نظرة في مشروعية التقليد
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحديث حول شاهد الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان المتوفى لسنة "460 للهجرة" في كتابه العدة الذي تضمن أن مسألة التقليد والرجوع لعلماء الدين لم تكن مسألة طارئة على التاريخ الشيعي بل ذلك ديدن الشيعة الأمامية منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام حتى عصره بخصوص أخذ معالم الدين ورجوع الشيعة إلى علماء دينهم- بحسب الضوابط التي ذكروها في محلها- في أخذ أحكام العبادات والمعاملات منهم، كما أن قضية الرجوع للعلماء كانت سائدة معمول بها في زمن الأئمة عليهم السلام فيما يخص رجوع شيعتهم واتباعهم إلى علماء مناطقهم ومدنهم وبهذا المعنى وردت روايات عديدة لا مجال لذكرها هنا، فلم تكن هذه المسألة من اختراع العصور المتأخرة كما يتوهم بل هي سيرة مفروغٌ منها بين أصحاب الائمة ولذا يقول الشيخ عليه الرحمة :
«إني وجدت عامة الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام والى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها ويسوغون لهم العمل بما يفتونهم به وما سمعنا أحداً منهم قال لمستفتٍ لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة عليهم السلام، ولم يحكِ عن واحد من الأئمة النكير على أحدٍ من هؤلاء ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوبونهم في ذلك فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه..» [ العدة في الأصول ج٢-٧٣٠]
وبعد أن حكى الشيخ الطوسي عن صحة التقليد في الفروع وجواز الاستفتاء تعرض بشكل مجمل لبطلان التقليد في الأصول العقائدية، وبهذا يمكن القول أن التقليد تاريخياً واجه مشكلة التباس في المفردة ودلالة الكلمة بين المعنى الممنوع والمذموم الذي شجبته الآيات القرآنية والروايات الناهية مضافاً إلى أقوال الفقهاء الأوائل الذين شددوا بذمه وقبحه وهو المسمى بالتقليد في أصول الاعتقاد.
وبين ذاك المعنى المسموح والراجح الذي عُرف بالرجوع التخصصي والرجوع إلى أهل الفن والتخصص وهو بذاته ممدوح شرعاً وعقلاً وعرفاً وعليه حُملت جُملة من الروايات الشريفة في الحث إليه وتأكيده وأن مخالفة ذلك لغير المتخصص مستهجن ومذموم عقلاً وعقلائياً ..
وعلى هذا الأساس يتضح السر بخصوص الخلط بين مفهوم التقليد كمشروعيّة تخصصية معهودة في التراث الامامي قد دلت عليها السيرة العقلائية والنصوص الروائية والانبغاء العقلي المحمود لغير المتخصصين الذين لا يملكون القدرة على إستخراج الاحكام من مظانها المقررة ومن ثم يتعين عليهم الرجوع لأخذ الأحكام الشرعية من الفقيه الجامع للشرائط، وبين ذاك المعنى بصيغته المتقدمة والممنوعة، ولذا ضرورة التمييز بين الأثنين، وبين المعنى الراجح والممنوع يتضح بشكل جلي دور وظيفة علماء الدين ودورهم الرائد في عصر الغيبة الكبرى والحمد لله أولاً وآخراً .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد قاسم الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحديث حول شاهد الشيخ الطوسي عليه الرحمة والرضوان المتوفى لسنة "460 للهجرة" في كتابه العدة الذي تضمن أن مسألة التقليد والرجوع لعلماء الدين لم تكن مسألة طارئة على التاريخ الشيعي بل ذلك ديدن الشيعة الأمامية منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام حتى عصره بخصوص أخذ معالم الدين ورجوع الشيعة إلى علماء دينهم- بحسب الضوابط التي ذكروها في محلها- في أخذ أحكام العبادات والمعاملات منهم، كما أن قضية الرجوع للعلماء كانت سائدة معمول بها في زمن الأئمة عليهم السلام فيما يخص رجوع شيعتهم واتباعهم إلى علماء مناطقهم ومدنهم وبهذا المعنى وردت روايات عديدة لا مجال لذكرها هنا، فلم تكن هذه المسألة من اختراع العصور المتأخرة كما يتوهم بل هي سيرة مفروغٌ منها بين أصحاب الائمة ولذا يقول الشيخ عليه الرحمة :
«إني وجدت عامة الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام والى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها ويسوغون لهم العمل بما يفتونهم به وما سمعنا أحداً منهم قال لمستفتٍ لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة عليهم السلام، ولم يحكِ عن واحد من الأئمة النكير على أحدٍ من هؤلاء ولا إيجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوبونهم في ذلك فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه..» [ العدة في الأصول ج٢-٧٣٠]
وبعد أن حكى الشيخ الطوسي عن صحة التقليد في الفروع وجواز الاستفتاء تعرض بشكل مجمل لبطلان التقليد في الأصول العقائدية، وبهذا يمكن القول أن التقليد تاريخياً واجه مشكلة التباس في المفردة ودلالة الكلمة بين المعنى الممنوع والمذموم الذي شجبته الآيات القرآنية والروايات الناهية مضافاً إلى أقوال الفقهاء الأوائل الذين شددوا بذمه وقبحه وهو المسمى بالتقليد في أصول الاعتقاد.
وبين ذاك المعنى المسموح والراجح الذي عُرف بالرجوع التخصصي والرجوع إلى أهل الفن والتخصص وهو بذاته ممدوح شرعاً وعقلاً وعرفاً وعليه حُملت جُملة من الروايات الشريفة في الحث إليه وتأكيده وأن مخالفة ذلك لغير المتخصص مستهجن ومذموم عقلاً وعقلائياً ..
وعلى هذا الأساس يتضح السر بخصوص الخلط بين مفهوم التقليد كمشروعيّة تخصصية معهودة في التراث الامامي قد دلت عليها السيرة العقلائية والنصوص الروائية والانبغاء العقلي المحمود لغير المتخصصين الذين لا يملكون القدرة على إستخراج الاحكام من مظانها المقررة ومن ثم يتعين عليهم الرجوع لأخذ الأحكام الشرعية من الفقيه الجامع للشرائط، وبين ذاك المعنى بصيغته المتقدمة والممنوعة، ولذا ضرورة التمييز بين الأثنين، وبين المعنى الراجح والممنوع يتضح بشكل جلي دور وظيفة علماء الدين ودورهم الرائد في عصر الغيبة الكبرى والحمد لله أولاً وآخراً .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat