صفحة الكاتب : عزيز الفتلاوي

المأتم الحسيني واثره بالنهضة الحسينية .. 2
عزيز الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 حاول البعض ممن يكتبون في ترهات الزاملي النيل بكل صورة من الشعائر الحسينية كما حاول قبلهم ممن ينتمون الى الخط الاموي التكفيري او ممن ينتمون الى ما يسمى العلمانيين في الوقت الحاضر ، فحاولوا هؤلاء مجتمعين بكل ما امتلكوا من اساحة و اموال ان ينالوا من هذه الشعائر التي تقام  في مواسم عاشوراء ذكرى معركة الطف الخالدة  والتي تسمى ( طقوس التعزية والتشابيه ) ومن تقولاتهم أنها تعود الى الاغريق والهند وايران أو انها ذات اصول مجوسية بينما هنالك دلائل كثيرة على انها قديمة قدم التشيع العراقي أي منذ شهادة الامام الحسين عليه السلام . واول من اقام المأتم الحسيني هو الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله وسلم حيث احصى العلامة النائيني في كتابه سيرتنا وسنتنا مايقارب العشرين مجلسا اقامها الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله وسلم فلم يرى مبتسما الى ان استشهد . 

وفي كربلاء بدات الممارسات في حركة التوابين الذين خرجوا الى شوارع الكوفة بعد شيوع خبر استشهاد الامام الحسين عليه السلام هو وصحبه في معركة الطف فما كان منهم الا انهم بدؤا يندبون ويبكون على الشهداء فكان شعارهم ( يا لثارات الحسين ) وثورتهم على الطغيان الاموري خير دليل على ذلك . 
فكان الشيعة يجتمعون في بيت من بيوت احد الائمة عليهم السلام لاقامة العزاء الحسيني أو في بيت احد من انصارهم يتبارى الخطباء والشعراء على اقامة الماتم الحسيني واستذكار يومه الدامي حيث ينشد احد الشعراء قصيدة في رثاء الحسين(ع) وتقديم عزاء لاهل البيت(ع)  
أما الشعر فتشير الروايات الى أن أول من رثى الحسين من الشعراء سليمان بن قته العدوي ثم توالت مسيرة القرائح الباكية المبكية على سيد الشهداء بشر بن حذلم, عبد الله بن الحر, السيد اسماعيل الحميري, الكميت بن زيد الاسدي, الامام الشافعي, دعبل الخزاعي , ديك الجن, وابو فراس الحمداني, الشريف المرتضى, أبو علاء المعري, الشريف الرضي, واسماء كثيرة لا يمكن حصرها من أعلام الشعر العربي سكبت قصائدها دموعاً على سيد الشهداء(ع) 
لقد مر المأتم الحسيني بمنعطفات على امتداد تاريخها وتعرضت للمضايقات من الحكام والسياسات المتبعة ، فكانت تمارس اقسى انواع التعذيب والقمع والاضطهاد والمضايقة ضد مقيمي هذه المآتم مما اضطر موالي آل البيت لاقامتها بخفية خوفا من نقمة السلطة الجائرة المتمثلة بالحكم الأموي والعباسي وكانت حقبة المتوكل العباسي اقسى فتره مرت بها الشعائر الحسينية حيث امر بهدم قبر الحسين ( ع ) وقطع ايدي زواره وارجلهم ورؤوسهم . 
الا أن استطاع الشيعة أن يعبروا ولأول مرة عن مأساة كربلاء وحزنهم العميق على استشهاد ابن بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم عندما وصل البويهيين الى دفة الحكم ، فسمح لهم بأقامة المأتم الحسيني في بغداد والسير الى كربلاء وتوزيع الماء والاطعمة على زوار قبر الحسين ( ع )  فالتقوا مع اهالي كربلاء في العاشر من محرم سنة 353 هـ ايام معز الدولة  البويهي الذي كان اول من جعل مراسيم العزاء الحسيني واقامة المآتم عادة تتبع سنويا في بغداد . 
 وما ان جاء السلاجقة حتى اعلنوا الحرب على هذه الشعائر وصار الشيعة يتخذون احتياطاتهم لاقامة العزاء الحسيني غير ان الوضع تغير عند مجيء الصفويين الى السلطة اذ اعطوا للشيعة مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم ولكن ما ان جاء العثمانيون واستلموا مقاليد الحكم حتى اصدروا أوامرهم بمنع اقامة العزاء الحسيني فاضطر الشيعة الى اقامة المأتم الحسيني في البيوت بصورة سرية بالرغم من المنع الذي فرضته السلطات العثمانية والعقاب الشديد الذي يواجهونه جراء اقامتهم لهذا العزاء.
