تغرينا النزعة البراغماتية..هي بالفعل نزعة طبيعية تذكيها الغريزة..ولكنها تصبح رهانا عقلانيا ومعقولا..وأحيانا تبدو أكثر ميلا للحرية والتسامح في مبادئها ومنظومتها التبريرية...لكن عادة ما تنتهي كما أشار برتراند راسل نحو القوّة...إذا شئت فقل إنّ مسار البراغماتية هو الانتيليشيا المفارقة: من القوةّ إلى القوة...فالفعل هنا هو القوّة...من قوة الإمكان إلى التّحقق بالقوّة..في البراغماتية جوانب يحجبها سكر المثل الفارغة ولكنها تجسّد قصّة الرّهان..والمقامرة والحرب...لا يمكن أنّ تتحقق المصلحة من دون قوّة..لم تصبح أمريكا قوة عظمى بالمثل الفلسفية التي يوجد أصلها في أوربا، ولكنها وصلت إلى ذلك بفعل القوّة نفسها..تتجاوز القوة حدودها..تتضخم..تسكر..تفقد القوي السيطرة على عنفه..على هذيان القوة وسكرها..لا شيء بعد ذلك يوقظه من سباته غير المقاومة.....كانت المقاومة دائما بفعل رومانسيتها الطافحة هي العلاج التّاريخي للنزعة البرغماتية، وإن كان للمقاومة جيوبها البرغماتية أيضا..ستظلّ البراغماتية تلاحق العالم..تتحرّش بالعقل والعاقل والمعقول..تستقوي بالملموس وحساب المصلحة..تسخر من الاستقامة الأيديولوجيا..لا قيمة للقيم إلاّ بما تحققه من أسهم مربحة..معيار القيم هو خارج القيم نفسها..نصدق في التجارة لا لأنّ الصدق جميل وقيمة في ذاتها ولغيرها بل لأنّ من دونه يخرب نظام المتاجرة..فالحرب الأهلية..ولكن قد نكذب بقدر ما نجلب من المصالح..كل شيء مفيد ومهم مادام ينجز المصلحة..حتى التناقضات الدولية والمفارقات السياسية والحروب والإرهاب ولعبة الأمم..البراغماتية هي إذن أساس حقبتنا التي شهدت مثال الإنسان اللّعبي..والحرب هي شكل من أشكال اللعب بالنّار في حقبة خرجت فيها الحرب من فوضى وحشية إلى إدارة التوحش..تراجعت الفلسفة قليلا حتى في أوربا أمام هذا الاجتياح البراغماتي الذي عصف بالمثال والرومانسية وتجاوز الحداثة وما بعد الحداثة معا لصالح منظور سنجابي تختلط فيه الجواهر بالأعراض..وينهدم فيه نظام القيم والأشياء..ولا يبقى صوت يعلوا فوق صوت الحرب والمعركة..فالغالب هو الذي يكرّس فلسفته..وهذا ما يعطينا صورة عن علاقة الفلسفة بالحرب..ليس هناك هوية أيديولوجية للبراغماتية سوى أنّها منفتحة على مطارح المصلحة..على كل فكر وكل دين وكل قيمة تحقق أسهما حتى لو كان الأمر يتعلق بالإرهاب والظلامية..البراغماتية هنا غير آبهة بعصر الأنوار، بل هي على أهبة الخوض في عصر اللّيالي طالما ثمة مصلحة..نزعة ميركونتيلية مبطّنة غير آبهة بماهية الأنوار..ينعكس هذا على الفكر والسياسة والمجتمع..يأتي يوم تتحدّث القوة العظمى عن حقّها في الدّفاع عن مصالحها بانتهاك السيادة والقانون..تصبح مصلحتها في احتلال أمم بعيدة..ويصبح تهديد مصالحها هو تحرر أمّة وسلوكها منحى تنمويا مستقلاّ..ويحصل أن لا نعرف أين تنتهي حدود هذه المصلحة..فيهتزّ السلم والاستقرار الدوليين..تصبح البراغماتية خطرا إذا لم توجد معايير تدبّر نشاطها..لكن من يا ترى يملك أن يضع حدودا للبراغماتية حينما تصبح أيديولوجيا فكرية وسياسية لأمّمة من الأمم؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat