الغزو العسكري و الثقافي
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن ( للغزو العسكري ) ( Military invasion ) , و الاستعمار الدور الكبير في التخلف الذي تعيشه المجتمعات المُستَعمرة , و الأشد من ذلك الغزو الثقافي , و الفكري الذي يحتل العقول , و النفوس , و يستعمرها .
يعتبر ( الغزو الثقافي ) ( Cultural invasion ) أخطر شيء يهدد المجتمعات , و بالخصوص طبقة الشباب منها , و ذلك لأن وسائل الإعلام ـ بكل صورها و أنواعها ـ وضعت إمكانيات كبيرة جداً في سبيل التأثير على جيل الشباب , و ذلك لكي تحرفه عن الطريق الصحيح , و بالتالي عن دينه , و عن أخلاقه , و عن أصله , و عن ثوابته , فتتمكن منه إلى حد أن تُنومه مغناطيسياً ليعيش حياة غير واقعية خُططت , و رسمت له , و هو كالدمية فيها .
فبعد أن أدرك أعداء الإسلام أن مواجهته بالقوة العسكرية , و أساليب القمع و الإرهاب لن تحقق مآربهم في التخلص من الإسلام , و في الحد من انتشاره , و إن غزو بلاد الإسلام كثير التكاليف المادية و البشرية , لذا فقد توجهوا إلى غزوه ثقافياً , و فكرياً , و عقلياً .
و يقصد بالغزو الثقافي : ( الوسائل غير العسكرية التي أتخذها أعداء الإسلام لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية , و صرف المسلمين عن التمسك بالإسلام مما يتعلق بالعقيدة , و ما يتصل بها من أفكار و أنماط و سلوك ) .
و يطلق على الغزو الثقافي مسميات أخرى منها : ( الحرب الباردة ) , و ( الحرب الناعمة ) , و ( الاختراق الثقافي ) , و ما شاكل ذلك من أسماء و مسمايات ذات دلالات واحدة .
أهداف الغزو الثقافي
يمكن إجمال أهم أهداف الغزو الثقافي بما يلي :
1ـ القضاء على الإسلام و تمزيق المسلمين و عزلهم عن دينهم , و تراثهم , و ثقافتهم .
2ـ منع الإسلام من الإنتشار خارج ديار المسلمين .
3ـ نشر الادعاءات الباطلة حول القرآن , و الشريعة الإسلامية , و شخصية النبي محمد ( ص ) .
4ـ تحميل الإسلام جميع مظاهر الضعف و التخلف التي تعيشها البلاد الإسلامية من جانب , و من جانب آخر ربط التطور بكل مظاهره بالغرب فقط .
5ـ إثارة الصراعات الطائفية , و المذهبية الداخلية لشغل البعض بالبعض الآخر , و تهويل هذه الصراعات إعلامياً , و ذلك لإبعاد النظر عما تخططه الدوائر الأستكبارية .
في الواقع إن العدو نجح , و ينجح يوماً بعد يوم في صراعه , و هو يوسع من دائرة الأتباع , و المتأثرين , و اللاهثين وراءه بشكل واضح و ملحوظ , حتى أخترق هذا العدو الكثير من الحصون و القلاع التي كان من المفروض أن تصمد أمامه , و بات يهدد الأسس , و الثوابت , فلقد (( كان الغرب ـ إلى جانب العجز العربي المزمن ـ و لا يزال , يرى في نمو هذه الأقطار ـ العربية و الدول النامية ـ خارج الهيمنة الغربية خطراً يتهدد مصالحه )) .
فما العمل ؟ نقول بصدق , و بعيداً عن النظرة المتشائمة , و بعيداً عن الفانتازيا الزائدة , و المثالية , و الأحلام الوردية أن هنالك حقيقة في الإسلام لم و لن يستطيع أي أحدٍ , و لا أي جهة من الجهات القضاء عليها إلا و هي ( القوة الكامنة ) ( Underlying Strength ) في الإسلام , و التي صمدت عبر العصور , و قاومت التحديات , و حاربت المحو و التحريف و التطميس , إن هذه القوة لن تخبو أو تموت في أي يوم من الأيام , و لن يستطيع أي أحد و لا أي قوة أن تؤثر عليها فضلاً عن محوها , و الدليل على ذلك واضح , و التاريخ أكبر برهان على ما نقول , فإن كل الجبابرة , و العتاة , و الظلمة , و الغزاة لم يستطيعوا أن يؤثروا على هذه القوة , و لم يستطيعوا أن يطفئوا هذه الجذوة الوهاجة , و الشعلة الأبدية السرمدية مهما فعلوا , و يفعلون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1: واقعنا المعاصر , محمد قطب , ص 195 .
2: و عن تعريف الحرب الناعمة يقول نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق ( جوزيف ناي ) : ( القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام ) ـ القوة الناعمة , جوزيف ناي , ص 12 ـ .
3: خرائط أيديولوجية ممزقة , إدريس هاني , ص 98 .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat