مقالات في مناقب المرتضى : 14: لقب ذي النورين
حامد كماش آل حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مقدمة:

لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.

ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.

·         قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)

·         وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)

ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:

1.   لقب «أمير المؤمنين».

2.   لقب «قائد الغر المحجلين».

3.   لقب «يعسوب الدين».

4.   لقب «أبو تراب».

5.   لقب «إمام المتقين».

6.   منقبة «وليد الكعبة».

7.   لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».

8.   منقبة «قسيم الجنة والنار».

9.   منقبة «أول من أسلم».

10.         لقب «الصديق».

11.         لقب «الفاروق».

12.         لقب «سيف الله المسلول».

13.         لقب «ساقي الحوض».

واليوم نتكلم عن لقب «ذي النورين»:

تمهيد:

أن لقب «ذي النورين» أيضاً هو لقب من مختصات الإمام علي «عليه السلام»، ولكن كعادة القوم فقد نُحِل هذا اللقب وبدون دليل صحيح الى عثمان بن عفان ليضاف الى جملة كثيرة من فضائل ومناقب الإمام علي «عليه السلام» التي تم سرقتها من قبل الحاقدين، والمزورين للحقائق، في أزمنة كان يعد فيها إظهار أي فضيلة للإمام علي «عليه السلام»، جريمة يعاقب عليها أشد العقاب، فإن هدم الدار والتشريد والسجن والتنكيل والقتل، ينتظر كل من تسول له نفسه إظهار شيء من تلك من الفضائل، واستمر الأمر على تلك الحال قرابة قرن، أي مدة حكم طغاة بني أمية.

ولكن جاءت أزمنة كان لا بد من أن يأخذ الإمام علي «عليه السلام» حقه، وبعد الثلة المؤمنة التي كانت ملازمة إياه، ومن سلك نهجها في ملازمة الأطهار من ذريته وورثة إمامته وعلمه وجهاده وتقواه وطهره، فظهر مما عفا عنه التاريخ والمؤرخون، ليعيد بعض حق الإمام علي «عليه السلام»، الذي انتهبه الظالمون، وحالوا دون وصوله إلى الناس كافة، ومنها لقب «ذي النورين»، لأن في إظهار مقامات الإمام علي «عليه السلام» وإعلاء حقه، هو إظهار وإعلاء للدين ككل.....(3)

معنى لقب ذي نورين:

لابد هنا من ذكر المعنى اللغوي لهذا اللقب، والذي يمكن بيانه بما يلي:

·       ذو: بمعنى الصاحب.(4)

·       النورين:

-     مثنى لكلمة النور، والنور في اللغة: هو الضوء الساطع.

-     والمقصود من كلمة «النورين» هنا فهما لفظ مجازي ...(5)

ويختلف المقصود بـ«النورين» ومن هو صاحب لقب «ذي النورين» بين شيعة أهل البيت «عليهم السلام» وبين أهل السنة وهذا ما سنشير اليه فيما يلي:

لقب ذو النورين عند أهل السنة: 

ذو النورين عند أهل السنة هو لقب عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي(6)، وأما سبب هذا اللقب فقد ذكروا عدة أسباب، منها:(7)

1.   لأنه كان قد تزوج من أبنتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» رقية وأم كلثوم حسب أدعاهم، وهو القول الأشهر وهو ما سوف نركز عليه.

2.   لأنه كان له كنيتان، يكنى أبا عمرو وأبا عبد الله.

3.   لأن عثمان كان يتم قراءة القرآن الكريم في صلاة الوتر، وبذلك يكون القرآن الكريمِ نور، كما أن قيام الليل نور آخر.

4.   لأنه كان لعثمان سخاءان، أحدهما كان قبل الإسلام، والثاني كان بعد الإسلام.

5.   لأنَّه عند دخوله الجنة ستبرق له برقتان.

