العراق والوضع الإقليمي الجديد
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نادراً ما تنعزل دولة ما عن تقلبات السياسة العالمية والاقليمية المجاورة خاصة بعد ثورة الاتصالاتفرياح تونس تهب بنسماتها على دمشق وتصريح كيري في واشنطن تسمع صداه في بكين وطهران بعد لحظات واذا ما أضفنا ارتباط السياسة بالاقتصاد وتشابك المصالح والاستقطاب الدولي الاحادي نسبياً سيتعزز تداخل سياسات الدول مع بعضها ، ولا يغيب عن المراقب حجم التغيرات السياسية في المحيط الاقليمي حول العراق وأبرز القضايا المحورية التي حدث فيها التحول مؤخراً هي الملف السوري والملف النووي الايراني ففي الملف السوري تتجه الاحداث بعد تخلي النظام هناك عن مشروعه الرادع لاسرائيل (السلاح الكيمياوي ) الى الحل السلمي للنزاع أو على الأقل تأجيل الضربة العسكرية لسوريا والتي كانت وشيكة ويعني ذلك تعزيز الموقف العراقي الرسمي من الازمة السورية وهو الحياد بين المعارضة والنظام ورفض وادانة الحلول العسكرية وهو موقف يمكن الانطلاق منه وبقوة لتعزيز العلاقات التركية العراقية والعلاقات الخليجية العراقية دون حرج او تكلفة باعتبار ان العراق لم يكن نداً لهذه الدول في الازمة بل اتخذ موقفا وسطاً منها على اساس وسطيته بين المعارضة والنظام واذا كان من عقدة مستعصيةٍ على الحل فهي العقدة السعودية التي شكلت ومن أول يوم بعد التغيير في العراق عام 2003 عقبة كؤود امام تحسين العلاقات بين العراق وبينها بل وسَعَت -اعني السعودية - الى التاثير على مجمل العلاقات العراقية مع الوسط الاقليمي والدولي ، وعقدة السعودية من النظام في العراق تكمن في البعد الطائفي فهي تعتبر النظام الحالي في العراق مصدر ازعاج لها لسببين الاول : التاثير السياسي الذي يمارسه قادة الفكر الديني الوهابي على السياسة السعودية وتضليل هذه الطبقة للعائلة المالكة بان ما يجري في العراق هو سيطرة طائفة الشيعة على الطائفة السنية وتهميشها واقصائها عن الحكم خلافاً لما جرت عليه الدهور من حكم العراق من قبل السنة . والثاني : قلق السعودية من تاثر الشيعة الموجودين فيها والذين يشكلون 15 بالمائة من السكان وفي اغنى مناطق المملكة من تاثرهم بالحريات الدينية الممنوحة للشيعة في العراق بعد عام 2003 ففشل تجربة العراق الديمقراطية يعني انكفائها في الداخل وتقليل المطالبين بها في الخارج كما ان توتر العلاقات يمنع من توافد الالاف من شيعة السعودية الى العراق بحجة الاوضاع الامنية وتعقيدات منح الفيزا وخشية القادمين من اتهامهم بالتعاون مع جهات اجنبية ( عراقية )للاطاحة بالنظام السعودي أو العمل ضده كل ذلك سيوفر للسعودية راحة بال وتقليل الأثار السلبية عليها من التغيير في العراق . ومع كل هذا التعقيد لا بد للحكومة العراقية من البحث عن حل لهذه العقدة بعد ان باتت تؤثر تاثيراً كبيراً على الواقع الامني في العراق ؟
اعتقد ان هناك منفذين اساسيين يؤدي الأول منهما إلى الثاني الاول : هو استثمار التقارب الامريكي الايراني حول الملف النووي لتمتين العلاقة العراقية الامريكية التي تشوبها الكثير من الشكوك ولا يخفى تاثير توتر العلاقة الامريكية الايرانية على برود العلاقة بين امريكا والعراق أما اليوم فيجد العراق نفسه مدعواً لان يكون اكثر قرباً من امريكا مما يدفع بها الى تبني سياسة الدفاع عن المنجز العراقي بعد 2003 بشكل اكثر جدية الى الحد الذي تعتبره انجازها فهي اي امريكا من نزفت دماً ومالاً من أجل ( تحرير) العراق وإذا كانت في السابق تشك في تعاون القيادات العراقية الاسلامية معها وغير مطمئنة لتوجهات هذه القيادات وتحتمل انحيازها التام لايران في أي لحظة وربما وقوفها معها في حال الصدام مع امريكا فان التقارب الامريكي الايراني سيصب في خدمة القيادة العراقية الان لتبديد كل هذه المخاوف والشكوك . وهنا لابد من ملاحظة وهي ان ايران لا ترغب في ان يوثق العراق علاقاته مع امريكا وكاي دولة ذات ثقل اقليمي تسعى لزيادة اوراقها الضاغطة التي تفاوض بها خصومها فلا ينبغي الافراط في إثارة أطراف اللعبة بشكل يقلب الموازين ويقضي على الخطوات الايجابية بهذا الاتجاه . أما المنفذ الثاني فهو في تدخل البيت الابيض وبقوة بعد أن يضع العراق الولايات المتحدة امام الحقائق والوثائق التي تبين حجم التدخل السعودي في الشأن العراقي وتمويل المجاميع الارهابية فيه ومن حق العراق ان يلزم امريكا بالاتفاقية الستراتيجية الامنية بينهما ولا مانع في أن يبدي العراق الصعوبات التي يواجهها في القضاء على العصابات التكفيرية وعملياتها الانتحارية فيطلب ما يتوفر لدى الولايات المتحدة من تكنلوجيا وخبرات وأسلحة ومعدات ومعلومات استخباراتية مهمة للقضاء على هذه المجاميع من جهة ويطلب الضغط وبقوة على السعودية من قبل امريكا من جهة اخرى لوقف مساعدتها لها وفتح باب الحوار مع القيادة السعودية لبناء علاقات ودية ومستقرة . واذا انتقلنا الى تركيا فان الظروف باتت ملائمة جداً للحوار معها لاسباب أولها ما شهدته في الأشهر الاخيرة من حراك شعبي داخلي دعا قيادات حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم أردوغان أن يكون أقل اندفاعاً في مواقفه من القضايا الإقليمية ومنها العلاقة مع العراق وثانيها أن حساباته بشأن الوضع في سوريا لم تكن موفقة فآثار الأزمة السورية باتت تهدد الدولة التركية الحالمة بإنجازات إقتصادية ودور إقليمي بارز فالعلويون في تركيا بدأوا يجاهرون بالتنديد بمواقف تركيا من الأزمة والجهاديون لا يستثنون تركيا من التكفير إذا ما ثنيت لهم الوسادة والأكراد في سوريا لا يمكنهم التخلي عن حلمهم في الانضمام إلى( أتراك الجبل ) لتشكيل دولة أو الحصول على الحقوق الكاملة أسوةً بأكراد العراق ولذا فموقف العراق من الازمة السورية هو اكثر جذباً للقيادة التركية اليوم وان كانت لا تبدي ذلك من هنا تاتي أهمية زيارة المالكي لاسطنبول .
hmft1961@gmail.com
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
د . حميد مسلم الطرفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat