الصفحة الرئيسية
أخبار وتقارير
المقالات
ثقافات
قضية رأي عام
اصدارات 
المرئيات (فيديو)
أخبار العتبات
أرسل مقالك للنشر


صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٠)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}.

سُجِنَ مظلوماً، وهوَ في السِّجن إِحتاجهُ النَّاس بسببِ أَزمةٍ إِقتصاديَّةٍ خانقةٍ كادت تقضي على الزَّرعِ والضَّرع.

كانت بالنِّسبةِ لهُ فُرصةً لينتقِمَ ممَّن ظلمهُ، فلا يجيبهُم على شيءٍ ولا يهديهِم لطريقِ الخَلاص ولا يُشير عليهِم بأَحسنِ ما عندهُ أَو ينطِقَ بكلمةٍ قبلَ أَن يُطلقُوا سراحهُ مثلاًويعتذرُونَ منهُ!.

لم يفعل يوسُف الصدِّيق (ع) كُلَّ هذا، فلقد عضَّ على الجُرح وتجاوزَ الظُّلم الذي تعرَّضَ لهُ شخصيَّاً من أَجلِ الصَّالحِ العام فالوقتُ لم يكُن وقتَ انتقامٍ أَو مُقايضةٍ،فالأُمَّة تمرُّ في ظرفٍ إِقتصاديٍّ وماليٍّ خطيرٍ قد تهلك بسببهِ، والمَوقف يتطَّلب تظافُر الجهُود لإِنقاذِ المَوقف وعبُور المِحنة الشَّاملة، وكُلُّ من سعتهِ، ومِن يوسف الصدِّيق فُتياتفسيرِ الرُّؤيا.

وهذا ما كان، فلم يتأَخَّر بالإِدلاءِ بدَلوه الذي كانَ خارِطة طريق حل إِستراتيجي، فلقد فسَّرَ لهُم الرُّؤيا على عجلٍ ليُساهمَ في إِنقاذِ المَوقف من دونِ أَن ينتظرَ ليقبِضَالثَّمن مثلاً أَو أَن يُقايض علمهِ بقرارٍ يتَّخِذهُ الملك لإِطلاقِ سراحهِ من السِّجنِ أَوَّلاً.

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِيمِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}.

إِتَّضحَ، إِذن، أَنَّها لم تكُن {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ}!.

وهذا هوَ الفارِقُ بينَ رجُل الدَّولة الذي يشعُر بالمسؤُوليَّة عن الرعيَّة حتَّى إِذا كانَ مظلُوماً أَو مسجُوناً مازالَ قادِرٌ على الخدمةِ ولَو برأيٍ! وبينَ رجُل السُّلطة الذي يُقايضكُلَّ شيءٍ من أَجلِ تحقيقِ مصالحهِ الخاصَّة والضيِّقة ويستغل كُلَّ ظرفٍ من أَجلِ أَن يُوسِّعَ من سلطتهِ خاصَّةً في وقتِ الأَزمات عندما يضطرُّ الآخر تقديم التَّنازُل مِن أَجلِتجاوُز مِحنة! ولَو أَمكنَهُ صنعَ أَزمة ليعتاشَ عليها!.

فرجُل الدَّولة يحظر في ذهنهِ دائماً مفهُوم الأَولويَّات العامَّة التي تخصُّ الأُمَّة، أَمَّا رجُل السُّلطة فمسكُونٌ بمفهومِ الإِستغلالِ السيِّء للظُّروف من أَجلِ تحقيقِ أَولويَّاتهِفقط.

وهكذا كانَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فعلى الرَّغمِ مِن كُلِّ الظُّلم الذي لحِقَ بهِ جرَّاء إِزاحتهِ عن الخلافةِ التي كانَت من حقِّهِ بكُلِّ المقاييس كما يصفها بقَولهِ {لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّالنَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ} وقولُهُ{فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ (ص) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ}.

على الرَّغمِ مِن كُلِّ ذلكَ إِلَّا أَنَّهُ لم يُفكِّر قطُّ في توظيفِ مظلوميَّتهِ لابتزازِ الأُمَّة أَو [جِهاز الحُكم] عندما مرُّوا بأَزمةٍ خطيرةٍ وخانِقةٍ لم يكُن لها إِلَّا أَبا الحسَن (ع).

تعالُوا نقرأ النَّص التَّالي الذي يشرحُ فيهِ الإِمام (ع) قصَّة أَوَّل إِنقلاب في تاريخِ الأُمَّة وكيفَ تعاملَ معهُ بمسؤُوليَّة مِن دونِ أَن يدَع لمظلُوميَّتهِ أَن تُسيطر على أَو تتحكَّمبقراراتهِ الإِستراتيجيَّة المصيريَّة، لنتعلَّمَ منهُ كيفَ نتعامل معَ الأَزماتِ بمفهُومِ الأَولويَّات وليسَ بمفهُومِ التَّربُّص والإِنتقام والإِبتزاز، بوعِي رجُل الدَّولة وليسَ بعقليَّةِ رجُلالسُّلطة.

يقولُ (ع) {فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ (ص) فَخَشِيتُ إِنْلَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَايَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ}.

وعندما يستشيرهُ [خليفة] كانَ (ع) يُشيرُ عليهِ بأَفضلِ الرَّأي وأَحسنهِ فلا يوفِّر شيئاً ينفعُ الأُمَّة، لأَنَّهُ لم يكُن ينظُر إِلى الأُمور من زاويةٍ خاصَّةٍ وضيِّقةٍ وإِنَّما كانَ ينظرُلها مِن أَوسعِ المنافذِ.

فمثلاً عندما استشارهُ الخليفة الثَّاني بالخرُوجِ بنفسهِ لقتالِ الفُرس، لم يفكِّر الإِمام (ع) باستغلالِ الفُرصةِ السَّانحةِ وتشجيعهِ للخرُوجِ بنفسهِ على رأسِ الجيش ليخلُوالجَو للإِمام فينفِّذ مثلاً عمليَّةً إِنقلابيَّةً تحمِلهُ للسُّلطةِ، أَبداً، وإِنَّما كانَ جوابهُ للخليفةِ خارِطةَ طريقٍ لبناءِ الهيكليَّةِ الإِداريَّةِ السَّليمةِ للدَّولةِ {إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلَاخِذْلَانُهُ بِكَثْرَةٍ وَلَا بِقِلَّةٍ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ وَمَكَانُالْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلَامِعَزِيزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطْباً وَاسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَمَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَطَمَعِهِمْفِيكَ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَامَضَى بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ}.

وفي هذا الجَواب حدَّدَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فلسفة السُّلطة وهرميَّتها من النَّاحيةِ الإِداريَّة، ليسَ لتعليمِ الخليفةِ وإِنَّما لكُلِّ مَن يسعى لبناءِ الدَّولة على أُسُسِ هرميَّةٍ إِداريَّةٍسليمةٍ وصحيحةٍ.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/11



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٠)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
أدخل كود التحقق : 1 + 5 =  



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net