صفحة الكاتب : ادريس هاني

الحسين في ديوان العرب (17)
ادريس هاني


لكل شاعر قضية .. ولكل شعر واد يهيم فيه الشاعر .. وأجمله ما كان يهيم في واد الحسين..واد الدموع والمآسي والمواجع ..واد المقطّعين ظلما بسيوف الكفر الصّراح ..واد عبد الله الرضيع المذبوح وسبايا أطهر بيت في العالمين...فمشهد كربلاء يبكيك من دون شعر أو سرد متفنّن..ورأيي أنّ الصورة من دون شعر كما في الخيال هي أنفذ وأكمل..والصمت في مقاربة المقتل هو شعر آخر بلا كلمات..فماذا عساه أن يضفي الشعر على تلك الصور إن لم يكن الشّاعر لا يفعل من خلال هذا الصنيع سوى أن يعبر عن مشاركته في هذا الوجع الحسيني المستدام ؟.. ومن كل هذا الرعيل الشعري يلفت انتباهك شاعر كان لا بدّ أن يكون على قدر كبير من الولاء..فهو ابن الحلّة وبها ا قضى نحبه شاعرا ينحت كلماته في رثاء الحسين نحت الصانع القدير..إنّ كنت أدركت من شيئا من حكاية الحوليات فاعلم أنّ ثمة نظير لها في مرثيات شاعر الحلة: السيد حيد الحلّي..شاعر ملهم ذاب في آل البيت ذوابا منقطع النظير..كان الحسين ومشهد كربلاء بالنسبة إليه هو عبقر لدى شعراء العرب القدامى..منهم يستمدّ شاعريته ويستنفح نفحاته..مرّة يرى السيدة فاطمة في المنام فقبّل يديها وهو حفيذها الذي ينتهي نسبه إليها فقالت له:
أناعيَ قتلى الطف لا زلتَ ناعيا
تهيج على طول الليالي البواكيا
فبكى السيد حيد الحلي ثم قال:
أعد ذكرهم في كربلاء إن ذكرهم +++ طوى جزعاً طيّ السجل فؤاديا
ودع مقلتي تحمر بعد ابيضاضها +++ بعد رزايا تترك الدمع داميا
ستنسى الكرى عيني كأن جفونها +++ حلفن بمن تنعاه ان لا تلاقيا
وتعطي الدموع المستهلات حقها +++ محاجر تبكي بالغوادي غواديا
إلى أن قال:
لقد الزمت كف البتول فؤادها +++ خطوب يطيح القلب منهن واهيا
وغودر منها ذلك الضلع لوعة +++ على الجمر من هذي الرزية حانيا
قال عنه الزركلي : السيد حيدر شاعر أهل البيت في العراق أديب إمامي شعره حسن ، وكان مترفعاً عن المدح والاستجداء موصوفاً بالسخاء..
كان يمرّ على قصائد السيد حيدر الحلي حولا كاملا وهو يشذّبها ثم يمشي حافيا نحن الصحن الشريف حيث مرقد الإمام الحسين فيقرؤها..وله حكايات في ذلك وحالات..فحولياته أبكت الحاضرين والغائبين..في واحدة من مرثياته الشهيرة يستحضر الخلاص ويترجى المخلّ. فقد طال الانتظار ومات التّصبّر..بل يتساءل كيف يطول الانتظار بعد فجيعة كربلاء..وهل بعد هذه الفجيعة ما يضاهيها..وهي التفاتة كبرى على قدر من الأهمية..فليس بعد فجيعة الحسين إلاّ الخلاص..
لله يا حــــــامي الشريعة +++ أتقر و هي كذا مـــروعة
بك تستغيث و قلــــبها لك +++ عن جوًى يشكو صدوعه
مات التصبر بانتظارك +++ أيهـــــــا المحي الشريعة
كم ذا القــــــعود و دينكم +++ هدمـت قواعــــده الرفيعة
تنعى الفروع أصوله +++ و أصـــــوله تنعى فروعه
أما ما كان من أمر قصيدة يا حامي الشريعة يكمن فيما كان له حالة في خبرة السيد حيد الحليّ مع من تراءى له أعرابي في الطريق ثم اختفى وهو يقرؤه القصيدة..حين قال له كفى..كفى يا سيد جيدر:
ماذا يهيجك إن صـــبرت+++ لوقعـــــــة الطف الفظيعة
أتــــــــرى تجىء فجيعة +++ بأمــــض من تلك الفجيعة
حيث الحسين على الثرى +++ خيل العدا طحنت ضلوعه
ينعى السيد حيدر مقتل الحسين..ولكن هذا لا ينسيه فضائل هذا البيت في النخوة والفروسية والمروءة..لقد انتصر الحسين وهو تحت سنابك الخيل ممدّدا..والرماح تنغرس في جسده الشريف..فالفارس فارس غالبا كان أو مغلوبا..والغلب هنا وجهة نظر أخرى..فالحسين لم يغلب وقضيته لم تغلب ولكنه ظلم أيما ظلم وأوذي أيّما أذى..فمن سار في موته على يقين واستقامة واختيار هو منتصر من البداية إن كانوا لا يعلمون..ترى أين معالم البطولة في معسكر ابن زياد والجند المغلوبين من قطاع الطريق؟ لا أثر لهم في تاريخهم بله تاريخ الأحرار..يفزعهم الحسين وقد قضى في كربلاء صريعا ولا زال يفزعهم في كل زمان ومكان..
ومَن يخترم حيت الرماح تظافرت +++ فذلك تدعوه الكريم المظفرا
فما عبروا إلا على ظهر سابح +++ إلى الموت لما ماجت البيض ابحرا
فالحسين قاوم وأجهز على القوم ولم ينالوا منه إلاّ كما ينال الضّباع من الأسود..ولم يضع سيفه إلا بعد انكسار..ولم يهدأ إلاّ بعد تمكّن النّصال..
كأن اخاه السيف أُعطي صبره +++ فلم يبرح الهيجاء حتى تكسرا
له الله مفطور من الصبر قلبه +++ ولوكان من صم الصفا لتفطرا
ومنعطفاً اهوى لتقبيل طفله +++ فقبل منه قبله السهم منحرا
لقد ولدا في ساعة هو والردى +++ ومن قبله في نحره السهم كبرا
يبكي السيد حيدر الحلي حال سبايا كربلاء..سبايا آل أحمد..يا للمفارقة..يا للعار..يا لهذه الأمة التي انحدرت وأمعنت في الانحدار..بنات علي وبنيه يسقن في الصحاري سبايا..وهنّ اللاّئي ما رأين الصحاري ولا لفحتهم شمسها..الدهر كما قال السيد حيد الحلي مشى هذه اللحظة كالأعمى..
مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع +++ عماداً لها إلا وفيه تعثرا
وجشمها المسرى ببيداء قفرة +++ ولم تدر قبل الطف ما البيد والسرى
ولم تر حتى عينها ظل شخصها +++ إلى أن بدت في الغاضرية حسرى
فاضحت ولا من قومها ذو حفيظة +++يقوم وراء الخدر عنها مشمرا
مرثيات السيد حيدر الحلي هي حوليات كما حوليات زهير بن أبي سلمى..شكلت عمادا في ديوان الحسين..احترم قدسية الكلمات..ونظم الشعر الذي قرضه كما يقرض الصّلاة..ألقد أتم شعره وصلاته..رائع ذلك الوصف الذي رثاه به السيد محمد سعيد الحبوبي حين قال :
من للقوافي الغـر بعدك حيدرٌ +++ بساحل فسها دائنـا ومـدانا
فـكـم دُررٌ أهـديتها لمحمـدٍ +++ فكنت كمن حلَّى الجمان جمانا

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/13



كتابة تعليق لموضوع : الحسين في ديوان العرب (17)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net