القدر والحرية.. العراق بين زمنين!
محمد الحسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحسن

ولدت الدولة العراقية مقسّمة، وصنّفت العراقيين إلى أصناف ومراتب وفق الانتماءات الطائفية والقومية، فضلا عن التصنيف الاجتماعي.
ورثت الجمهورية الاولى هذه الهوية للدولة، حاولت في البداية تغييرها، غير أنّ الظروف لم تسعفها وطبيعة الصراعات التي جلبتها، جعلت الملكية افضل حسب وجهة نظر كثير من الشرائح، فوجود المد الاحمر وسيطرته على جمهورية قاسم، هدّد الهوية الاجتماعية. الملكية همشت بعض المكونات، ولم تحاول تغيير الثقافات بعكس الجمهورية الاولى.
الجمهورية التالية فتحت عهد الاستبداد، وصولا إلى لحظة تمكّن صدام حسين من السلطة. عندها بدأت عملية اختزال الدولة في حزب، ثم اختزال الحزب والدولة في منطقة صغيرة وعائلة ورجل واحد!
هذه الفكرة في الحكم، تعود إلى العصور الوسطى: الحاكم يمثل الحق المطلق وظل الله في الارض، وفي حالة "صدام" طورت الفكرة وصار "منافسا" لله في الارض.. يتضح هذا من تسميته بمئة اسم والترويج لقدراته الخارقة، بما فيها وهب الحياة او سلبها.
كل ذلك كان بحاجة إلى زرع ثقافة القدر في رؤوس العراقيين، بمعنى أنّ العراقي قدره أنّ يحارب، يجوع، يتحمل الظلم، يعيش الذل والفقر، ولا يفكر بحرّية او يطمح بموقع او مشاركة في القرار. فكل ذلك من حق شخص واحد هو الذي يهب الحرية ويقرر من يطمح او يشارك. وعندما يعتقد الجمهور أنّ هذا هو قدره، يسكت ويقبل ولا يعترض، فالقدر لا يمكن تغييره وهو مفروض من الله، وفق معتقداته!
بعد إنتفاضة ١٩٩١ تغيّر الوضع كثيراً، وقد كُسرت شخصية "البطل الاستثنائي" المحاطة برأس النظام البعثي في العراق، لذا أسّس لحملة "إيمانية" هو قائدها ودعم العشائرية، وارد ان يحاكي ضمير الشعب عبر شخصية جديدة هي شخصية القائد الديني والزعيم القبلي. هذه الفكرة ايضا تجعله قدرا اوحدا للعراقيين.
جائت لحظة التغيير، وتأسست دولة جديدة مختلفة جذريا عن العراق الحديث المولود عام ١٩٢١. دولة لا مجال في للاستئثار الشخصي او المناطقي او القومي او الطائفي، الجميع يشارك وكل حسب نسبته. مع تطور التجربة الجديدة، إزدادت مساحة الحرية، فالمكون الذي كانت تمثله ثلاثة قوى سياسية، صار تساهم في مصدر قراره اكثر من ذلك بضعف، ثم توسع الموضوع اكثر بعد أن صعدت شخصيات بسيطة لتنافس اكبر الاحزاب. وهذا يعكس النظرية الجديدة التي يرتكز عليها النظام العراقي وهي الحرية التي تتقاطع مع نظرية "القدر" المعتمدة في الأنظمة السابقة.
مرتكز النظام العراقي الحالي، هو الحرية والقانون، وهذه تفتح آفاق تطور وقوة كبيرة للدولة، فوجود السياسي (اللا مقدس) يحفّز المشاركة الشعبية وصعود شخصيات جديدة، وهذا نقيض حالة التكلس "القدرية" التي كانت تعيشها الدولة العراقية في العهد السابق.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat