صفحة الكاتب : ادريس هاني

في المعنى المنحط للديمقراطية
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إلى أولئك الذين حوّلوا الحديث عن الديمقراطية إلى قصيدة شعر، كان أحرى أن يكملوا احتواء الأزمة السياسية التي من أجلها اكتسبت الديمقراطية هذا المجد.. فالظاهر أنّ الحديث عن الديمقراطية غير مكتمل بل يستند إلى جنوح مرضي تشكّل على ضفاف الهروب من الديكتاتورية..الهروب من القمع لا يمنح العبيد فرصة أن يفكّروا كأحرار..فقط يفكرون كعبيد هاربين..ليست الديمقراطية سوى حالاّ مؤقّتا..وهي ليست بديلا عن الاستبداد على نحو كامل..تتعزّز أساليب الخداع والإلتفاف على الديمقراطية لتكريس أشكال أخرى من التحكم: ديكتاتورية الأغلبية، ديكتاتورية رأس المال ديكتاتورية النظام الدّولي نفسه الذي يسمح بلعبة تكريس العملاء حكّاما وفق اللعبة الديمقراطية..يعتبر كارل بوبر أنّ كلمة ديمقراطية التي تعني حكم الشعب هي كلمة خطيرة، ذلك لأن كل فرد من الشعب يعرف جدّا أنه لا يحكم..وهكذا يتكون لديه انطباع بأن الديمقراطية هي شكل من أشكال الاختلاس والنصب..ومن هنا يقترح أن من الضروري أن نتعلّم بأن الدّيمقراطية هي في الأصل ومنذ العهد الأثيني هي الدستور المانع لقيام الطغيان(انتهى كلام بوبر)..وعليه أصبح واضحا قيمة تعريفها كما فعل كثيرون اليوم بأنّها الحكم بالنّقاش..لكن في تقديري أن الديمقراطية لا يمكنها أن تقدّم الكثير إلاّ على مستوى النّقاش..ذلك لأنّ قمع السّؤال هو أساس ومنبع الاستبداد..إنّ الدّول الليبرالية نفسها تنتهك ليل نهار أسس الديمقراطية من خلال إجهاض حرية التفكير والنّقاش، ذلك لأنّ ثمة تعارضا بين استراتيجياتها وبين الفعل التواصلي بمفهوم هابرماس..وهنا مكمن الخطر الحقيقي..ذلك لأنّ قيام الدّولة نفسه يقتضي إرساء شكل من الاستقرار والطمأنينة والسلام..فالاجتماع لا يقوم على القمع، والدولة لا تنهض على أسس التّوحش باعتبارها حدثا مدنيّا..الديمقراطية لم تمنع الحروب..بل لقد ساهمت في إذكاء الحروب..وهناك حروب قامت باسمها..هذا الكلام هو توطئة للحديث عن الصورة الكرنفالية للديمقراطية التي تحظر في الخطاب السياسي للأحزاب عشية الانتخابات..تختزل الديمقراطية هنا في أسوأ معانيها وممارساتها..هنا التوحّش السياسي يجري باسم الديمقراطية..الكذب والبهتان وشراء الذّمم والمفيوزية السياسية تصبح ممارسة ديمقراطية..ديمقراطية من دون ميثاق أخلاقي..بل إنّه إذا كان الاستبداد حكم لا أخلاقي فالديمقراطية اليوم هي اليوم هدم منهجي لما تبقّى من قيم جماعية..في هذا المهرجان الانتخابي يصعب التمييز بين المرشّح ورجل المافيا..لا بل إنّ المرشّح والناخب كليهما يتواطأ تحت أي ذريعة أنانية ووصولية لتهديم منظومة القيم..هنا الديمقراطية هي الفوضى..وهنا النخب السياسية تستغل جهل المواطنين لتكريس هذا الطاعون السياسي الذي إسمه شراء الأصوات..ومثل الديمقراطية تماما لا يوجد رأي عام حرّ..إن ديكتاتورية الإعلام في مجتمع الفوضى أخطر منها في مجتمع الاستبداد..فالإعلام يخفي أعطاب الديمقراطية المغشوشة ويمنحها مزيدا من الشاعرية ولكنه إعلام منخرط في تكريس المشهد..الكائن الذي يعاد إنشاؤه في محاضن الديمقراطيات الهجينة هو كائن انتهازي ومجرم..له القابلية لتخريب العمران من أجل صوت واحد يمنحه أمل بالتّسلط الناعم على رقاب الناس والوصول بطرق انتخابية إلى حيث المال العام..تربّي الديمقراطية التي ولدت سفاحا في العالم الثالث وتحت إشراف الإمبريالية وموازينها المجتمع على التّفاهة..هنا كل شيء يمرّ باسم الديمقراطية حتّى قتل الإنسان..المجتمع المدني في ظلّ هذه الديمقراطيات الهجينة يغدو شاهد زور على كيانات ديمقراطية مغشوشة..المجتمع المدني في ظلّ ديمقراطية المافيا هو عالم مفيوزي قذر يتواطأ مع الدولة والإمبريالية ضدّ الإنسان والمصير في هذه المجتمعات..لا شيء حرّ هنا، لا الإعلام ولا التجارة ولا الأحزاب ولا هيئات المجتمع المدني الغبيّة..يحمل الحرّ قيمة الحرية في أحشائه وهذا هو أكبر تحدّي أمام الديمقراطية المغشوشة..الكائن الحرّ الذي يطير بين السحب ولا يستقرّ على اأي منظومة زائفة من منظومات الديمقراطيات الدّاعرة في مجتمعات يمكننا اعتبارها منكوبة سياسيا وثقافيا..الأحزاب السياسية تخشى من المثقف الحرّ..لأنّها وبكل بساطة منظّمة مافيوزية وليست أحزابا سياسية..والمجتمع الذي يخضع للعبة الانتخابوية هو مجتمع فاقد لحاسة الوعي بالوجود والمصير السياسيين..المثقف هو المطالب بإعادة صياغة السياسات وليس العكس..إنّ النقاش الجاري اليوم ليس ديمقراطيا لأنه ليس نقاشا حرّا، بل هو شكل من الغوغائية التي يقتضيها إنجاح مهرجان ديمقراطيات الهامش الذي يعاني من حالة انحطاط عارمة..إنّ الديمقراطية هي ذلك الحلم الذي تحوّل هو نفسه بفعل الانتهاك السياسوي إلى عائق ضدّ قيام دولة الحق والقانون والحريّات..إنّها الجحيم السياسي

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/28



كتابة تعليق لموضوع : في المعنى المنحط للديمقراطية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net