صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

التسلط آفة إجتماعية مقيتة ـ الجزء الخامس
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لنتصارح قليلا ، قليلا جدا، وبعيدا عن السياسة وتناقضاتها وملابساتها، ونتساءل ببساطة :
أيهما يستحق الأولوية في إهتماماتنا هل الإصلاح السياسي أو الإصلاح الاجتماعي؟ بمعنى هل من الممكن أن أكون مسؤولا ومن ثم أبدأ بإصلاح نفسي أو يتحتم عليّ أن أصلح نفسي قبل تولي أية مسؤولية لأكون بعدها بمستوى المسؤولية؟! الجواب بلا تردد عند المصلحين هو الإعتناء بالنفس وإصلاح مواطن الخلل فيها ومحاسبتها ومراقبتها في كل شاردة وواردة أي "التخلية قبل التحلية" تنقيتها من كل ما ينتهي إلى ظلم العباد وأكل أموالهم وإغتصاب حقوقهم والإستعلاء والتسلط عليهم ونهشهم بأنياب الوحوش الكاسرة بلا أدنى رحمة وبدون شفقة أو حياء. إذن نعود إلى ما طرحناه قبل عشر سنوات ونؤكده اليوم وغدا وبعد غد وهو أن الإصلاح الاجتماعي يسبق الإصلاح السياسي. نشرح اكثر ونوضح فنقول أن لا فائدة ترتجى في الأعم الأغلب من أن تضع السارق في السجن وتحكم عليه بما جناه وبعد انتهاء مدة محكوميته يخرج ليسرق بحرفية أكثر وقد كسر حاجز الخوف عنده، فقد تعود حياة السجن كما أنه أعتاد على سياط وقرباج السجّان إن كان هناك من يضرب السجين. صحيح ان الضرب يؤلم ولكن وكما يقول علماء التربية الإسلامية ان الأثر يزول بزوال المؤثر، بمعنى أن الألم يزول بعد التوقف عن الضرب. الضرب في السجن ليس كما الموعظة والإرشاد والنصح وتبيان آثار السرقة المدمرة للسارق نفسه قبل تدمير المجتمع. على السارق أن ينال جزاءه ومع الجزاء ان ينال نصيبا من النصح والموعظة وان يقلع عن تلك العادة السيئة الخبيثة بعد خروجه من السجن ويندم على فعلته الشنيعة التي تجعل الناس لا ينعمون بالأمن والإطمئنان على ما رزقهم الله من فضله، ان يكون هناك في السجن من يتعرض إلى الحكمة وبيان فائدتها على الجميع، على الغني ان يستعفف لا ان يفسد ويفسق، وعلى الفقير ان يصبر لا أن يجزع ويسرق.
لا نحب الحكمة ولا نحترم الحكيم ولا كانت الحكمة يوما ضالتنا التي نصل الليل بالنهار بحثاً عنها. هكذا ورثنا أمراضا مزمنة لا نريد علاجها، تركنا الدواء وكرهناه لأن طعمه ليس شهدا أو سكرا. أما الذي إعتاد على تذوق المر فيرى في الدواء كل الشفاء، ينظر إلى نتائج الدواء وليس إلى طعمه ولونه ومذاقه. كان لي صديق غير عربي في النجف الأشرف وكان والده يتولى خدمة عالم رباني وعرفاني معروف عاصرته وعرفته عن قرب. أخبرني ذلك الصديق رحمه الله أن والده جاء بقطعة بطيخ أحمر (رگي) ووضعها أمام ذلك السيد المبارك وقال له : سيدنا هذا البطيخ حلو المذاق فتفضل وخذ قطعة منه. نظر إليه ذلك العالم العارف وقال له : هل قلت لي أنه حلو المذاق؟ أجابه والد صديقي : أجل سيدنا هو كذلك بلا شك. فقال له السيد : إذن ناولني القليل من الملح من فضلك. أخذ الملح ووضعه على ذلك البطيخ الحلو وأخذ يأكل منه وقال له : الآن أصبح طعمه سائغا. تصوّر سيدي الكريم أيّ طعم سيكون، ملح مع السكر؟! واقعا ليس له طعما يذكر البتة.
