صفحة الكاتب : شعيب العاملي

بُطلانُ الأعمال.. لولا الإنتظار!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بسم الله الرحمن الرحيم
 
قال تعالى في سورة الأنعام: (يَوْمَ يَأْتي‏ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في‏ إيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)‏ (الأنعام158).
 
وفُسِّرَت الآياتُ تارةً بالأئمة، والآية المنتظرة بالقائم عليه السلام‏ (الإمامة و التبصرة ص102).
وتارةً أخرى بالظهور وعلاماته، كما عن الباقر والصادق عليهما السلام: طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة والدجال‏ (تفسير العياشي ص384).
 
فذكرت الآيةُ الانتظار مرتين: الأولى: قُلِ انْتَظِرُوا، والثانية: إِنَّا مُنْتَظِرُونَ.
 
ولعلَّ كثيراً من الخلق لا يرون لهذا الكلام معنىً، فكم من مرةٍ استعجل الكفارُ والمنافقون أنبياءَهم لإنزال العذاب! قال تعالى: (وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ‏)، وقال تعالى: (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُون‏)‏.
 
وعبَّرَ القرآن عن الإنسان تارةً بقوله تعالى (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولا)‏، وتارةً أخرى بقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُريكُمْ آياتي‏ فَلا تَسْتَعْجِلُون‏)‏.
 
فنهت الآية الأخيرة عن الإستعجال مقروناً بالوعد بإراءة آيات الله، بينما ذكرت الآية الأولى (بعض آيات ربك) وقَرَنَهَا الإمام بالظهور المبارك.
 
فكان انتظار الظهور منهجاً قرآنياً واضحاً لا لبس فيه، وكان الفعل البشريُّ متعجِّلاً كعادته.. و(إنما يعجل من يخافُ الفوت‏)‏..
 
ويلاحظُ المتتبِّعُ أنَّ الرِّفقَ والتُؤَدَةَ كانت منهجاً لعليٍّ وبَنيه في أحلك الظروف، فها هو يوصي قادة عسكره بترك العجلة حتى في القتال فيقول عليه السلام: عليكُما في حربكما بالتُؤَدَة، وإياكم والعجلة‏ (وقعة صفين 125).
 
وهو بذلك يتبع قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أهلك الناس العجلة.
وقوله: الأناة من الله، والعجلة من الشيطان‏ (المحاسن ج1 ص215).
 
بل ورد عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّ: العجلة هي الخرق‏‏ (تحف العقول ص403).
 
وهكذا يتَّضِحُ أنّ الله سبحانه وتعالى وحَمَلَةَ رسالاته قد بَيَّنوا للشيعة في زمن الغيبة الطريق واضحاً جَلِيَّاً.. بِنَهيِهِم عن الإستعجال، والأمر بالسكون إلى أن يأذن الله لوليه، ولا يُعرَفُ ذلك إلا بعلاماتٍ حتميةٍ لا تخفى على الشيعة الأبرار.
 
وهذه السُنَّةُ هي سُنَّةُ الله تعالى في الآخِرين كما كانت في الأولين، فلم يكن منهج الأنبياء مختلفاً عن طريق الأولياء والشيعة الأبرار، وقد قال إمامنا الصادق عليه السلام: ما أحسن الصبر وانتظار الفرج! أ ما سمعت قول العبد الصالح: (ارتقبوا إني معكم رقيب) (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) فعليكم بالصبر فإنَّهُ إنَّما يجي‏ء الفرج على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم‏ (قرب الإسناد 380).
 
ثم قال عليه السلام:
وأنتم قومٌ تحبُّونا بقلوبكم، ويخالف ذلك فِعلُكُم: وههنا يكشفُ الإمام عن حقائق النفوس وخفاياها، وفِعَال الخلق ظاهرةً أو مستورة، فَكَم مِن شخصٍ يزعم أنه مُحّبٌّ ومطيع يخالف فعلُهُ قولَه؟!
 
لقد أقر الإمام لهؤلاء أنهم محبون لهم بالقلب، لكن فعلهم لم يوافق حبهم.. وما ذاك إلا من جهة التعجُّلِ والضعف عن الصبر.. حيث يقول عليه السلام بعد ذلك:
 
ما لكم لا تملكون أنفسكم وتصبرون حتى يجي‏ء الله تبارك وتعالى بالذي تريدون؟: فإن (العجلة) التي اتصف بها (بعض) الشيعة نتجت عن قصورهم أو تقصيرهم في الصبر، وفقدان السيطرة على النفس والعجز عن التحكم بها (ما لكم لا تملكون أنفسكم).
 
فهؤلاء يريدون الحق ويطلبونه ويرغبون به، وهو الذي سيأتي به الله تبارك وتعالى، ولكن: يقول الإمام:
إن هذا الأمر ليس يجي‏ء على ما يُريدُ الناس، إنَّما هو أمرُ الله تبارك وتعالى وقضاؤه والصَّبر، وإنما يعجل من يخاف الفوت: فليس أمرُ الله تابعاً لرغباتنا ومشيئاتنا وإراداتنا! ولا يحدِّدُ تسرُّعُنا وعجزُنا وقصورُنا وتقصيرُنا مشيئةَ الله عز وجل!
 
ولذا لم يخرج الشيعةُ عن قاعدة التمحيص والإبتلاء حتى في زمن الغيبة: فعن الباقر عليه السلام: وكذلك شيعتنا يميزون ويمحصون حتى تبقى منهم عصابةٌ لا تضرها الفتنة‏ (الغيبة 210).
 
وعنه عليه السلام: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإنّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج‏ منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعةٍ من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعةٍ من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها‏ (الغيبة 206).
 
وليس الابتلاء شكلياً هنا أو صُوَرِياً، فإنّ من آثاره أن يخرج عن حقيقة التشيع من كان شيعياً! إنّها فتنةٌ عظيمةٌ تدعُ الحليمَ حيراناً.. وهي التي سبق وأن قال عنها أمير المؤمنين عليه السلام: يا مالك بن ضمرة كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا و شبك أصابعه‏ (الغيبة 206).
 
وعن سيد الشهداء عليه السلام: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض و يتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً‏ (الغيبة 206).
 
وهل هناك سببٌ يا ترى يبرر مثل هذا التوصيف سوى (الإستعجال) وضعف السيطرة على النفس؟ سواء كان ذلك بدافع الحب والإيمان أم بدافع المكر والخداع!
 
إنها حالةٌ رهيبةٌ تعتري الشيعة في تلك الظروف، يُكَفِّرُ بعضهم بعضاً، ذلك أنّ منهم من لا يتحمل الصبر إلى أن تأتي دولة الحق، وفي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام: إن للحقّ دولةٌ وللباطل دولة، وكلُّ واحدٍ منهما في دولة صاحبه ذليل‏ (الكافي ج2 ص447).
 
مثل هذه (الذلّة) الظاهرية قد لا يرتضيها الإنسان المؤمن وهو الذي أعزه الله تعالى بالإيمان، فيعظم عليه أن يكون ذليلاً في دولة الباطل، ويكون أمام خيارين:
 
1. الصبر والتحمل وانتظار الفرج.
 
2. استعجال دولة الحق، ومحاولة بَعثِهَا قبل أوانها بيديه الخاليتين عن التسديد الرباني، ذلك أنّه مذخورٌ للإمام المنتظر.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: كونوا كالنحل في الطير، ليس شي‏ءٌ من الطير إلا و هو يستضعفها‏ (الغيبة ص209).
 
وبعدما بيّن الإمام الصادق عليه السلام ما لا يقبل الله العمل إلا به وَعَدَّ (الانتظار للقائم عليه السلام) ركناً منها قال عليه السلام: إن لنا دولةً يجي‏ء الله بها إذا شاء.
 
ثم قال: من سرَّهُ أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة‏ (فضائل أمير المؤمنين ص147).
 
فلا يمنع الصبرُ من العمل بما أمر الله أيها الأحبة، بل يقترن بالعمل والجد..
وليس الصبر والإنتظار ضعفاً ولا عجزاً.. إنما يمثِّلُ قمّة القوة والعنفوان..
 
نقول في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام: أنت أول مظلومٍ وأول مغصوبٍ حقه، فصبرت واحتسبت‏‏ (الكافي ج4 ص570).
وتكرر الصبر على لسانه في نهج البلاغة حين قال: فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا..
وقال: فصبرت على طول المدة و شدة المحنة‏ (ص48 و49).
 
وسئل سيد الشهداء عليه السلام: يا ابن النبي ما الذي أخرجك من المدينة؟
فقال: ويحك يا أبا هرم شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، وايم الله ليقتُلُّنِّي ثم ليلُبِسَنَّهُمُ الله ذلاً شاملاً‏ (أمالي الصدوق ص153).
 
فَمَن مِثلك يا علي!
ومن يقدر على مثل صبرك!
 
اليوم يُعَابُ على أتباعك أنهم أطاعوك حيث (سكنوا) و(لبدوا) و(لزموا بيوتهم والأرض) و(لم يثيروا الغبرة) و(لم يحرِّكُوا يداً ولا رجلاً) لأنهم ينتظرون القائم من آل محمد عليه السلام!
 
اليوم ينتقصُ العاجزون عن الصبر من قَدر أتباعك لمّا صبروا وتحملوا!
 
اليوم كالأمس.. حين فعلوا ذلك معك ومع أبنائك المعصومين!
 
ومع دعوتنا لأخوتنا بالهداية، فإنّا نعلم أن الظهور لن يكون قبل أن يتفل بعضنا في وجوه بعض! ويأتي الخير بعد ذلك على يدي الصاحب من ذريتك..
 
نسعى لهدايتهم، ولكن نؤمن بقوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ‏..
اللهم إنا نسألك الفرج بعد الشدة..
والحمد لله رب العالمين

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/25



كتابة تعليق لموضوع : بُطلانُ الأعمال.. لولا الإنتظار!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net