كبيراً.
وقد اثبتت لكل هؤلاء حقوقاً ونصحتهم بنصائح، لو اتبعوها لكانوا في اعلى مراقي السعادة والكمال، فمن المستحسن لك ان تراجعها لكي تحصل على كنز إسلامي ثمين. المصدر: نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان، السيد محمد الصدر، ص26.
اذ تعتبر رسالة الحقوق للأمام زين العابدين (عليه السلام) الوثيقة العالمية الخالدة التي تضمنت تفاصيل الحياة الخاصة والعامة، حيث شملت على خمسون حقاً وجاءت متناسقة في مضامينها وافكارها. وكما قال شارحوا هذا الرسالة هي من اهم اركان الرقي والعمران والقانون. ومنها:
... حق الله الأكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئاً, فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها.
... حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله, فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها, وغلى رجلك حقها, وإلى بطنك حقه, وإلى فرجك حقه, وتستعين بالله على ذلك.
... حق اللسان فإكرامه عن الخنى وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجسامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه, ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
... حقٌّ سائسك بالسلطان فأن تعلم أنّك جعلت له فتنةً وأنّه مبتلى بك بما جعله اللّه له عليك من السُّلطان، وأن تخلص له في النّصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.
... حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلا لفرصة كريمة تحدث في قلبك خيراً أو تكسب خلقاً كريماً فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله.
وعليه فان رسالة الحقوق: الجامعة لآداب الدنيا والدين، ممّا يجب على الفرد في معاملته لنفسه، والاَّخرين ممّا حوله من الناس، وسائر الموجودات، من حقوق والتزامات، فهو أهمّ كتاب يحتوي على اُسس الأخلاق الفاضلة، ومباني السلوك الاجتماعي في الإسلام.
كما انها تدل على اهتمام الإمام بكل ما يدور حوله في المجتمع الإسلامي، وعنايته الفائقة بسلامته النفسية والصحيّة، ورعايته لأمنه واستقراره، وحفاظه على تكوينته الإسلامية.
رسالة الحقوق منبع غزير للعلوم الإنسانية ومنهج عزيز للقيم الأخلاقية ومشرف أعلى على جميع التطورات الاجتماعية والحضارة البشرية، هي أم الرسالات تنسق تنسيقاً كاملاً بين عقائد المسلم وأعماله ومشاعره وسلوكه فتطلق روحه من عقاب الأوهام والترهات، وتوجه نفسه إلى الأعمال الصالحة والطاقات البناءة وكأنها تربط ربطاً محكماً بين نواميس الكون الطبيعية ومنازع الفطرة البشرية في انسجام تام وتناسق كريم. المصدر: الامام السجاد، جهاد وأمجاد، حسين الحاج حسن، ص171.
واخيراً فان رسالة الحقوق أم الرسالات ومصدر البطولات وملهمة الحضارات تكون للحاكم أساس عدله في حكمه، وللعمل أساس صدقه في عمله، وللمسلم طمأنينة ولإيماناً، وللمؤمن بهجة ورضا وللأمة نوراً وحقاً وعدلاً. وحسبها قيمة وفخراً أن غارس بذرتها هو من وحي الرسالة وعنصر الرحمة ومعدن العلم والحكمة، من سلالة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبدالاله الشبيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/06



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع رسالة الحقوق للأمام زين العابدين ع...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net