لم يرد ذلك العالم الرباني أن يتلذذ بحلو الطعام كي لا يأنس ويطمأن للدنيا بالأكل والشراب فيصبح مشغولا عن آخرته بدنياه، همه بطنه وما دون. هل أمثال هؤلاء العظام يفكرون في التسلط والتكبر إن أصبحوا يوما قادة الأمة او من كبار مسؤوليها؟! لا يحتاج الجواب إلى طول تفكير أيها المحترم. لقد روّض الصالحون أنفسهم بالتقوى ومخافة الحق سبحانه ولم يتظاهروا بالتدين وفي الباطن يتسابقون إلى اعلى مراتب المناصب لأنهم سوف يمارسون هوايتهم المفضلة، تصعير الخد والتسلط على الفقراء المعدمين بدل التودد إليهم ومساعدتهم في محنتهم والوقوف معهم في بعض نوائب الدنيا الزائلة. أجل الدنيا الزائلة. قلت لأحد المغرورين أنت تتشبث بهذه الزائلة كثيرا وتطمأن لها، قبل أن أسترسل في كلامي قاطعني غاضباً : هو كذلك أنا أحب هذه الزائلة.. وعند كبر سني أتركها فأكون قد حويت الزائلة ولذاتها مع الباقية ونعيمها. أمثال هذا المغرور قد ختم الله على قلبه فأصبح أعمى البصيرة لا يرى إلاّ الماديات وحيازتها وربما الإستيلاء عليها بطرق شتى. هذا النموذج هو محل دراستنا وبحثنا وتنقيبنا. ننقب عن أخطائنا واخطاء الذين سبقونا لنحصن أنفسنا واهلينا، تماما كما ينقب المهندسون عن النفط أو الذهب أو المعادن الأخرى الثمينة. أن العثور على أخطائنا وتشخيصها والإعتراف بها يعتبر ثروة عظيمة إن أجدنا وأحسنا تصفيتها من الشوائب والمواد العالقة بها كما يصفى البترول في مصافٍ ضخمة خصصت لذلك الغرض. معنى ذلك أن لا فائدة في كتابة المقالات اليومية دون ان نخطوا الخطوة الأولى في العمل والإصلاح. عشر سنوات وأنا أكتب عن الخطوة الأولى سيدي الكريم!!! مرّت سنوات العمر ولا زلنا نكتب ولا نعمل وكأننا قد أحببنا مبدأ "مكانك سر" فهو أقل تعبا من السير لمسافات طويلة. "مكانك سر" هو أروح وأقلّ جهدا لكن الراحة لا توصلنا إلى الهدف المنشود. بل تبقينا نراوح في ذات المكان. عندها نكون كأصحاب الكهف والرقيم.. ننظر إلى غيرنا قد قطع مسافة طويلة وشوطا كبيرا وأصبح ينافس أمما متقدمة بل قد يتقدم عليها يوما.
نضع العربة أمام الحصان..