وحينما غزا الوهابيون مدينة كربلاء ذلك الغزو البربري الوحشي عام 1802م واستباحوها قتلا ونهباً وتدميراً واحرقوا المرقد المقدس بعد ان سرقوا كل ما فيه من كنوز ونفائس وقتلوا كل من وجدوه فيه حتى وصل عدد القتلى الى اكثر من خمسمائة شخص فزاد ذلك الحادث الاليم الذي اعاد مأساة كربلاء عليهم مرة ثانية من حزنهم وغضبهم وتمسكهم بالشعائر الحسينية فافرغوا فيها ما اعتمل في صدورهم من غضب في خطبهم وقصائدهم ومراثيهم التي امتزجت بشعائر العزاء الحسيني فألهبت حماس الاهالي في الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم وما ان أعاد الوهابيون الكرة عام 1807م حتى تصدى لها اهالي كربلاء وطردوهم بعد ان تحصنوا تحصيناً منيعاً ردوا بها الهجمات الوهابيين واستبسلوا في الدفاع عن ارضهم المقدسة.
فكان الوالي العثماني على العراق داود باشا والذي حكم من (1817-1831) من اشد الولاة تضييقاً على الشيعة وقد شدد من منعه اقامة العزاء الحسيني وقد اضطر الشيعة انذاك الى اقامة مجالس التعزية في السراديب بعيداً عن العيون والاسماع وقد عرف في ذلك الوقت الشاعر الخطيب محمد نصار النجفي الذي نظم الكثير من قصائد الندب والرثاء التي القاها وأنشدها بنفسه في المجالس الحسينية وقد بقيت قصائده التي كتبها بالفصحى والعامية تتداول في مجالس العزاء الحسيني من قبل القراء والخطباء وبعد الاطاحة بالمماليك وسقوط داود باشا تم تعيين علي رضا واليا على العراق وكان هذا الوالي يميل الى التشيع ويحب الامام علي(ع) وولده فسمح باقامة مجالس العزاء الحسيني الذي اخذ بالنمو والتطور تدريجاً حيث كان هذا الوالي يحضر بنفسه مجالس التعزية التي تقام في البيوت وبشكل علني مما اعطى دفعاً قوياً لتطورها وانتشارها ثم امتدت اقامة المجالس الحسينية بعد ذلك الى المساجد والمدارس الدينية واضرحة والأئمة(ع).
وفي ذلك الوقت نشأت مواكب المسيرات الشعبية (اللطم) وكان اول موكب هو للشيخ محمد باقر اسد الله المتوفي سنة 1840 في الكاظمية اما في كربلاء فان أول موكب للطم  كان بأشراف آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي ، وبقيت الشعائر الحسينية تمارس بعد حكم الوالي علي رضا اذ كان الولاة بعده على خطه حتى جاء مدحت باشا الذي حاول منع هذه الشعائر ولكن محاولته باءت بالفشل وقد ترسخت هذه الشعائر واخذت طابعاً جماهيرياً وخاصة في المدن المقدسة (النجف الاشرف وكربلاء والكاظمية) فإلى جانب مجالس التعزية اقيمت مواكب اللطم وضرب الزنجيل والتطبير والتشبيه أي التمثيل واقعة الطف ومقتل الإمام الحسين(ع).
وفي عام 1876م بنيت أول حسينية في الكاظمية هي حسينية الحيدرية وفي كربلاء تم بناء أول حسينية عام 1906 ثم تعددت الحسينيات في المدن المقدسة واستمرت مواكب العزاءالحسينية خلال الاحتلال الانكليزي للعراق وبعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921 اعلنت الحكومة العراقية يوم عاشوراء عطلة رسمية في عموم العراق لاول مرة وسمحت باقامة مجالس العزاء والشعائر الباقية ولكن مع بداية كل محرم كانت الانفعالات تشتد مع اشتداد مراسيم العزاء الحسيني الذي يتحول الى تظاهرة ضد الظلم فكانت السلطات بدورها تحاول السيطرة على مواكب العزاء ومنع البعض منها واتخاذ اجراءات صارمة ضد خطباء المجالس الحسينية الذين يرفعون اصواتهم منددين بالظلم.
وفي عام 1928 حاولت السلطات منع الشعائر الحسينية لكن الجماهير التي تعودت حناجرها على الهتاف يا حسين كسرت طوق المنع وخرجت الجماهير والمواكب لتؤكد ان ثورة الحسين لم تكن مجرد معركة بين فئتين في انعزال عن المجتمع بل انها كانت تمثل رفضاً قاطعاً وتحدياً لكل انواع الظلم والاستبداد وموقفاً ثورياً اعاد الى الانسان كرامته المهدورة فكانت هذه الشعائر تزيد مبادئ الثورة رسوخاً في الواقع الاجتماعي والسياسي.