وتعدد هذه المعاني التي ذكروها يؤكد على بطلان أدعاء اللقب لعثمان بن عفان وأنه لا صحة له بل هي من محاولات المؤلفين لتثبيت اللقب لعثمان، وهذا الأمر واضح وذلك لأن هذه التبريرات غير مشهورة ولا معروفة بأستثناء السبب الأول وهو قولهم أنه تزوج من أبنتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» رقية وأم كلثوم فإن هذا التفسير هو الشائع عندهم وحاولوا الاتفاق عليه بكل قوة لغرض أثبات معنى لقب عثمان بن عفان بــ«ذي النورين» ونحن سوف نركز في حديثنا على هذا المعنى ومعرفة مدى صحته أو بطلانه ...

لقب ذو النورين عند الشيعة:

أما شيعة أهل البيت «عليهم السلام» فإن لقب «ذو النورين» عندهم هو لقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وان سبب هذا اللقب يعود لأمرين:

1.   أنه بسبب حصول «زواج النور من النور» أي نور الإمام علي «عليه السلام» ونور فاطمة الزهراء «عليها السلام»، فأصبح ذو النورين.

2.   بسبب كونه أبو النورين الإمامين الحسن والحسين «عليهم السلام» سيدي شباب أهل الجنة، وريحانتي نبي الرحمة، وولدي أبنته فاطمة البتول «عليها السلام» سيدة نساء العالمين، والأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين.

والمعنى الثاني هو المعنى المشهور في سبب لقب الإمام علي «عليه السلام» بـ«ذو النورين» وان كان المعنى الأول أيضاً صحيحاً وله أدلته.

تنبيه:

لابد من الإشارة ان لقب «ذي النورين» غير معروف في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وانما هو لقب ظهر بعد رحيله ولذلك قد لا نجد حديثاً صريحاً صادراً عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يتضمن هذا اللقب فيما اطلعنا من كتب الأحاديث وأننا لا ندعي الاطلاع والإلمام بكل كتب المجاميع الحديثية ... والله اعلم

الأحاديث:

اشرنا في التنبيه السابق الى عدم ورود هذا اللقب في الأحاديث بشكل صريح ولكننا هنا نختار بعض الأحاديث القريبة والتي تشير الى المعنى المطلوب:

1.   روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: ((... يا بن مسعود إن الله خلقني وعليا والحسن والحسين من نور عظمته قبل الخلق بألفي عام ...)).(8)

2.   روي أن الإمام علي «عليه السلام» كان ذات يوم جالساً في الرحبة والناس حوله مجتمعون، فقام إليه رجل فقال: ((يا أمير المؤمنين أنت بالمكان الذي أنزلك الله به وأبوك معذب في النار؟، فقال له علي «عليه السلام»: مه، فض الله فاك، والذي بعث محمداً بالحق نبياً لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم، أبي معذب في النار وابنه قسيم الجنة والنار، والذي بعث محمداً بالحق نبياً، إن نور أبي يوم القيامة يطفئ أنوار الخلائق إلا خمسة أنوار: نور محمد ونوري ونور الحسن والحسين ونور تسعة من ولد الحسين، فإن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام)).(9)

3.   روى الفريقين: ان جبرائيل هبط الى خاتم المرسلين وقال: زوج النور من النور، قال من؟ ممن؟ قال: بنتك فاطمة من ابن عمك علي بن ابي طالب «عليه السلام».(10)

4.   روي ان النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام»: (يا علي أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا حتى أنا أوتيت صهراً مثلي ولم أؤت أنا مثلي وأوتيت صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أؤت من صلبي مثلهما ولكنكم مني وأنا منكم).(11)

5.   روى إن عمر قال: (لقد أؤتي علي بن ابي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت له السبطين، وسكناه بالمسجد لا يحل لأحد غيره الإقامة فيه، والراية له يوم خيبر).(12)

شبهات وردود:

ذكروا ان لقب «ذي النورين» هو لقب عثمان بن عفان:

1.   حيث ذكر بدر الدين العيني في شرحه على صحيح البخاري، أنه قيل للمهلب بن أبي صفرة: لم قيل لعثمان ذو النورين؟ فقال: لأنا لا نعلم أحداً أرسل ستراً على بنتي نبي غيره.(13)

2.   وقال عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي: قال لي خالي حسين الجعفي: يا بني، أتدري لِمَ سمي عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري، قال: لم يجمع بين ابنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة غير عثمان، فلذلك سمي ذا النورين.(14)

الجواب:

أنه من المعلوم ان الأمويون وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان الطليق سعوا إلى الإساءة للنبي «صلى الله عليه وآله» في عدة أمور، فمرة عبر شخصه المقدس، ومرة عبر شخصية السيدة خديجة بإظهارها بمظهر المرأة الثيب الكبيرة بالسن والمتزوجة بعدد من الرجال قبل النبي «صلى الله عليه وآله»، وكل ذلك من أجل رفع شأن عائشة وإعطاءها ميزة الزوجة البكر التي لامثيل لها، وقد عبرت عائشة عن حسدها وحقدها للسيدة خديجة في أكثر من مورد، فنراهم يحاولون اختلاق بنات للنبي «صلى الله عليه وآله» من السيدة خديجة غير السيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» وكل ذلك كرهاً وحسداً على الإمام علي «عليه السلام» ومحاولتهم هذه هي لغرض أختلاق فضيلة لعثمان تداني فضيلة الإمام «عليه السلام» بزواجه من الزهراء «عليها السلام» ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا السبق والأفضلية لعثمان، وذلك من خلال ادعائهم أن الإمام علي «عليه السلام» تزوج من ابنة واحدة للنبي «صلى الله عليه وآله» بينما عثمان تزوج حسب زعمهم بإبنتي النبي «صلى الله عليه وآله» ليصبح «ذو النورين»، مما أوقعهم في أضطراب في طريقة اثبات البنتين للنبي «صلى الله عليه وآله» من السيدة خديجة، وهذا الأضطراب دليل على عدم مصداقية الخبر والرواية وإنها محاولة أموية في اختلاق نسب شخصيتين إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ومما يدل على هذا الأختلاق ان لقب «ذي النورين» لم يكن معروفاً لعثمان في عصر النبي «صلى الله عليه وآله» وحتى بعد رحيله وانما عرف بعد مجيء معاوية للحكم وتسلطه على رقاب المسلمين.

هل رقية وأم كلثوم هما بنات النبي:

ولكن السؤال الذي يطرح هنا هل ان رقية وأم كلثوم بنات النبي «صلى الله عليه وآله» حقاً، نقول:

1.   أن مما يدل على كون رقية وام كلثوم زوجتي عثمان وكذلك زينب لستا بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

‌أ.       ما ذكره المقدسي، عن سعيد بن أبي عروة، عن قتادة، قال:

ولدت خديجة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»: عبد مناف في الجاهلية، وولدت له في الإسلام غلامين، وأربع بنات: القاسم، وبه كان يكنى: أبا القاسم، فعاش حتى مشى ثم مات، وعبد الله مات صغيراً، وأم كلثوم، وزينب، ورقية، وفاطمة.(15)

‌ب. وقال القسطلاني بعد كلام له:

«وقيل: ولد له ولد قبل المبعث، يقال له: عبد مناف، فيكونون على هذا اثني عشر، وكلهم سوى هذا ولد في الإسلام بعد المبعث».(16)

‌ج.  كما أن بعضهم ينص على أنه قد صح عنده: أن رقية كانت أصغر من الكل حتى من فاطمة «عليها السلام».(17)

وبعد هذه الروايات، فكيف نصدق قول من يقول: إنهما تزوجتا في الجاهلية من أبني أبي لهب، ثم جاء الإسلام ففارقاهما، بينما نجد في هذه الروايات وغيرها ان جميع اولاده ولدوا في الإسلام بعد المبعث؟

‌د.     ويقول المقدسي: «فزوج رسول الله، رقية، عثمان بن عفان، وهاجرت معه في الهجرتين إلى الحبشة، وأسقطت في الهجرة الأولى علقة في السفينة».(18)

وكيف نصدق هذه الرواية وغيرها، ونحن نعلم أن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت بعد البعثة بخمس سنين، فكيف تكون رقية قد تزوجت قبل البعثة بإبن أبي لهب، ثم فارقها ليتزوجها عثمان، ثم تحمل منه قبل الهجرة إلى الحبشة، وهي إنما ولدت بعد البعثة؟!