هذا الذي حصل ويحصل بإستمرار. هناك حلقة مفقودة وقد تم تجاوزها في الأثناء لأنها تؤتي أكلها بعد حين بَيد أن محدثي قبل قليل قال لي أنه يحب هذه الزائلة.. انه يحب الربح السريع ولا ينتظر موسم الحصاد ليحصد الذي زرعه. أصلا هو لم يبذر أية بذرة فعلامَ الإنتظار يا علاّم! سنبقى نندب حظنا كالعاجز الذي يتمنى كل شيء جميل ولكنه لا يريد أن يعمل أي شيء. يريد كل شيء مقابل لا شيء. أليس أمرنا فيه من الغرائب أغربها ومن العجائب أعجبها! لا أحد يتحدث عن الإصلاح لأنه يعني العمل، والعمل مضنٍ ومتعب ومكلف وغير مربح (مادياً)، والعمل انما هو من أجل ان ينعم غيرك بخيرك. كالشمعة التي تحترق كي تنير الطريق لغيرها هكذا هو حال المصلح الناصح. مما لا ريب فيه ولا شك ان هذه الخطوة ـ الإصلاح ـ الاجتماعي أو المجتمعي (سمه ما شئت سيدي) هي التي تجعل العربة خلف الحصان فيكون السير صحيحا لا مطبات فيه ولا منصات!! أعرف أن ذلك لن يكون بسهولة ويسر ولكن هذا هو الحل الأنجع. تصور سيدي الكريم لو كنا صالحين حقا فهل يحتاج المرء إلى تمحيص وتدقيق كبير في إختيار أحدنا ليكون سيدنا ويتقدم أمامنا.. لا أتكلم عن جمهورية إفلاطون ومدينته الفاضلة ولست حالما ولم آتِ بجديد إطلاقا.. هذه الأمم التي تحيط بنا والتي ليست بعيدة عنا نراها تتقدم بثبات وثقة نحو الرقي والإزدهار. رأيت بأمِّ عيني كيف يعتني العلماء الاعلام بالنشا الجديد وكيف يتصابى العالم مع الأطفال وحتى يلعب معهم في الزقاق ويأخذهم للصلاة إلى المسجد وهناك يكون الجد فيكون ذلك الذي كان يلعب معهم شيخهم واستاذهم وسيدهم وقدوتهم والأب الروحي لهم يحبهم ويحبونه. يرَون فيه قدوتهم وسيدهم كوالدهم ويرى فيهم الإمتداد الطبيعي له كأولاده وأحفاده. هناك مراكز دراسات وأبحاث يشرف عليها أخصائيون أكفاء من أجل بناء مجتمع واع مثقف ومتعلم بعيدا عن خرافات البائسين وترهات الفاشلين. كنت ذات يوم أطالع كتابا يعنى بالتربية الإسلامية فرآني أحد أصدقائي فترحم على أحد الخطباء العراقيين تغمده الله برحمته الواسعة ثم قال لي : رحم الله الشيخ العلامة الفلاني فقد أراد أن يطالع هذا الكتاب الذي بين يديك لكنه لم يكن مترجما إلى العربية فبدأ الشيخ بتعلم اللغة التي كُتب بها ذلك الكتاب من أجل الإطلاع على أفكار العلماء من أمم أخرى وطريقة تربيتهم للأولاد وفق المنهج الرباني القويم. أين نحن من هذا الجد في العمل والتفاني في إيصال المعلومة للشباب ولعموم الناس في المجتمع.
هل جلسنا يوما وبجدية ودرسنا وضعنا دراسة منهجية علمية وحددنا مسؤولياتنا في بناء مجتمعنا الذي أصبح لونه لا يسر الناظرين. اين نحن من التواضع والتصابي وحسن معاشرة الأولاد. بالله عليكم هل هناك من يبتسم للصغار إن وقع نظره عليهم او تاملوا منه تحية أو سلاما كي يشعروا بأن هناك كبيرا يشفق عليهم، هل ديننا أمرنا بالعبوس في وجه الصغار؟! هل آدميتنا حملتنا على هذا التصرف الشنيع أم ما ذا أيها المحترم!! إنها الغطرسة والتسلط والأنا البغيضة. أعوذ بالله لو اخطأ أحد الأطفال وأدى التحية في المجلس على جناب الدكتور فإنه ربما ينهره وينهاه ان يفعل ذلك ثانية وكأنما ذلك الطفل المحترم قد أتى بفحش أو منكر. هذا الصغير المحترم إن استمر على الإختلاط بهكذا متعجرفين فسوف لن يكون محترما في الكبر لأنه "لا تربط الجرباء حول صحيحةٍ **** خوفاً على الصحيحة ان تجربا". أمراض سارية ومعدية بحاجة إلى أطباء مختصين ومن أعلى المستويات وإلاّ فوضعنا يبقى ـ خراب ـ.
جدير بالذكر أني أقرأ أحيانا لبعض الأكادميين والسادة أو الشيوخ المحترمين الذين أتمنى عليهم أن يواصلوا الكتابة ومناقشة الأفكار وان لا يروا مسألة الإصلاح وكأنها حدث عابر نتناوله بمقال مختصر ونشير إلى بعض النقاط ثم ننتقل إلى حدث آخر في اليوم التالي. علما بأنني أختلف أحيانا مع بعض الأطروحات التي تقول بأن الإصلاح لا يجب أن يكون فرديا بل من خلال مؤسسات. يا سيدي الفاضل لا زلنا ننادي بـ "إبدأ بنفسك" وقد بينا سابقا بأن إصلاح المجتمع لا يكون دون إصلاح مجموع الاُسر المكونة لذلك المجتمع وبما أن الأسرة وكما هو معروف في علم الاجتماع مؤلفة من عدة أفراد، لذا فإن إصلاح الفرد هو أساس إصلاح المجتمع. هذا أولاً وأمّا ثانيا: يا سيدي سأوافقك الرأي (فرضاً) فأقول : أهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة ليكن الإصلاح مؤسساتيا كما يذهب إليه جنابكم الكريم.. برأيكم أية مؤسسة تكون هي المتقدمة على اخواتها وتتسابق للعمل والإصلاح. هناك من يقول : المؤسسة الدينية ليست مسؤولة وهناك من يقول المؤسسة (السياسية) ليست مسؤولة وهناك ثالث يقول المؤسسة (الاقتصادية) ليست مسؤولة. وهل أصبحنا فعلا بلد مؤسسات!! يا سيدي الفاضل من قال ان الإصلاح هو مسؤولية المؤسسة الدينية او غيرها من المؤسسسات؟! الإصلاح مسؤولية الفرد تجاه الفرد "من رأى منكم منكرا فليغيره..." و "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"ووو.. . أليس الوالد الذي يصلح امر عياله فردا؟ اليس مدير المصنع الذي يريد إصلاح حال العمال فردا؟ نقول بإختصار ليكن الإصلاح فردا أو مؤسساتيا فالذي نريده في النهاية صلاح الحال ومتى ما صلح الحال قلّ أولئك الذين لا يسمعون وإذا سمعوا لا يجيبون وإن أجابوا فلا ينفعون.
مرادنا هو أن نعمل على الإصلاح ونعتني بالنشأ الجديد (صار قديما ذلك النشأ للأسف فقد فرطنا في الوقت) ونتعهده بالتربية الصالحة وبشكل عملي ومعنى هذا ان يكون المعلم معلما بمستوى رسالته ومسؤوليته وأن يكون الوالد والداَ بمستوى قيادته للأسرة ومن صفات الأب الناجح المتألق هو أن يكون خيرا لأهله وعياله، والأم أمّاً بمستوى أمومتها وحنانها وعطفها.
كيف يكون المعلم معلما بمستوى رسالته؟ إليكم القصة:
أراد والدي وسيدي ومولاي رحمه الله ورحم أمواتكم جميعا أن يسجلني في المدرسة الإبتدائية وكان عمري وقتها ست سنوات فرفض مدير المدرسة رحمه الله وكان صديقا لوالدي وقال له ان القانون يجيز للولد الإلتحاق بالمدرسة من سن السابعة فعليك ان تنتظر إلى السنة القادمة بإذن الله تعالى. رجعت أنا ووالدي إلى البيت وكنا نسكن وقتها في أحد الأزقة القريبة والمطلة على الصحن الحيدري الشريف. في الطريق الى البيت وقريبا منه سمع والدي بعض الأولاد يقرأون سورة تبارك فقال لي : أسمعتَ هؤلاء الأولاد؟ قلت : كما سمعتهم سيدي. قال حسنا لندخل بسم الله. دخلنا فوجدنا شيخا جليلا وقد إلتف حوله أولاد بعمري آنذاك ويقرأون بالدور سورة تبارك (الملك) مع قواعد التجويد كاملة. فقال لي الشيخ ودون مقدمات : هذا مكانك غدا إن شاء الله وأشار بيده المباركة إلى مكانٍ شاغر. لم أرد على الشيخ الكريم بل نظرتُ إلى والدي لأرى ماذا يقول فقال لي والدي : على بركة الله يا إبني إنها دعوة مباركة من لدن شيخ مبارك كريم لا تردها. إلتحقت بأولئك الأولاد الموفقين من اليوم التالي وبدأت أحفظ معهم ما شاء الله من السور وقواعد التجويد والتلاوة. إلى الآن الأمر طبيعي جدا أستاذ معلم يبيّن ويشرح وتلاميذ يستمعون ويحفظون. بعد مضي أسبوعين على ما أتذكر بدأ الشيخ الجليل بالدروس التربوية والأخلاقية وبطريقة عجيبة تشبه عملية غرس البذور في التربة ومواصلة العناية بها من سقي وتقليم ومتابعة وكأنه فلاّح ماهر عرف كيف يعتني بالبذرة كي يحصل على ثمرٍ طيّبِ اُكُله. أول درس عملي اعطانا الشيخ الفاضل هو أنه قال لنا : أيها الأحبة.. غدا ان شاء الله سنذهب لتناول الكباب المشوي اللذيذ الذي تحبونه في شارع الرسول من فلان الفلاني فلا تحضروا معكم السندويشات من البيت كعادتكم. قلنا حسنا يا مولانا ولك منا الشكر والإمتنان. جاء يوم الغد وحان موعد الغداء ولكن الشيخ لم يقل شيئا وبعد سويعة قام الشيخ واقفا وسألنا : هل تشعرون بالجوع أيها الأحبة؟ قلنا بصوتٍ واحد وكأننا قد اتفقنا مسبقا على جواب موحد : جدا جدا يا شيخنا. قال : إذن على بركة الله، لنذهب إلى ذلك المحل ونتناول الكباب المشوي اللذيذ. قلنا هيّا يا شيخنا واللعاب يسيل في الفم. إنتهينا إلى محل الكباب اللذيذ فأوقفنا الشييخ وسط دخان الشواء نشم رائحته ونتمنى تناول المزيد من (اسياخ الكباب اللذيذة). فجأة طلب منا الشيخ أن نترك المكان ونتبعه، مشينا خلفه خطوات شبه محبطين فتوقف وإلتفت إلينا وقال : لا تتذمروا ولا تكونوا محبطين سنذهب إلى مكان الدرس ونتاول الطعام. هناك في الدرس كان الدرس : لقد أحضر الشيخ لنا نفس السندويشات التي كنا نأتي بها من البيت، رغيف خبز والقليل من الخضار الورقية وقال : لنتعود ان نتصدق بألذ طعامنا وناكل الذي نتقوى به على أمر الدنيا والآخرة ولا نسرف كي لا يطيل وقوفنا يوم الحساب. ثم واصل الشيخ الجليل: تأملوا أيها الأحبة لو انكم كنتم على وشك أن تبدأوا بتناول الطعام وقد طرق عليكم الباب مسكين او يتيم أو اسير ماذا ستصنعون؟! ثم أجاب نفسه وقال : لقد تصدق إمامكم مولى الموحدين عليه السلام بالطعام مع حبه له لوجه الله تعالى دون جزاء او شكور.
درس آخر..
كنت مع والدي رحمه الله ورحم أمواتكم في كربلاء الحبيبة وكان آنذاك يبعون الصمون العراقي الحار قرب الصحن الحسيني الشريف من جهة شارع علي الأكبر عليه السلام. إشترى لي والدي صمونة واحدة ولشدة سخونتها لم استطع تناولها فأصبحت أقبلها بين يديّ وأنفخ عليها من فمي فنهاني والدي وقال لا تفعل ذك وانتظرها كي تبرد قليلا. في تلك الأثناء جاء طفل لا اعرفه وطلب مني أن أعطيه قطعة من تلك الصمونة (الخبز) فأعطيته ما أراد، رآني والدي فقال لي : أعطه الصمونة كاملة أما سمعت قول : "أما الكلّ فخذه وأما الشطر فلا". اعطيته الصمونة وقد ظننت أن والدي سوف يشتري لي أخرى مكانها لكنه لم يفعل وقال لي : قد رزقك الله رزقا حسنا أن بعث إليك مَن قضيت حاجته وأنت مستطيع لذلك فاشكر الله تعالى فإن الله سيجزي الشاكرين. نسيت طعم الصمون الحار واشتغلت بتذوق طعم آخر
تعليق..
والآن أيها المحترم هل تظن اني بمقام مدح والدي أو ذلك الشيخ الجليل أو ذلك السيد العالم الرباني؟ هل تظن أننا نبحث عن أشخاص بأعينهم ونحاول ان نرفع من شأنهم رغم أننا لم نذكر الأسماء والالقاب! أبدا ليس الأمر كذلك فالذي يرفع هو الحق سبحانه والذي يضع هو المولى سبحانه كما جاء في دعاء يستشير وهو دعاء عالي المضامين "فَأَنَا أَشْهَدُ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ، لاَ رَافِعَ لِمَا وَضَعْتَ، وَلاَ وَاضِعَ لِمَا رَفَعْتَ، وَلاَ مُعِزَّ لِمَنْ أَذْلَلْتَ، وَلاَ مُذِلَّ لِمَنْ أَعْزَزْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ".
وأنا وأحد الخطباء..
جمعتني مشيئة الله سبحانه مع أستاذ فاضل وخطيب بارع واستاذ أكاديمي محترم في بيروت
في إحدى السفرات القريبة إلى الشام لزيارة سيدتنا وعمتنا الحوراء زينب وحبيبة قلوبنا ومولاتنا رقيه عليهما السلام. في الفندق كنا نتناقش أهمية التوعية وكيفية إيصال المعلومة إلى الشباب وان ذلك اساساً لا يكون دون الاهتمام بالشباب والتفكير بحالهم الذي سيكون يوما هو حال الأمة. كنا نختلف إختلافا شاسعا في الأفكار بل لا نكاد نتفق إلاّ على النزر اليسير فيما يخص التوعية والمنبر وأسلوب الخطابة وغرور بعض الخطباء وخروجهم في المحاضرة عن إختصاصهم فيناقشوا أمورا ليس لهم فيها وفير علم او كبير دراية فتأتي النتائج عكسية وتسجل على المنبر بعض الملاحظات، وبدلا من النهوض إلى المستوى الأرقى نشغل وقتنا في التقويم والتقييم. نعم.. كنت وذلك الخطيب المحترم نختلف كثيرا وعلى طول الخط. في الشام ذهبنا لزيارة سيدتي ومولاتي رقية عليها السلام وكان الضريح مكتظا بالزائرين فقبّلت الضريح الطاهر ثم إنحنيتُ فقبّلت أقدام صاحبي الخطيب الذي كنت دائم الإختلاف معه، إنتبه فرآني فلم يصدّق ما رأى. قلت لجنابه الكريم : أيها المحترم أنا اختلف مع أفكارك وطريقة تفكيرك لكني لا أختلف مع شخصك الكريم وأكنّ لك في أعماقي كلّ الود والإجلال والتقدير، وأجزم أن منزلتك عند السيدة رقية صلوات الله عليها لا تُقارن بمنزلة أمثالي إطلاقا، فأنت تنعى الحسين أباها وتكون في خدمته صلوات الله عليه، وقد كتبت مقالا يوما بمنزلة زوار الحسين وخدامه وانت من زواره وخدامه. نختلف في طرق تفكيرنا وفي أساليب كتاباتنا و نوعية ملاحظاتنا، لكن نبقى أحبة متحابين في الله حبا نقيا لا تشوبه شائبة ومتوادين في الله ودّاً كبيراً لا يفسده إختلاف. نكمل لاحقا ان شاء الله تعالى


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/20



كتابة تعليق لموضوع : التسلط آفة إجتماعية مقيتة ـ الجزء الخامس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net