في التفتيش : اللمس مسموح والعتب مرفوع
باسل عباس خضير
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باسل عباس خضير

المصدر : كتابات في الميزان
من الممارسات التي انتشرت منذ سنوات ، إخضاع الأفراد للتفتيش عند دخولهم الدوائر الحكومية وأحيانا منشات القطاع الخاص ، والعذر هو الحفاظ على الوضع الأمني واعتقاد من يعنيهم الأمر بان هناك احتمالات بان يتغلغل الإرهابيون وسط الجمهور لتنفيذ عمليات تطال الأبرياء فيما لو تمكنوا من إدخال الأسلحة او المتفجرات او أدوات التسليح او غيرها من المواد والمعدات المضرة بالأرواح والأموال ، وبقي هذا العذر مقبولا عندما كان المحتلون يتولون زمام الأمور الفنية للبلاد ، وتوقعنا زواله بعد انتقال السلطة والملف الأمني للعراقيين ، ولكن ذلك لم يتم لحد اليوم رغم إن الإدارة الأمريكية تعلن بين الحين والحين عن انسحابها العسكري والأمني الكامل من العراق وآخرها الانسحاب المزعوم في نهاية هذه الشهر ، والحق يقال إن من حق الأجهزة الأمنية أن تتخذ ما تراه مناسبا لحفظ الأمن والاستقرار ، ولكن من غير المقبول أن تبقى الإجراءات على حالها ومن دون تغيير رغم مرور 18 سنة على الاحتلال ، فالسائد كان ولا يزال يتم بإخضاع المراجعين والزائرين للتفتيش الجسدي بقيام أفراد الأمن ( او المخولين ) بفحصنا لمسا من خلال بوابة او مجموعة بوابات ، ويتم ذلك من خلال الوقوف بمكان مرتفع بشبر او شبرين او الوقوف بحالة الاستعداد وقيام الفاحص بلمس الجسم من فروة الرأس إلى جواريب القدم للتأكد من عدم حمل السلاح او المتفجرات ، وهي طريقة اقل ما يمكن وصفها بأنها بائسة وتحمل الكثير من علامات التخلف ، كما إنها تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان او كرامته لأنها تتم بكامل الإذعان ، ويعتقد البعض بأنها طريقة لا أخلاقية وتخالف الشرع وتنطوي عن قدر من الإذلال ، ففي لحظة التفتيش يخضع الفرد بالكامل لطريقة تصرف القائمين بالتفتيش التي قد تنطوي في بعض الاحيان على نوع من التطرف او التعمد لان الأمر يتحمل الكثير من الاجتهاد .
والأكثر غرابة في هذه الطريقة ، إنها تتبع حرفيا حتى وان كانت الدائرة تمتلك أجهزة السونار التي تستخدمها كوسيلة ثانية كمرحلة أولى او أخيرة في الدخول كما إنها تستخدم رغم إن الدوائر ملزمة بنصب وتشغيل كاميرات الرقابة في أماكن الاختراق المحتملة ، بشكل يطرح العديد من التساؤلات حول جدوى الإصرار في الإبقاء على التفتيش الشخصي ، رغم كونه ظاهرة تجاوزتها اغلب دول العالم التي تستعين في بعض الظروف بالأجهزة الحرارية و التحسسية عن قرب او عن بعد فضلا عن أجهزة الكشف والتصنت بالأقمار الصناعية بأنواعها كافة ، ومن المستغرب إن هذا الموضوع ورغم أهميته ونفور الكثير منه إلا انه باق ولا يحظى بالاهتمام قياسا بالنقد الموجه إليه وكأننا دولة نعيش في القرون ما قبل الديمقراطية ، فهو مستمر رغم دخول التقنيات بشكل واسع في بيوتنا ومنظماتنا في مختلف مجالات الحياة ، والإصرار على استخدام ذات الأساليب في التفتيش يعطي الكثير من الدلالات السلبية بضمنها ، ضعف دور الأجهزة الأمنية في الابتكار والإبداع في إيجاد الوسائل البديلة او في الكشف المبكر عن الجرائم والإرهاب رغم خبراتنا الواسعة في هذا المجال بسبب ما أصاب البلد من إحداث ، وقد يشير أيضا الى ضعف الثقة بين المواطن والأمن والتضخم في تكاليف الأمن لان ولوج هذا الأسلوب يتطلب توظيف جيوش للقيام بمهام التفتيش ، ويتم كل ذلك في ظل إمكانية إلغاء هذه الطريقة والعمل ببدائلها من خلال الاستخبارات او التقانات التي لا تكلف الكثير من الأموال ، وللبلد تجربة بهذا الخصوص حيث ألغت القيادات المعنية الآلاف من السيطرات عندما ثبت عدم جدواها وإنها طريقة مكلفة وغير فاعلة في تحقيق الأمن .
ولان الأمر لايزال قائما ويتسبب بإزعاج يومي ، فمن المفيد بحثه بشكل جدي لإيجاد بدائله التي تحقق مصلحة كل الأطراف ، فمن المعيب أن تمس كرامة وحقوق الإنسان في بلد يسعى ليكون أنموذجا ايجابيا للآخرين في مجال الحريات والشفافية والحقوق ، فالإصرار على تفتيش الإفراد بطريقة اللمس الناعم او الثقيل عند دخولهم الوزارات والدوائر والأسواق والمحلات وكأننا الإخوة الأعداء أمر غير مقبول وقد حان الوقت لتجاوزه بوعي ، سيما وان لا أحدا يستطيع معارضة هذه الطريقة او الامتناع عنها في التفتيش ، لان ما يواجه به عند الرفض أما منعه من الدخول او إخضاعه للريبة والشك ، وفي بعض الاحيان إسماعه الكلام الجارح او الخشن لأسباب تعود لدرجات وعي وثقافة ( المفتشين ) التي قد تقل بكثير عن متطلبات ما اسند اليهم من مهام .
لايجوز نقل هذا المقال الا بذكر المصدر اضغط هنا
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat