نجوم في ذاكرة الحب الحسيني
هدى العزاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نصف قرن من الزمان، وربما أكثر مر من دون أن يقلل من حيوية القصائد التي كتبت في حب سيد الشهداء الإمام الحسين( عليه السلام). لم تستطع كل تلك الأعوام أن تطفئ بريقها، ولا ان تنال من شهرتها، أو من حب جميع الناس لها، فهي معلقات لا تنسى عبرت بصدق لا مثيل له عما جرى في واقعة الطف الأليمة، مثلما عبرت بحماس عن رفضها للجور والظلم والطغيان.

لا أحد ينسى مقتل الإمام الحسين( عليه السلام) الذي قرأه الشيخ عبد الزهرة الكعبي في العام 1959، ولن تموت فصيدة( جابر يجابر) وسواها من القصائد التي قرأها الشيخ حمزة الصغير، وكذلك هو الحال بالنسبة لقصيدة (يحسين بضمايرنه) للشيخ ياسين الرميثي.

توفى الله تعالى هؤلاء القراء منذ زمن طويل، لكن أصواتهم ما زالت حية وطرية تزيد المنبر الحسيني ألقا على ألقه، وتذكر دائما وأبدا بأن الحق لن يموت وان له جولة حتى تقوم الساعة.

الشيخ عبد الزهرة الكعبي

ولد الشيخ عبد الزهرة الكعبي واسمه الكامل عبد الزهرة فلاح  عباس آل منصور، بمدينة المشخاب بمحافظة النجف الاشرف في العام 1909 وانتقلت عائلته للعيش في مدينة كربلاء المقدسة، وفيها دخل( الكتّاب) فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم كله وهو في سن مبكرة خلال ستة أشهر، ثم أكمل دراسته الدينية على يد أبرز العلماء وأصبح  أستاذا في الحوزة العلمية الشريفة في كربلاء المقدسة. توجه الكعبي للقراءة في المجالس الحسينية فنال شهرة واسعة جدا، فكان الناس يحضرون مجالسه رجالا ونساء وأطفالا أين ما حل ورحل، فانتقل للقراءة في المدن والمحافظات العراقية مثل النجف الاشرف والحلة والدجيل والمشخاب والبصرة والديوانية والشطرة والمجر الكبير، ثم توجه إلى البحرين والقطيف والاحساء وجنوب إيران وغيرها من البلدان خارج العراق، وتتلمذ على يديه الكثير من رجال الدين وخطباء المنبر الحسيني.

يعد الكعبي من أشهر خطباء المنبر الحسيني في العراق والخليج العربي، وما زال" مقتل الحسين(ع)" الذي قرأه في العام 1959 حيا لم ولن يبلوه النسيان، وهو القصة الكاملة لرحلة الإمام الحسين(ع) مع أهل بيته وأنصاره من المدينة حتى استشهاده في ملحمة كربلاء.وكانت هذه الملحمة قد بثت من دار الإذاعة العراقية لأول مرة في 15 تموز من العام 1959، الذي وافق مع العاشر من محرم للعام 1379 هجرية. وتلقت الإذاعة في وقتها 14 ألف طلب باعادة البث، فأعيد بث الملحمة مرة ثانية في اليوم نفسه.

كان الكعبي رافضا لظلم النظام السياسي، فتعرض للمراقبة والملاحقة من قبل البعثيين، ثم اشترك مع الشيخ حمزة الزبيدي، السيد كاظم القزويني والسيد مرتضى القزويني والشيخ حميد المهاجر بتوقيع برقية موجهة إلى ( البكر) يطالبون فيها إطلاق سراح الشهيد السيد حسن الشيرازي "قدس سره"، فاعتقل الكعبي على اثر ذلك وحكم عليه بالسجن الاحترازي لأربعة أشهر وأطلق سراحه في العام 1969.

ولأن البعثيين ضاقوا ذرعا بمواقفه الرافضة والمقاومة لظلمهم، فقد دسوا له السم في فنجان قهوة تناوله أثناء حضوره مع تلاميذه مجلس فاتحة. وحال عودة الكعبي إلى صحن الإمام العباس(ع) وأثناء قراءته أصابته حالة إغماء شديدة، سقط على أثرها من المنبر وتوفاه الله في طريق نقله إلى المستشفى في الثالث من حزيران العام 1974، وأقيمت  له مراسيم تشييع كبرى تليق بمكانته في خدمة الثورة الحسينية وبجهاده المعروف في مقارعة الظلم والطغيان، شارك في تشييعه الآلاف ممن قدموا من المدن والمحافظات العراقية المختلفة.

الشيخ حمزة الصغير

ولد الشيخ حمزة الصغير واسمه الحقيقي حمزة عبود إسماعيل السعدي في محلة باب الطاق بمحافظة كربلاء المقدسة في العام 1921 واشتهر باسم( حمزة الصغير) تمييزا له عن قارئ حسيني آخر يكبره في السن ويحمل الاسم نفسه.

عاش الصغير يتيما لفقدانه أبيه، فأخذت أمُّه على عاتقها تربيته، وفي بدء حياته امتَهَنَ العِطارة، ثم مهنة بيع الأواني المنزلية، ثمّ مارس مهنا أخرى ويعد من أبرز قراء المنبر الحسيني، إذ ما زال صوته يعيد أحداث فاجعة الطف حتى يومنا هذا على الرغم من وفاته قبل نحو خمسين عاما.

تعلم الصغير قراءة القرآن وتبحر في الأدب منذ طفولته، بعد أن أكمل تعليمه في( الكتاب)، كان الصغير مولعا بحفظ القصائد الحسينية وعايش قراء كثر في مدينته، وأسهم كل هذا في نبوغه في هذا المجال.

في منتصف تشرين الأول العام 1976 وافى الأجل المحتوم الشيخ الصغير بعد صراع طويل مع المرض، وشيع جثمانه ليليق به وبمكانته في مسيرة حاشدة شرف بها جسدها بزيارة ضريح الإمام الحسين وأخيه العباس( عليهما السلام).

ومن القصائد التي قرأها الشيخ الصغير( أمسى راس الحسين ويالجسم أمسى، أهز مهدك ياعبدالله، أم البنين تنادي يبني وياروح الهادي، أسأل من المعبود لاعذب أمي، آه يبني من اشوف المهد خالي، آنه أم البنين ودهري ذبني، إنشد الدار وياي ليش عافوني، إنشد العين العين ليش سهرانه، المن الصيوان منصوب يبني، الميمون، الوادم لو لفاها الليل، باليسر زينب عالحرم ظلها، حرز باللوح القلم بيد ابو فاضل علم، جينه ننشد كربلا مضيعينها، جاسم ياشباب الدين، تهلهل والمدامع زينب تهلها، تنشد حسين الكبرى شعندك ياروح الزهره، تعنت له للحومه تفسر الصخر ونتها، برهانه برهانه صبرك وبرهانه، بسيوف العداله تصديق الرساله، بنوارك يابو الهادي إهتدينه، تصرخ وديعة حيدر يامهجتي يامشكر، حسين من طيبه كَصد كوفانها، حيدر من الوحي يعينه هاك إخذ من براهينه، دار الخيم هاي چا وين أهلها، دار الوحي مرجونه والحيدر يودعونه، دهري ذبني عبدالله يا شمعة ضوه عيوني، آه يحسين ومصابه وغيرها)

الشيخ ياسين الرميثي

ولد الشيخ ياسين الرميثي في مدينة الرميثة العام 1929بمحافظة المثنى ومنها اشتق لقبه، وذاع صيته أكثر بقراءته لقصيدة (يحسين بضمايرنه) العام 1977في ديالى التي كتبها الشاعر عبد الرسول محيي الدين وبقيت هذه القصيدة حية حتى يومنا هذا، لما تمثله من إيمان بثورة الإمام الحسين(ع).

نشأ الرميثي وترعرع في مجلس والده حتى أصبح وجيها من وجهاء المدينة ومن الشخصيات البارزة المعروفة وخدم المنبر الحسيني ما يقارب الخمسين عاما ولقب بشيخ الرواديد وأشهرهم، حيث قرأ في النجف وكربلاء والسماوة والرميثة والبصرة والبحرين والكويت وحتى في أميركا.

اعتقل في معتقل الفضيلية في بغداد ومعه مجموعة من الوجهاء والاشراف بسبب مستهلات زيارة الأربعين في كربلاء العام (1969 – 1970) للشاعر المعروف الشيخ هادي القصاب في عزاء جماهيري. وأفرج عنهم بعد ستة أشهر ليواصل مسيرته في خدمة سيد الشهداء وأبي الأحرار (عليه السلام)، اعتقل النظام المباد خمسة من أولاده، وأفرج عن اثنين منهم ولم يُعثر على جثث الباقين حتى الآن، وبعد الانتفاضة الشعبانية المباركة العام 1991،  هاجر الرميثي إلى الغرب واستقر في أميركا وعاد إلى العراق العام 2003 بعد سقوط النظام السابق وواصل خدمة المنبر الحسيني لغاية وفاته في مطلع شباط العام  2005، الموافق في السادس من شهر محرم العام 1426 هجرية، اثر مرض عضال ألم به. ومن ابرز ما قرأه الرميثي(عباس انت الامل، المن تعاتب منهو الليجاوب، حاضرة وماضية، يلهادي مصيبتكم، هذي تربية حيدر، شتحمل مصايب، زينب لفت يم حسين، زينب طبت عله حسين، أدور عليك بالحومه، وين عن اليتامه والحرم، هذا فرقد  من محمد).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هدى العزاوي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/07



كتابة تعليق لموضوع : نجوم في ذاكرة الحب الحسيني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net