الصفحة الرئيسية
أخبار وتقارير
المقالات
ثقافات
قضية رأي عام
اصدارات 
المرئيات (فيديو)
أخبار العتبات
أرسل مقالك للنشر


صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

إفطار الصائم المسافر في العصر الحديث.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يعلم الله تعالى شؤون خلقه ما يُناسبهم وما لا يُناسبهم إلى يوم زوال الدنيا ومن عليها فإن لم يعلم ذلك فهو ليس بخالق. وفي ذلك نزلت تشريعات على أيدي الأنبياء لتنظيم حياة الناس فتشدد في بعض الأحكام، ورخص في بعضها الآخر ضمن قاعدة (يُريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).(1) ومن ذلك تقصير الصلاة والإفطار في السفر وهو مدار بحثنا.
قال تعالى: (كتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات، فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر... فمن شهد منكم الشهر فليصمهُ ومن كان مريضا أو على سفر فعدةٌ من أيام أخر، يُريد الله بكمُ اليسر ولا يُريد بكم العسر ولتُكملوا العدة).(2) تشدد في هذا الرخصة فذكر الإفطار في المرض والسفر مرتين، ولكنه تعالى طلب إكمال العدة بعد الرجوع من السفر أو الشفاء من المرض، وذلك لقوله: (ولتُكملوا العدة). وإكمال العدة يحصل بقضاء الأيام التي أفطر فيها من وجب عليه الصوم ليأتي بعدة أيام شهر رمضان كاملة. وقد ورد في الأحاديث التشدد في هذه الرخصة وعدم السماح للمريض او المسافر أن يتم صيامه ، وإذا فعل ذلك فعليه القضاء وكأنه لم يصم.
في الخصال عن رسول الله (ص) قال: (إن الله تبارك وتعالى أهدى إليّ وإلى أمتي هدية لم يهدها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الإفطار في السفر، والتقصير في الصلاة، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على الله عز وجل هديته).(3)
وعن الإمام علي بن الحسين (ع) قال : (وأما صوم السفر والمرض فإن العامة قد اختلفت في ذلك، فقال قوم يصوم، وقال آخرون : لا يصوم. وقال قوم : إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأما نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعا، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء).(4)
الصيام في السفر فيه مشقة إن كان على الدابة أو على الطائرة أو أي وسيلة أخرى. ومشقته تأتي من عدم استقرار الحالة النفسية للمسافر إضافة إلى غربته ووحدته وعدم راحته في تناول الإفطار في المطاعم ،لطعام لا يعلم كيف تم إعداده ناهيك عن حاجة المسافر إلى الراحة بعد الإفطار كالاسترخاء ، وهذا مما لا يتوفر في السفر. فالإفطار في السفر ليس كالإفطار في البيت بين أهله وناسه وتوفر كل وسائل الراحة. ناهيك عن عباداته ودعائه وصلاته التي يخلع لها بعض ملابسه ثم العثور على مكان طاهر والبحث عن القبلة وما شابه، لأجل كل ذلك رخص الله تعالى للمسافر ان يقصر صلاته ويفطر. وكما قلنا فلا فرق بين السفر على الدابة أو في الطائرة، لأن الله يعلم ما في نفس الإنسان من ضعف ولذلك خفف عنه بعض الأحكام: (الآنَ خفف الله عنكُم وعلِمَ أن فيكم ضعفا).(5)
يكفر من يقول أن الله لا يعلم ما سوف يتم اختراعه وصناعته في المستقبل. ونجد في أحد الآيات إشارة إلى ذلك. يقول تعالى : (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون، وعلى الله قصدُ السبيل ومنها جائر).(6) فقوله تعالى : وعلى الله قصد السبيل. هو استعانة الطريق؛ يُقال: طريق قاصد أي يودي إلى المطلوب وبلوغ الغاية، وقد بيّن النبي (ص) الحد الشرعي للمسافر الذي يوجب عليه الإفطار والتقصير في الصلاة. وقد علم الله تعالى بقابلية عقل الإنسان وسعيه إلى البحث والاكتشاف وجهّزه بالوسائل التي تساعده على البحث والاستقصاء للوصول إلى غاياته فقد جهز الله تعالى الإنسان بالقوى والأدوات لو استعملها كما نظمت نهضت به إلى سعادته وكماله المطلوب.
وأما قوله تعالى: (ويخلق ما لا تعملون). أي يخلق ما نعلم وما لا نعلم، وما كان. ولو تأملنا في هذا النص لوجدناه يخبر العرب في زمن النزول بأن الزمن كفيل بأن يوفر أدوات لا تعرفونها في زمانكم هذا فلم تكن قط في زمن نزول القرآن ما نراه من تطور وسائل السفر مثل الطائرات والسيارات والبواخر المريحة، وما يجري في عصر الفضاء. وسيأتي زمان يرى فيه الإنسان ما لا نعلمه نحن. ولذلك فإن هذا النص (ويخلق ما لا تعلمون) يُفهم منه الإشارة إلى ما تم صناعته في هذه الأزمنة وما سوف يتم صناعته في قادم الأيام. ولذلك لم يذكرها الله تعالى في قرآنه بل ذكر ما يعرفه العباد، لأن الله تعالى لو ذكر الطائرة والصاروخ والسيارة في ذلك الزمان لم يعرفوه ولم يفهموا المراد منه فذكر تعالى أصلا جامعا، يدخل فيه ما يعلمون وما لا يعلمون فذكر لهم ما يعرفونه من أنواع المراكب كالخيل والبغال والحمير والإبل والسفن، وأجمل الباقي في قوله : (ويخلقُ ما لا تعلمون). هذا الذي لا يعلموه ستكون بواسطة أيدي بعض العباد من خلقه الذين خلقهم وأعطاهم العقول والذكاء ليدركوا هذه الأمور ، وبعض هذه الصناعات عن طريق الإلهام الذي توحيه الطبيعة من حوله. فلا يستطيع الإنسان أن يرفض استخدام هذه الوسائل الحديثة تحت ذريعة أن القرآن لم يأت على ذكرها، فلا داع للجمود والتحجر لأن القرآن يهيئ القلوب والأذهان لاستقبال أشياء جديدة تنفعهُ في تيسير شؤون حياته ، ويتضح من قوله تعالى في سياق الآية (ومنها جائر). فهو اسم فاعل من جأرَ، يجأر: جائر، وهو الضجيج المرتفع وهو ما نراه اليوم في أصوات الطائرات والسيارات ومحركاتها وغيرها. فهذه الآية جمعت بين الماضي والحاضر في المواصلات ، ففي قوله (ويخلق ما لا تعلمون) فإن ابن كثير والطبري في زمنهم يقولون : الله أعلم بمرادها . ولكن حديثا عند سيد قطب والطباطبائي والسعدي في تفسيره يقولون: هي السيارة والباخرة والطائرة ونحوها. فلا يجتهد الإنسان لنفسه فيتم صلاته في السفر ، وعدم الإفطار متذرع بأن السفر في هذا الزمان لا مشقة فيه، لأنهُ لو فعل ذلك فإنه يرتكب محرما ويكون بذلك عاصيا لرخصة رحمه الله بها. وقد اتفق السنة والشيعة على أن الصائم في السفر عاص لربه كما ورد في الحديث عن أبي جعفر (ع) قال : (سمّى رسول الله (ص) قوما صاموا حين أفطر وقصّر : عصاة، وقال هم العصاة إلى يوم القيامة).(7) وروى أهل السنة مثله كما ينقل مسلم في صحيحه عن جابر قال : (أن رسول الله (ص) خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب. فقيل له بعد ذلك: إنّ بعض الناس قد صام. فقال : أولئك العصاة، أولئك العصاة).( 8 ) وقد ورد في حديث واضح قول النبي (ص) : (صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر).(9)
فلا يصح لأي كائن ان يفتي بغير علم ولا كتاب مبين. فإن الشيطان لا يأمرك بالكفر مباشرة بل يدفعك إلى الشك في صغائر الأمور فيوسوس لك القول : (لماذا أصوم في السفر والسفر مريح في الطائرة).وهكذا يدخل لك من هذه الأبواب إلى أن يدفعك إلى الشك في دينك ثم الكفر.
المصادر:
1- البقرة : 185.
2- سورة البقرة 182 ـ 184.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج83 ص : 322.
4- وسائل الشيعة الباب الأول من أبواب من يصح منه الصوم حديث رقم 2.
5- الأنفال آية : 65.
6- سورة الأنعام : 8.
7- وسائل الشيعة الباب الأول، باب من يصح منه الصوم حديث رقم : 2.
8- صحيح مسلم ج7 ص : 232.
9- سنن ابن ماجة ج1 ص : 532.حديث رقم : 1666.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/26



كتابة تعليق لموضوع : إفطار الصائم المسافر في العصر الحديث.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
أدخل كود التحقق : 5 + 6 =  



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net