وبعد سلسلة من المحاولات اليائسة في العهد الملكي للتضييق على الشعائر الحسينية عادت مواكب العزاء عام 1958 .
وفي عام 1968 اظهرت السلطات تسامحاً تجاه العزاء الحسيني في محاولة لاستمالة الجماهير واحتواء مشاعرهم لكنهم بعدها بدؤا يضيقون الخناق تدريجيا في محاولات دنيئة لطمس الشعائر الحسينية وتقيد حركتها ومراقبتها وتحديد مدة اللطم في المواكب وكذلك تحديد مكبرات الصوت التي تنصب في الحسينيات ومواكب للعزاء كما كانت هناك محاولات لتمرير شعاراتهم البغيضة من خلال الشعائر الحسينية.
وفي عام 1975 منعت السلطات البعثية جميع المواكب الحسينية من القيام بشعائرها ليلة العاشر من محرم غير ان المواكب في النجف الاشرف ضربت القرار البعثي عرض الحائط وخرجت بعد منتصف الليل الى الصحن الحيدري الشريف لاداء مراسيم العزاء فحصلت مواجهات مع السلطة تم خلالها اعتقال عدد من الاشخاص وفي العشرين من صفر من العام التالي قامت السلطة البعثية بمنع مسيرة السير على الاقدام من النجف الاشرف الى كربلاء المقدسة لزيارة الاربعين غير ان الجماهير تحدت السلطة فخرج الالاف وواصلوا مسيرتهم الى كربلاء وهي تهتف يا حسين يا حسين وتكرر المنع في العام التالي ولكن الجماهير ابت الا ان تقيم هذه الشعيرة المقدسة فخرجت تظاهرة عارمة من مدينة النجف الاشرف وهي تهتف لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين, وقد احيطت هذه التظاهرة بالجنود والدبابات وافراد من الجيش الشعبي وعندما وصلت الى منطقة خان النص على طريق كربلاء اصدمت بمجموعة من الجنود التي حاولت ان تمنع التظاهرة من مواصلة مسيرتها وقد سقط عدد من القتلى والجرحى وتم اعتقال مئات من الاشخاص وصدرت بحق عدد كبير منهم بالاعدام كما تم قتل بعض المعتقلين تحت التعذيب.
وبالرغم من الاصدامات الدموية تلك فقد نزلت مواكب النجف الاشرف مرة اخرى الى صحن الامام الحسين في كربلاء وقامت بمراسيم العزاء وفي السنوات التالية اتخذت السلطة البعثية اجراءات صارمة وقمعية مشددة لمنع المواكب والضغط عليها وتقييد وحريتها في الحركة حتى تم منع جميع انواع الشعائر التي تقام عادة في شهر محرم وصفر في كل عام سنة 1980 وبدأت السلطة باعتقال عدد كبير من مقيمي المواكب والخطباء والشعراء والرواديد واعدام الكثير منهم كما قامت باغلاق الحسينيات والمدارس الدينية.
واخيراً انتهت هذه الفترة المظلمة التي كانت اشد فترة عاشتها الشعائر الحسينية على امتداد التاريخها عام 2003 بسقوط الصنم فعادت الحناجر العاشقة والقلوب الوالهة التي عشقت الحسين(ع) ومن جميع الجنسيات تهتف باسمه لتؤكد للتاريخ ان هذه الشعائر التي استمدت من ثورة سيد الشهداء(ع) ديمومتها واستمراريتها لن تموت ابداً ما دام فيها ذكره(ع) وسيتوارثها الموالون جيلاً يعد جيل. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/11



كتابة تعليق لموضوع : المأتم الحسيني واثره بالنهضة الحسينية .. 2
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : حاج فلاح العلي ، في 2021/04/04 .

السلام عليكم ... موضوع جميل ومهم واشكر الأخ الكاتب، إلا أنه يفتقر إلى المصادر !!! فليت الأخ الكاتب يضمن بحثه بمصادر المعلومات وإلا لا يمكن الاعتماد على الروايات المرسلة دون مصدر. وشكراً


• (2) - كتب : علي حسين النجفي من : العراق ، بعنوان : جزاك الله خيرا في 2011/01/11 .

بقدر ما استهجنت مقالا لاحد السفهاء نشره الزاملي في ترهاته بتاريخ 11\1\2011 تحت عنوان((السيستاني .. قلبه مع ايران وجيبه مع العراق

كتابات - سفيان الخزرجي)) اسعدني مقال الاخ العزيز الفتلاوي فقد جاء بمراجعة تاريخية وافية لمسيرة الماتم الحسيني تستحق الثناء والشكر, فجزاك الله خيرا يا اخي ورزقك شفاعة الحسين(ع).






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net