2.   أن هناك من يقول: إن خديجة إنما تزوجت رسول الله «صلى الله عليه وآله» قبل البعثة بعشر أو بثلاث، أو بخمس سنوات، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة، وتزوجتا قبل البعثة؟.

3.   أن الدولابي يقول: إن عثمان كان قد تزوج رقية في الجاهلية.(19)

وذلك كله يؤكد ويؤيد:

أن رقية التي تزوجها عثمان هي غير رقية التي يدعى أنها بنت الرسول «صلى الله عليه وآله»، والتي يقال: إنها ولدت بعد البعثة، وأن التي تزوجها عثمان هي ربيبة النبي «صلى الله عليه وآله»، لا ابنته، وقد كانت العرب تطلق على ربيبة الرجل أنها ابنته، وكذلك يقال بالنسبة لأم كلثوم، لأن الفرض أنها قد ولدت بعد البعثة أيضاً.

·         وبالنسبة لأم كلثوم فإن الروايات تذكر:

أن علياً حين هاجر اصطحب معه خصوص الفواطم، وأم أيمن، وجماعة من ضعفاء المؤمنين(20)، وليست أم كلثوم بينهم فهل هاجرت قبل ذلك، أو بعده وحدها، وكيف لم يصطحبها الإمام علي «عليه السلام» معه ليحميها من كيد قريش.

وبهذا ثبت أن عثمان قد تزوج ربيبتي رسول الله «صلى الله عليه وآله» وليس أبنتيه، وكذلك الحال بالنسبة لزينب زوجة أبي العاص، ومن هنا يقال لمن تزوج ربيبة لشخص أن ذلك الشخص قد صاهره، ونال درجة من القرب منه، وهذا يؤكد قول أمير المؤمنين «عليه السلام» لعثمان: «وقد نلت من صهره ما لم ينالا».(21)

بالإضافة الى ذلك:

·         ان عثمان لم يحتج في حياته بأنه صهر للنبي «صلى الله عليه وآله» أبداً ولا حتى في يوم الشورى ولا في خلافته.

·         لم ينقل لنا أن النبي «صلى الله عليه وآله» ذكر أو روى أن عثمان صهري.

·         في المقابل نجد أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لعلي «عليه السلام»: ((يا علي أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا حتى أنا أوتيت صهراً مثلي ولم أؤت أنا مثلي وأوتيت صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أؤت من صلبي مثلهما ولكنكم مني وأنا منكم)).(22)

·         روى إن عمر قال: (لقد أؤتي علي بن ابي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله «صلى الله عليه وآله» ابنته وولدت له السبطين، وسكناه بالمسجد لايحل لأحد غيره الإقامة فيه، والراية له يوم خيبر).(23)

ومن هذه الروايات وهناك روايات كثيرة تفيد أنه لا صهر للنبي «صلى الله عليه وآله» إلا الإمام علي «عليه السلام» ويظهر حشو اسم عثمان زوراً في زمن معاوية وتحديداً بعد مقتل أمير المؤمنين علي «عليه السلام».

·         قال إبن عمر وهو يجادل أحد الخوارج: أما عثمان فكان عفا الله عنه وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما علي «عليه السلام» فإبن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله» وختنه وأشار بيده، فقال: هذا بيته حيث ترون.(24)

نلاحظ هنا أن إبن عمر اكتفى على وصف الإمام علي «عليه السلام» بختن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولو كان عثمان ختنه لكان ذكره من باب أولى فهو يسير على نفس المنهج فقضية ذو النورين لم تكن معروفة في صدر الإسلام لا بعصر النبوة ولا من جاء بعده من حكام السقيفة الى زمن معاوية.

·         روى ابن عباس إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان إذا قدم من سفر زار أبنته فاطمة «عليها السلام» وقبلها واطمئن عليها، ولم نجد له ذكراً لمروره على بيت زينب ولا رقية أو أم كلثوم.(25)

من ذلك استحالة ان تكون زينب ورقية وام كلثوم هن من بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله»، واذا كان عثمان «ذو النورين» فلماذا لم تنفعه هذه الأنوار عند الثوار لما حاصروه فلو كان هذا الأمر صحيح لكانت له هيبة على الرغم من وفاتهما ولماذا لم تنفعه عندما قتل ورمي في مزبلة اليهود فلو كان حقاً صهرا للنبي «صلى الله عليه وآله» وتزوج ابنتيه لتهيب الناس منه ولكن قاتل الله معاوية وجنده المدلسين؟؟؟

رب مشهور لا أصل له:

يقول الشيخ محمد حسن آل ياسين:

((المشهور بين المؤرخين ان للنبي «صلى الله عليه وآله» من البنات أربعة: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة ولكن التحقيق التاريخي لا يؤيد هذه الشهرة بل نجد بعد التحميص من نقطع ببنوتها غير فاطمة ونورد في ادناه اشارات موجزة لهذه الشكوك لان المجال لا يتسع للتفاصيل:

أ. زينب:

ذكر بعض المؤرخين ان زينباً ولدت وللنبي ثلاثون سنة من العمر (26)، وقد تزوجها ابو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وهو ابن خالتها قبل ان يبعث ابوها بالرسالة وولدت له علياً «مات صغيراً» وأمامة، واسلمت حين اسلمت امها في اول البعثة النبوية، وفرق الاسلام بينها وبين زوجها الا ان رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان لا يقدر على التنفيذ العملي للتفريق بينهما فبقيت في داره على اسلامها وهو على شركه.(27)

أقول: (28)

ان خلاصة ما ترشدنا اليه هذه الروايات ان زينباً كانت عند بعثة أبيها في العاشرة من العمر، فهل يمكن لبنت في العاشرة ان يسبق لها الزواج وولادة ولدين ؟ ومتى كان ذلك الزواج؟ في السابعة مثلاً ... في الثامنة ؟ واذن فلا بد ان تكون زينب هذه بنتاً لابي هالة زوج خديجة السابق.(29)

ب. رقية:

ج. أم كلثوم:

ذكر بعض المؤرخين ان رقية ولدت وللنبي من العمر ثلاث وثلاثون وان اختها ام كلثوم اصغر منها(30)، واتفق المؤرخون على انهما تزوجتا عتبة وعتيبة ابني ابي لهب بن عبد المطلب قبل البعثة وانهما اسلمتا عندما اسلمت امهما في اليوم من البعثة(31)، ولما اعلن النبي «صلى الله عليه وآله» دعوته للإسلام امر ابو لهب ابنيه بطلاق هاتين السيدتين فطلقاهما فتزوج عثمان رقية وهاجرت معه الى الى الحبشة مع المهاجرين الاول الفارين من تعذيب المشركين.(32)

اقول: (33)

هل يمكن لرقية ان يتم زواجها قبل بلوغها السابعة من العمر حيث طلقت وهي في هذا السن، وهل يمكن لأختها ام كلثوم ان تتزوج وتطلق وهي لم تتجاوز السادسة في اكثر الفروض))(34)(35)

وأخيراً:

نقرأ فقرة من كتاب التعجب لأبو الفتح الكراجكي:

((... ومن عجيب أمرهم مثل هذا: قولهم: إن عثمان بن عفان ذو النورين، واعتقادهم من نحلته هذا بأنه تزوج بابنتين كانتا فيما زعموا لرسول الله من خديجة بنت خويلد، وقد اختلفت الأقوال فيهما، فمن قائل: أنهما ربيبتاه، وأنهما ابنتا خديجة من سواه، ومن قائل: إنهما ابنتا أخت خديجة من أمها، وإن خديجة ربتهما لما ماتت أختها في حياتها، وقد قال: إن اسم أبيهما هالة، ومن قائل: إنهما ابنتا النبي يعلم أنهما ليستا كفاطمة البتول «عليها السلام» في منزلتها، ولا يدانيانها في مرتبتها، فيسمون عثمان لأجل تزويجه بهما مع ما روي من أنه قتل إحداهما ذا النورين ولا يقولون: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام» ذو النورين، وهو أبو السبطين السيدين الإمامين الشهيدين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وشنفي العرش، وريحانتي نبي الرحمة، وولدي ابنته فاطمة البتول سيدة نساء العالمين، والأئمة الهادين صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد بلغنا أن مجاهداً قال:

«قيل لإبن عباس: ما تقول لعلي بن أبي طالب؟

فقال: ذاك والله أحد سبق بالشهادتين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وأعطى البسطتين، وهو أبو الإمامين الحسن والحسين، وردت عليه الشمس مرتين، وجرد السيف كرتين، فمثله في الأمة كمثل ذي القرنين».(36)

يعني بقوله: «أعطي البسطتين»: أن الله تعالى زاده بسطة في العلم والجسم، كما فعل بطالوت من قبل.(37)

وقوله: «وردت عليه الشمس مرتين»: يعني في حياة رسول الله وبعده.

كذلك قوله: «جرد السيف مرتين»، إنما يريد في حياته لقتال المشركين وبعده لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.

وينضاف إلى ما ذكره ابن عباس أنه في علمه وعمله ذو الشرفين، وفي سبقه وجهاده ذو الفضيلتين، وقد حاز الحسبين لأنه أول من ولد من هاشميين، فهو صلوات الله عليه أحق من عثمان أن يكون ذا النورين ...)).(38)

الشواهد الشعرية:

لقد نظم الشعراء في شعرهم فضيلة لقب الإمام علي «عليه السلام» بـــ«ذي النورين»، مما يدل على شيوع هذا اللقب بين المسلمين واشتهاره واختصاص الامام علي «عليه السلام» به شأنه شأن الكثير من ألقاب ومناقب وفضائل الإمام علي «عليه السلام»، رغم محاولة البعض ممن اعماهم البغض والحقد من مؤرخي السلطة والسلطان ان يزيفوا الحقائق، والنماذج الشعرية في ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكر الكثير منها، ولكننا نذكر ما يفي بالغرض، منها:

1.     إبن حماد العبدي:

الحجتين على الخـــــلق الأميـــــــــــــــــــرين ..... الطيـــــبــيـــــن الطهـــــورين الزكيين

نــــورين كانا قديمــــــــــاً في الظلال كما ..... قـــــال النــبي لعــرش الله قـرطين

تفــاحتي أحمــــد الهادي وقد جعــــــــــــلا ..... لفــــاطم وعـلي الطهـــــر نســــلين

2.     الملك الصالح:

هو النور نور الله والنور مشرق ..... عـــلينا ونـــور الله لـــــيس يزول

سمـا بين أملاك السماوات ذكره ..... نبـــــيه فمـــــا أن يعـــتريه خمول

3.     إبن مكي النيلي:

قـــــوم يســـــر وليـــــهم في بعـثه ..... ويعـــــض ظـــــالمهم على إبهامه

ونـــــرى ولـــــي وليـــــهم وكتابه ..... بـــــيمينه والنـــــور مـــــن قــدامه

4.     إبن العرندس:

سمـــــي رســـــول الله وارث عــلمه ..... إمـــــام عـــــلى آبائـــــه نـزل الذكـــر

هـــــم النــور نـور الله جل جلاله ..... هـم التين والزيتون والشفع والوتر

5.     حميد حلمي زادة:

نور تزوج نوره يا مرحبا ..... بزواج ابتهجت به الجنات

لولا علي لم يكن ندا لها ..... أحد ففاطمة البتول زكاة

وختاماً:

السلام عليك يا ابا النورين السلام عليك يا ابا الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ...

رزقنا الله في الدنيا زيارة أمير المؤمنين وفي الآخرة شفاعته .. والحمد لله رب العالمين

الهوامش:

(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.

(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.

(3). مقامات علوية الحلقة «٦» سيف الله المسلول لمحمد الرصافي المقداد التونسي المنشور على موقع مركز الأبحاث العقائدية.

(4). معجم المعاني تعريف وشرح معنى «ذو».

(5). معجم المعاني تعريف وشرح معنى «النورين».

(6). هذا النسب الظاهري وان كان هناك اقوال تطعن في نس ب بني أمية الى قريش ليس هنا محلها.

(7). الرياض النضرة في مناقب العشرة لمحب الدين الطبري ج3 ص6.

(8). غاية المرام للسيد هاشم البحراني ج7 ص66.

(9). بحار الأنوار ج35 ص69.

(10). خصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري ج1 ص244.

(11). جواهر المطالب في مناقب الإمام علي «ع» أبو البركات الباعوني ج1 ص209.

(12). الصواعق المحرقة لإبن حجر ص196.

 (13). عمدة القاري، شرح صحيح البخاري ج16 ص201.

(14). سنن البيهقي ج7 ص73.

(15). البدء والتاريخ ج5  ص16  وج4  ص139 .

(16). المواهب اللدنية ج1  ص196 .

(17). راجع: الإصابة ج4  ص304 ، الاستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص299، 282، وفي ص281 عن الزبير بن بكار: أن عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية كلهم ولدوا بعد الإسلام ، وكذا في البداية والنهاية ج2 ص294، ونسب قريش ص21.

(18). البدء والتاريخ ج5 ص17 ، تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص298.

(19). راجع: المواهب اللدنية ج1 ص197.

(20). سيرة المصطفى ص259 ، السيرة الحلبية ج2 ص53.

(21). نهج البلاغة ج2 ص85، أنساب الأشراف ج5 ص60، العقد الفريد ج3 ص376، الجمل ص100، الغدير ج9 ص74، تاريخ الطبري ج5 ص96، الكامل في التاريخ ج3 ص63 ، البداية والنهاية ج7 ص168.

(22). راجع هامش رقم 10.

(23). راجع هامش رقم 11.

(24). صحيح البخاري ج3 ص68.

(25). أُسد الغابة ج7 ص224، مجمع الزوائد ج8 ص42، ذخائر العقبى ص36.

(26). ذكر الشيخ المراجع التالية: الأستيعاب ج4 ص292 واسد الغابة ج5 ص467 ونهاية الأرب ج18 ص 211.

(27). ذكر الشيخ: يراجع في كل ما سلف تاريخ الطبري ج2 ص 467 - 468 وطبقات ابن سعد ج8 ص24 واسد الغابة 5 ص467 ونهاية الأرب ج18 ص211.

(28). القائل هو الشيخ محمد حسن آل ياسين والكلام مستمر له.

(29). يراجع نهاية ارب ج18 ص171.

(30). ذكر الشيخ: راجع الاستيعاب ج4 ص292 ونهاية الأرب ج18 ص 212.

(31). ذكر الشيخ: راجع طبقات ابن سعد ج8 ص24 و 25.

(32). ذكر الشيخ: راجع تاريخ الطبري ج2 ص330 331 و340 ونهاية الارب ج18 ص212 والاصابة ج4 ص297.

(33). القائل هو الشيخ محمد حسن آل ياسين ولا زال الكلام مستمر له.

(34). اصول الدين «النبوة» ص240 للشيخ محمد حسن آل ياسين.

(35). من اراد التفصيل عليه مراجعة كتاب «بنات النبي أم ربائبه»، وكتاب «القول الصائب في إثبات الربائب» وكلاهما للسيد جعفر مرتضى العاملي.

(36). «... عن سعيد بن المسيب، قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين، وبايع البيعتين، ولم يعبد صنماً ولا وثناً، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح، ولد على الفطرة، ولم يشرك بالله طرفة عين..»، الأمالي للمفيد ص235 ، بحار الأنوار ج32 ص350.

(37). إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة: الآية/247.

(38). التعجب لأبو الفتح الكراجكي ص101.

الموضوع السابق عندما يعي الشعب الفلسطيني أنّ حلّ قضيّته بيده

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat