نوافذ... إليك أيها الطبيب الإنسان
عبد المحسن الباوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد المحسن الباوي

أردت أن أوجه خطابي في نافذة اليوم إليك أيها الطبيب الإنسان، ولا تستغرب من هذا الخطاب وهذه الصفة التي نعتك بها (الطبيب الإنسان)؛ لأننا اليوم بأمسِّ الحاجة لإنسانيتك وضميرك الحي، وروحك المفعمة بخوف الله تعالى قبل حاجتنا لمهارتك وحذاقتك ونجاحك في مهنتك، وقد تتساءل: لماذا جعلت المهارة والنجاح الطبي ثانياً؟! وفي مقام الإجابة أقول لك وكلي أمل أن أجد أذن قلب صاغية واعية:
إن عوائلنا اليوم حين يسلك أولادهم مسلك الفرع العلمي في دراستهم الإعدادية بنجاح وتفوق، وتسألهم عن رغبتهم، وربما رغبة أولادهم وبناتهم في الميدان الذي يرغبون الالتحاق به، فسوف ترى الإجابة من نسبة كبيرة منهم وبلا تردد (كلية الطب)..! هذا جيد، فالطب مرتبط بحياة الناس، وهو أهم أسباب ديمومة حياتهم وخلاصهم من آلام تقضّ مضاجعهم، وتشلّ حياتهم، وترهقهم مادياً ومعنوياً وجسدياً، وقد تؤدي بنسبة منهم إلى الموت – لا سمح الله -، ولكن بالرغم من أن هذا الجواب جميل ومنمق، وقد يكون نابعاً عن قناعة وإيمان من أعماق نسبة من مدعيه، ولكنني أكاد أجزم – وأتمنى أن أكون مخطئاً في ذلك – أن السواد الأعظم من سالكي هذا المسلك (دراسة الطب) يفكرون في العيش الرغيد والسكن السعيد والثراء المديد الذي يوفره هذا المضمار لسالكيه، الغنى والثروة ليس إلا... وللأسف الشديد وأقولها بمرارة وألم، فمهنة الطب لم تعد اليوم مهنة إنسانية بحتة، بل ميدان تجاري خاضع لمعيار الربح والخسارة والمردود المادي والعائد الاقتصادي، والقصص الواقعية في ذلك والبالغة حدّ التواتر كثيرة، حتى أن المجلدات الضخمة لا تستوعبها، فلا يكاد يمرّ يوم إلا وتسمع قصة أو أكثر ممن يشكو من جشع طبيب استغل مريضاً فقيراً قد يخسر حياته لقلة ذات يده، دون أن يحرك صراخه وألمه وتوجعه في نفس الطبيب الإنسان شيئاً، وهذا مخيب للأمل ومدعاة للأسى، وسأنقل لكم هذه الحادثة: أدخل أحدهم مريضه لصالة العمليات في حالة حرجة جداً، وإذا به يتفاجأ بخروج الطبيب المخدر، وهو يطالبه بمبلغ مالي (حتى يدير بالة على المريض زين)، وليس غريباً أن نسمع من يقول: (أن إنسانية الطبيب لا تعمل إلا في العيادة الخاصة به).
قف قريباً من ردهات أي مستشفى وستسمع العجائب من المرضى ومن يهمه أمرهم، عن سوء سلوكيات الأطباء معهم، لا يمكن التعميم طبعاً، ولكن الأغلبية من الأطباء مصابة بالجشع، سواء الذين داخل المستشفيات الحكومية أو في عياداتهم الخارجية، فهنالك لا أحد يرى سوى (المال)، فالذين في الداخل لا يعتنون بك؛ لأنهم يدخرون جهدهم لعياداتهم، والذين في الخارج بين آونة وأخرى يرفعون أجرة المعاينة أو (الكشفية) وحين تسأل لماذا؟ يأتيك جواب ربما تسخر منه، حيث هم يحملونك حتى أسباب الزحام الذي في الشارع، والأمن غير المستتب، وقلة عدد المرضى في عيادته الى غير ذلك من الكثير من الأمور. قال أحدهم: تعرض أبي إلى جلطة قلبية، فذهبنا به الى أحد المستشفيات العامة، فما بقينا أكثر من ليلة واحدة لعدم وجود أي اهتمام، تركونا في الغرفة وذهبوا ولم يزرنا أحد، في الصباح جاءتني ممرضة وقالت لي: إن بقي أبوك في هذا المستشفى ستخسره قريباً، فاذهب به الى مستشفى آخر، فحملت أبي ونقلته الى مستشفى سمعت أنه مستشفى جيد، وبالفعل وجدنا النظافة جيدة والعناية أفضل، ولكن كل شيء بثمن، والليلة الواحدة بخمسين ألف دينار..! لكن الغريب أن في اليوم الأول جاءنا الطبيب باكراً، وفحص أبي جيداً، لكن في اليوم الثاني لم يأتِ، انتظرناه ثم سألنا عنه فقيل: ربما لديه عمليات، لكنه في اليوم الثالث لم يأتِ أيضاً، استغربنا.. وحاولت البحث والسؤال عنه، ولكن دون جدوى، ولكن بعد الظهر جاءنا شاب وأبدى تعاطفاً كبيراً معنا ومن ثم قال لي: أنصحك نصيحة إذا أردت أن يعيش أبوك، فعليك أن تذهب إلى عيادة هذا الطبيب، ثم أعطاني عنوان العيادة ومضى، وبعد أن ذهب قالت لي أختي: هكذا يتعامل الأطباء مع المرضى.
وأضاف: وذهبت الى عيادته وعرّفته بنفسي فرحّب بي ترحيباً كبيراً، وكاد أن يعانقني، وهو يقول: استرح واسترحت على كرسي قريب منه، ولم يسألني حاجتي بل نطقت بها أنا، فقال: ولا يهمك، من يوم غد سأكون في غرفة أبيك، وبعد قليل نهضت وفتحت (جارورا) ووضعت فيه بعض المال، وغادرت وهو ينهض لي، وفي اليوم التالي جاء من الصباح الباكر ليكشف على أبي، فقلت: سبحان الله، هل هؤلاء أطباء فعلاً أم تجار ؟!!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat