إسرائيل تفاوض… فمن المنتصر؟!
محمد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثلاثةَ أهدافٍ حَدَّدَها الكيانُ الإسرائيليُّ تقفُ وراءَ حربِهِ ضدَّ لبنانَ: إعادةُ النازحينَ إلى مستوطناتِ الشمالِ المحاذيةِ لجنوبِ لبنانَ، القضاءُ على ترسانةِ حزبِ اللهِ الصاروخيَّةِ، والانسحابُ إلى جنوبِ الليطاني.
الهدفُ الأخيرُ لم يكنْ جديدًا؛ حيثُ تمَّ وقفُ إطلاقِ النارِ بينَ حزبِ اللهِ والكيانِ الإسرائيليِّ في الحربِ الثالثةِ (2006) بذاتِ الشرطِ الذي لم يتحقَّقْ!
وطالما لم يُحقِّقِ الكيانُ شرطَ انكفاءِ حزبِ اللهِ قبلَ ما يقربُ العقدينِ، فلن يتحقَّقَ اليومَ ما يَصبو له. وما طرحَهُ لا يتعدَّى حفظَ ماءِ الوجهِ.
كيف ذلك؟
إسرائيلُ تُدركُ أنّ الحزبَ لن ينكفئَ، بيدَ أنَّ الآلةَ الإعلاميَّةَ سوف تُصوِّرُها منتصرةً، ولن تنجحَ. فالهدفُ الأوَّلُ (إعادةُ سكانِ المستوطناتِ) لم يتحقَّقْ أيضًا، وبهذا تكونُ الأهدافُ التي رسمَها الكيانُ الإسرائيليُّ قد فشلَ ثُلثاها!
الثُّلثُ الأخيرُ، وهوَ الهدفُ الثالثُ، القاضي برجوعِ المقاومةِ إلى جنوبِ “الليطاني”، يبدو مُمكناً، بيدَ أنّ ثمَّةَ معطياتٍ تدحضُ جدوى هذا الهدفِ. فالغايةُ من إفراغِ منطقةِ شمالِ النهرِ هي تأمينُ مستوطناتِ الشمالِ من ضرباتِ حزبِ اللهِ، الذي وصلتْ صواريخُهُ ومُسيَّراتُهُ إلى “تلِّ أبيبَ”. وبالتالي، لن تكونَ تلكَ المستوطناتُ في أمانٍ، فالصواريخُ تصلُ إلى أيَّةِ نقطةٍ يُريدُها الحزبُ. وما تمسُّكُ الكيانِ بهذا الخيارِ سوى بحثٍ عن نصرٍ للاستهلاكِ الداخليِّ.
الداخلُ الإسرائيليُّ يعيشُ أزماتٍ كبيرةً، ففَضلاً عن الرُّكودِ الاقتصاديِّ الذي تسبَّبَتْ به أجواءُ الحربِ، فقد ذكرتْ دراسةٌ لمعهدِ “أهارون” أنّ خسائرَ إسرائيلَ الناتجةَ عن الحربِ ضدَّ لبنانَ سوف تتجاوزُ ١١١ مليار دولارٍ مع نهايةِ العامِ ٢٠٢٤، فيما بلغتْ نسبةُ العجزِ 6.8% لتصلَ نسبةُ الدينِ إلى 71.6% مع نهايةِ العامِ الحاليِّ.
وعلى مستوى الأمنِ الداخليِّ، تعوَّدَتْ عاصمةُ الكيانِ - ولأوَّلِ مرَّةٍ في تاريخِها - على أصواتِ الصواريخِ والمُسيَّراتِ، الأمرُ الذي يُثبِتُ فشلَ الهدفِ الأوَّلِ من الحربِ، وهو “تجريدُ حزبِ اللهِ من السلاحِ”.
قبلَ الإعلانِ عن الموافقةِ بساعاتٍ، وصلَتْ مئاتُ الصواريخِ إلى “تلِّ أبيبَ” قادمةً من لبنانَ. ولهذا معنىً واضحٌ: حكومةُ نتنياهو وافقَتْ على وقفِ إطلاقِ النارِ مُجبرةً، وتحتَ ضغطِ السلاحِ وضغطِ الرأيِ العامِّ الداخليِّ، الذي ظهرتْ منه مواقفُ كثيرةٌ تُطالبُ بالخروجِ من “ورطةِ الحربِ”. فقد ظهرتْ أمَّهاتُ الجنودِ القتلى في تظاهرةٍ بإحدى المقابرِ طالبْنَ خلالها بإنهاءِ الحربِ. كما كذَّبَ جَدُّ أحدِ الجنودِ الذين قُتلوا، مع المؤرِّخِ “يوآف يروم”، روايةَ الجيشِ الإسرائيليِّ، الأمرُ الذي دفعَ رئيسَ أركانِ فرقةِ “غولاني” إلى طلبِ الاستقالةِ.
وهنا باتَ واضحاً أنّ الأهدافَ الموضوعةَ لهذه الحربِ قد فشِلَتْ: فلا سكانُ المستوطناتِ عادوا، وسلاحُ الحزبِ يَدُكُّ كلَّ مناطقِ الكيانِ، بالإضافةِ إلى حجمِ الخسائرِ الماليَّةِ التي فرضَتْها الحربُ على إسرائيلَ.
ومَن يفشلُ في تحقيقِ أهدافِه، لن تُعوِّضَهُ خسائرُ عدوِّه مهما كانتْ باهِظةً، فالمقاومُ قرَّرَ سَلَفاً أن يكونَ شهيدًا. وقد حقَّقتِ المقاومةُ الحُسنَيَينِ: الشهادةَ والرَّدْعَ، فانتصرَتْ.
ثَمَّةَ حقيقةٌ كشفتْها مفاوضاتُ وقفِ إطلاقِ النارِ؛ فالكيانُ الإسرائيليُّ اعترفَ ضِمنًا بحزبِ اللهِ كندٍّ قادرٍ على صياغةِ معادلاتِ الرَّدْعِ وفقَ أجندتِهِ، وهو ما يُنهي فكرةَ “الشرقِ الأوسطِ الجديدِ” والتفرُّدَ بتحديدِ مستقبلِ المنطقةِ!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat