أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ العاشِرة (٢٣)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِی قَرۡیَةࣲ مِّن نَّذِیرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَاۤ إِنَّا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ}.
من الآثار المُباشِرة لمرضِ الصنميَّة في المُجتمعِ؛
أ/ أَنَّها تُشكِّل سقفاً في كلِّ شيءٍ، في التَّفكيرِ وفي التَّخطيطِ وفي اتِّخاذ القرار، وفي مساعي التَّغييرِ في المُجتمعِ بُكلِّ أَشكالِها لدرجةٍ أَنَّ الصَّنم يُمثِّل كُلَّ شيءٍ فهوالرَّقم الصَّعب، وما دونَهُ لا يُمثِّل شيئاً فالآخرين في الجماعةِ بالنِّسبةِ لهُ أَصفارٌ على يسارِ الرَّقم.
فالصنميَّةُ تُصادر الحقَّ المُطلق {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّيلَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.
ب/ إِنَّها تُشكِّل خطراً على الطَّاقات الخلَّاقة والوَاعِدة، ولذلكَ لا يُفكِّرُ أَحدٌ من الذينَ في الدَّائرة أَن يُطوِّر نفسهُ أَو أَن يبحثَ عن الدَّور الذي يستحقَّهُ بالإِعتمادِ على قُدُراتهِوكفاءاتهِ وخِبراتهِ.
ففي ظلِّ المرض لا يجدُ الكفُوء مكانهُ المُناسب، لأَنَّ الصنميَّة لا تستعمِلُ أَحداً لكفاءتهِ وخبرتهِ ونزاهتهِ وإِنَّما لتملُّقهِ وولائهِ لـ [الصَّنم] ولذلكَ حذَّر أَميرِ المُؤمنينَ(ع) بقَولهِللأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ}.
ج/ إِنَّها تُلغي الرَّأي والرَّأي الآخر، والقُرآنُ الكريم يحثُّ على ذلكَ {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} وتقضيعلى فُرص الجِدال بالتي هيَ أَحسن والله تعالى يقُولُ {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} لتطويرِ الأَفكار وتحسينِالأَداء خاصَّةً إِذا تعدَّدت الأَصنام فترى لكُلِّ أُمَّةٍ صنمٌ {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما يدفع للتفرُّق والتمزُّق والنِّزاع { {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُواشِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} فكُلٌّ يُقاتِلُ من أَجلِ أَن لا يدوسَ أَحدٌ على ذيلِ صنمهِ وبالتَّالي ستمتلئ الأَرض بزراعةِ الأَصنام التي ستتمدَّد ذيولها لتشملَ كُلَّالمساحات.
وفي هذا الجَو الصَّنمي تغيب الإِهتمامات العامة وتتَّسع الإِهتمامات الخاصَّة!.
د/ وهيَ العبوديَّة بعينِها، والتي تكونُ سبباً في تعطيلِ العقلِ وتمنَع من التَّفكير وبالتَّالي لا تحثُّ على التَّعليمِ والتعلُّم {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌلَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} فهي بهذهِ الحالة عبوديَّة بامتيازٍ وأَميرُ المُؤمنينَ (ع) يقُولُ {لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيرِكَ وَقَد جعَلَكَ اللهُ حُرّاً}.
مَن السَّببُ إِذن؟! ومَن الذي يتحمَّل المسؤُوليَّة؟!.
أَكيد ليسَ الصَّنم، فكُلُ واحدٍ منَّا يتمنَّى، رُبما، أَن يكونَ صنماً، يرى القِطعان تلهثُ خلفهُ والجمهُور يُصفِّق لهُ مِن دونِ أَن يفهَمَ ما الذي يقولهُ وما الذي يفكِّر فيهِ ويرُومُإِليهِ.
إِنَّما اللَّومُ على مَن يعبُد الصَّنم، فيُطيعهُ طاعةً عمياءَ ويسيرُ خلفهُ من دونِ أَن يعرفَ إِلى أَينَ يأخذهُ في هذا الطَّريقِ أَو ذاكَ.
وهذا ينطبقُ على الإِنسان الفَرد الذي يحتضِن صنماً وعلى الإِنسان الأُمَّة التي تحتضِن أَصناماً.
وهؤُلاء مُشكلتهُم أَنَّهُم ينتبِهونَ على حالهِم متأَخِّرينَ وفي أَحيانٍ كثيرةٍ [بعدَ فوات الأَوان] {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَننَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
والسُّؤَال؛ إِذا كانت الصنميَّة خطِيرة جدّاً على المُجتمع، فلماذا تنمُو عندَنا والله تعالى خلقَنا أَحراراً وخلقَ لنا أَداة الحريَّة والكَرامة [العَقل]؟!.
أَسبابٌ عديدةٌ لعلَّ أَهمَّها؛
١/ الجَهل ولذلكَ يحرص الصَّنم على تجهيل النَّاس ليُسيطِر على عقولهِم {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
ويصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حالة التَّجهيل التي سيطرَ بها مُعاوِية على أَهل الشَّام بقَولهِ {أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْأَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
٢/ الإِتِّكاليَّة {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} فعبَدة الأَصنام يجدُونَ أَنفُسهُم فقط في ظلِّ [صنم].
٣/ الرجعيَّة وعدَم الإِستعداد للتطوُّر والتقدُّم والسَّبب أَنَّ النَّاس يتكاسلُونَ عادةً عن دفعِ الثَّمن لأَيِّ تطوُّرٍ ولذلكَ يعبدُونَ صنماً يكفيهِم مؤُونة دفع الثَّمن إِذا أَرادَ ولتبريرِتقاعُسهِم وتكاسُلهِم.
٤/ فُقدان الرَّصيد الشَّخصي ما يدفع الإِنسان كذلكَ لأَن يسيرَ بظلِّ غيرهِ حتَّى لا يُفتضحَ أَمرهُ بينَ النَّاس.
وإِلَّا فالذي يمتلِك شخصيَّة تتجلَّى في رصيدهِ الشَّخصي من العِلم والمعرِفة والمَكانة والتَّفكير والرَّأي الحَصيف، ما الذي يُجبِرهُ على أَن يعبُدَ صنماً أَو أَن يُساهمَ فيصناعةِ صنمٍ ليعبُدهُ؟!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat