صفحة الكاتب : علي علي

حوكمة مؤسساتنا
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  بين حين وآخر، يطل علينا ابتكار جهاز جديد أو آلة مستحدثة، لها تماس مباشر بجانب من جوانب يوميات الإنسان، وعادة ما يتفاعل هذا الجديد طرديا مع متطورات العصر بأشكاله المستحدثة. ففي السنوات الأخيرة على سبيل المثال، تم ابتكار الهاتف الذكي وما يوفره من خدمات تتأقلم مع متطلبات الإنسان المتحضر، لاسيما متعدد المشاغل والالتزامات.

  كذلك هناك البطاقة الذكية التي انتشرت على قدم وساق في دقائق التعاملات اليومية في كثير من دول العالم، وتعريفات الهوية الشخصية أمام المؤسسات الحكومية والأهلية، وهناك أيضا السيارة الذكية، كذلك الروبوت الذكي، وهو صيحة حديثة من صيحات توفير الخدمة للانسان، بتسخير الآلة للقيام بواجبات لم يكن يقوم بها غيره، فجاءت بتوفير الوقت والجهد والمال له.

  بالأمس القريب ابتكر أحدهم تربة من نوع خاص أطلق عليها اسم التربة الذكية، ذاك لأنها تغني عن استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية. إذ تقوم بشكل ذاتي بدور الهرمونات والمبيدات بعيدا عن المواد الكيميائية. ولا نعلم ما يأتي به الإنسان لأخيه الإنسان في المستقبل من اختراعات ذكية أخرى، تغنيه عن الكثير من المتاعب والفعاليات الجسدية والذهنية والنفسية. ولكن مع كل هذه التكنولوجيا في التسهيلات الحياتية، يبقى العنصر الأساس في إدارة هذه الأجهزة والمستلزمات هو الإنسان ذاته، فبتوجيهه السليم يتمكن من الوصول الى النتائج المجدية، والمنافع المتوخاة من هذه الاختراعات.

  هنا في عراقنا أرى أن الذكاء أول عنصر مغيب عن التفعيل والاستخدام، وإن أردنا تغيير أوضاع البلد للأحسن، يتوجب علينا إعادة تفعيله -الذكاء- في مفاصل حياتنا جميعها، أداة وأسلوبا وتفكيرا ونهجا، ليس فيما يتعلق بمواقع مسؤوليات الجهات القيادية ببلدنا فحسب، بل يشترك المواطن في الشارع والبيت والمعمل، وكذلك المنتسب لمؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية، على اختلاف وظائفهم ودرجاتها، فعلى الجميع استغلال عنصر الذكاء في كل خطوة يخطونها، لاسيما في عملهم الذي له تداعيات، تعود بالنفع العام إن أتقنه، وبالضرر العام والشامل إن أساء أو أخفق بأدائه.

  ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فإن كثيرا من العراقيين لم يسخّروا ذكاءهم إزاء ما منوط بهم من أعمال، فيما كان حريا بهم جميعا إيلاؤها الدرجة القصوى من التحلي بالذكاء، وتجييرها لصالح الخير والمصلحة العامة للبلد، لاسيما وهو يعيش وسط بلدان باتت مفاصل حياتهم كلها، تعتمد على الذكاء والأجهزة الذكية، والأخيرة هذه أضحت تحقق طفرات نوعية هائلة، في أغلب ما يحتك به المواطن مع دوائر الدولة، كذلك اختزلت كثيرا من المعرقلات والحواجز التي تثقل كاهله، فحلّ التسهيل وزهق التعقيد، واستُبدل البطء بسرعة الإنجاز، ومحقت الحداثة الرتابة والبيروقراطية في التعاملات، مع التأكيد على أن يكون هذا السياق تحت سيطرة مركزية شاملة، وهي ما يطلق عليها (الحوكمة الإلكترونية)، تحت ضوابط وسياسات وقواعد وأطر معينة، تحدد مسؤوليات مديري أقسام المؤسسة ورؤسائها، لتحقيق أهداف أعمالها بيسر وسلاسة.

  إن من المفارقات ما نسمعه من سنين مضت، عن السعي لإدخال الحوكمة الإلكترونية كأساس في هياكل مؤسسات الدولة، فالعراق بعد تحرره من كابوسه عام 2003 لم يعد مكبلا بحاكم جائر، وحكم قمعي يبطش ويفتك بالمواطن وبكل ما ينفعه، فهل نجح السعي في تأمين هذا الجانب على وجهه الأكمل؟ أم توقف عقل جهابذة التخطيط في الدولة عند مراحله الأولى! وإنه لمن المعيب أن يذهب صبر العراقيين عقودا على الدكتاتورية، وتحملهم ضغوطاتها هباءً منثورا، وأن لا يعقبه استثمار يكلله العراقيون أنفسهم، بالفوز والنجاح لصالحهم بامتياز، لا لصالح جهات وفئات منتفعة بأنانية مشوبة بالتواطؤ والولاءات المريبة، كما انتفع الذين من قبلهم.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/18



كتابة تعليق لموضوع : حوكمة مؤسساتنا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net