صفحة الكاتب : علي علي

وانقضى العيد كسابقاته
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  العيد في اللغة، مفردة تطلق على الأيام المفرحة او المحزنة التي تعاد في موعد ثابت كل عام بشكل دوري، فهي جاءت من الفعل عاد يعود عودا وعيدا وعودة. إلا أنها تحددت بمرور الوقت وتطور حياتنا اليومية، فاقتصر استخدامها في الأيام المفرحة واندرس تداولها واستعمالها فيما يحزن من الأيام. ولعل القول الحكم جائز والبت والجزم صحيح، إن قلت أن أعيادنا نحن العراقيين باتت منغصة بكثير من الأحزان.
  ولنا في عيدنا الأخير عيد الفطر ذكريات، تكاد تتكرر كل عام من غير تحديث او تجديد، إلا إمعانا في الهموم وغلوا في المآسي، حيث تتسرب في قصص أجدادنا وأشعارهم، عاكسة بهذا واقع حالهم بالأمس، ونحن بدورنا مابرحنا نعكس حالنا اليوم. فلو قلبنا سفر تراثنا أنبأنا بما عاناه سكان وادي الرافدين من سوء حال مرير، لاينسجم مع بلد عريق الحضارات له سبق بالآداب والعلوم والفنون والاختراعات، ويضم بين نهريه صفوة من الأدباء والعلماء والفنانين، فضلا عن تمتع رقعته الجغرافية أرضا ومياها بوافر من الخيرات، إن بدأت بالنفط، فإنها لا تنتهي بالمعادن والسياحة والنهرين والثروات المائية. وما فتئ الشعراء والمغنون والمؤرخون، يشكون في عيشهم الحرمان والهجران وفقد الأحباب، حتى باتت مسحة الحزن صفة مميزة وعلامة فارقة في نتاجاتهم، وقطعا يجري كل هذا تحت مرأى أولي الأمر وأسماعهم، وبعلم أرباب الحكم من ولاة وملوك ورؤساء، تسنموا هرم القيادة من قاعدته حتى قمته، دون أن يغيروا من واقع حال العراقيين شيئا على مدى قرون، بل قلب لاحقوهم أسوة بسابقيهم سافل الهرم عاليه، وأساءوا كثيرا إلى بنى البلد التحتية والفوقية وما بينهما أيما إساءة. 
أما ما حدث في الربع الأخير من القرن العشرين، والعقد ونصف العقد الأول من الواحد والعشرين، فهو كما نقول: (مايلبس عليه عگال) إذ عمد حاكمو العراق بدءًا من صدام حسين، مرورا بالـ (شفية) وصولا إلى (آخر العنگود) بسياساتهم الهوجاء، على إجبار أبناء البلد بالإجابة عن تساؤل المتنبي في القرن العاشر حين أنشد:
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
فراح المساكين المغلوب على أمرهم، يجيبون عليه بإجابات تنضح بما في نفوسهم من مرارة الحال وبؤسه، وتناسلوا الحرمان (أبا عن جد) كلا بما يتماشى مع زمنه وبيئته، فهذه عراقية تتساءل في بيت دارمي:
عيد اليمر عالناس عني آنا محظور
حتى بنهار العيد لافيني عاشور
فيما شكت أخرى بعد الحبيب وخلو محله بين الحضور في العيد، ولعل الحبيب ابن أو أخ أو زوج أو معشوق، شق البين عصاه، أو أبعدته ظروف قسرية -وما أوسع رقعتها في عراق اليوم والأمس- حيث قالت بحرقة الفاقد ولهفة المشتاق:
إلمن كحل حطيت والمن تحنيت
عيد ويلم احباب ليش انت ما جيت
فهل ياترى؟ يأتي يوم تزاح فيه مسحة الحزن هذه من أعيادنا وأيامنا، وتدخل البسمة كلماتنا وقلوبنا وبيوتنا وأبياتنا. وهل من نهاية لنفقنا المظلم يسفر فيها النور والانفراج؟ أم أن حزننا تسرب وتشرب فينا حتى أتى على التهاني والتبريكات عن آخرها!.
  ليت شعري! هل يسعى من بيدهم زمام أمور هذا البلد المعطاء، مسعى جادا بتغيير أتراح العباد الى أفراح؟ وهل يضعون نصب أعينهم مصائر الملايين من هذا الشعب فيدخلون للعيد مفهوم الفرح، كبديل قاهر للحزن؟ لاسيما وأن صناديق الاقتراع هي الحاكم -كما يدعون- منذ عقد ونصف العقد من عمر العراق والعراقيين.
 لعلي دخلت بتساؤلاتي هذه دوامة اللف والدوران دون جدوى، أو لعلي أطارد خيط دخان، أو قد خُدعت بتصريح مرشح فائز هنا أو سياسي مخضرم هناك، أو قد يكون أنفي مزكوما، وما عاد يشم رائحة شواء أصوات الناخبين على صفيح التآمر والمكر، وفي الأحوال جميعها، مر العيد الأخير على العراقيين مرور مزنة صيف، مطرها (مابلل اليمشون). ولم يمسح من الدموع إلا لماما، إذ الغائب لم يحضر، والمسافر لم يعد، والمهاجر لم يؤب، وما من جديد يبشر بعيد كبير أو صغير، يحمل بشرى التغيير في الأفق المنظور، وسيبقى العراقيون يرددون بيت أبوذيتهم:
عيد المر عليكم... مر علينه
فرح للغير لكن... مر علينه
عليك الله يطارش... مر علينه
أدز بيدك سلام وونه شجية
aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/25



كتابة تعليق لموضوع : وانقضى العيد كسابقاته
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net