صفحة الكاتب : لطيف القصاب

ثقافة العمل خطط وسياسات أم طقوس وخيالات
لطيف القصاب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يعرّف موقع ...الشهير ثقافة العمل بوصفها "مجموعة من المواقف، والمعتقدات، والسلوكيّات التي تشكّل الجو المعتاد في بيئة العمل". 

ومن أجل تفكيك التعريف آنف الذكر لابدّ من شرح أبرز ما فيه من كلمات مفتاحية، وفي مقدمتها الكشف عن معنى كلمة الموقف، إذ إن معرفته تُفضي إلى تكوين صورة ذهنية شاملة عن المعنى الإجمالي الذي يرتكز عليه التعريف، والموقف ببساطة مكثّفة هو طريقة الاستجابة المنبعثة من لدن المستجيب في التعامل مع الأشياء والأشخاص، وذلك بناءً على ما يضمره من معتقدات، وما يتبنّاه من سلوكيّات. 

بمعنى آخر فإن الموقف إما أن يحمل الشخص على تأييد قضية ما أو معارضتها، أو الوقوف (بين بين)، وبقدر ما يتعلق الأمر بثقافة العمل فإن الشعوب والمجتمعات تتباين من حيث الموقع الذي تحتلّه ثقافة العمل في سلّم أولوياتها،.

كلّما كانت ثقافة العمل ذات منزلة متقدمة في المجتمع ازداد أفراده تطورًا وإبداعًا، وقد شاع النموذج الياباني بوصفه النموذج المثالي لثقافة العمل في عصرنا الحاضر، وبصرف النظر عن مدى جدارة هذا النموذج فإن البلدان الناهضة تسعى جاهدة في بث روح العمل في نفوس أبنائها.

وتحقيقا لهذا الغرض فإنها تبذل كل ما أوتيت من قوة وقدرة في سبيل تصميم (أتكيت عمل) يضمن لمواطنيها مواصلة السير الحثيث في مضامير التحضّر، والتفوّق، ولا يكتفي الساعون لتصميم أتكيت العمل هذا بالطرح النظري بل يدعمونه ببرامج عملية ناجحة تجعل منه واقعا معاشا بالفعل داخل بيئات العمل على اختلاف أنواعها واشكالها. 

ومن الآليات المتبعة في هذا الصدد ما يمكن تسميتها بسياسات مكافحة التوتر؛ ذلك أن التوتر هو الآفة الرئيسية المسؤولة عن قتل الرغبة في العمل والإنتاج، وأن القلق الوظيفي الذي يعاني منه آلاف أو ملايين الموظفين في بيئات العمل الملوثة بهذا الوباء القاتل يمثّل بؤرة خطر داهمة تهدد الفرد أولا، ومن ثم المجتمع بأسره؛ ولهذا فإنك ستجد كل مستلزمات العيش الرغيد بما يتضمنه من خدمات اقتصادية واجتماعية حاضرة في برامج حكومات تلك الدول التي تستبدل الإثارة والحماسة بالقلق والتوتر بغية نشر السعادة والهناء بين مواطنيها فالجسم الإنساني بحسب علماء النفس والاعصاب لا يفرّق بين القلق والتوتر، وبين الإثارة والحماس! 

وعلى العكس من هذا الاتجاه تسير الدول المتهرئة معرفيا، وعلميا، فهي (تثابر) على إرهاق مواطنيها بطرق شتى، وتمارس دور مَن يفاقم الأزمات، والعقبات بدلا من صناعة الحلول، والمعالجات، ومن ثم فإن التعثّر في مجال إحراز معدلات جيّدة في العمل والإنجاز هو السمة البارزة في هذه الدول التي يبدو أنّه يُسعدها ويؤنسها رؤية المواطن فيها غاطسًا حتى أذنيه في بركة الهموم والغموم...

وبعيدا عن مسؤوليات الدولة تجاه خلق بيئة صحيّة للعمل فإن ثمة مسؤوليات أخرى تتعلق بالفرد نفسه هذه المرّة؛ إذ إنّ تردّي نتائج العمل والإنجاز على المستوى الخاص مردّه إلى بعض الاعتقادات الخاطئة التي من شأنها انتاج سلوكيات خاطئة، من ذلك مثلا ربط العمل بالحالة المزاجيّة للفرد العامل؛ فتحت هذه الذريعة التي لا تعدو عن كونها مجرد خرافة موهومة تُهدر أوقات ثمينة من حياة الإنسان عبثا، وهو ينتظر العوامل التي يُخيّل له أنّها سوف ترفده بمزاج (مُلهم). 

ومن الإنصاف القول إن شيئا من الفكرة السابقة يمكن أن يكون ذا مصداقية لدى بعض العاملين في قطاعي الأدب والفن المرتبطين بعوامل مزاجية إلى حد ما، لكن تعميم ذلك التصوّر على سائر الأعمال ينطوي على خسائر فادحة على صعيد الفرد والمجتمع، ويؤدي في نهاية المطاف إلى استفحال ظواهر الكسل، والتسويف الهدّام، واللجوء إلى مناطق الراحة هروبا من تحمّل المسؤولية. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


لطيف القصاب
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/01/19



كتابة تعليق لموضوع : ثقافة العمل خطط وسياسات أم طقوس وخيالات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net