إن عملية ربط التراث بين عمقه التاريخي، وبعده المستقبلي، لابد ان يحيلنا إلى مراجعة ذاكرة المكان، لتجود بما يجول في مخيلتها من رجال عاصروا حركتها التطورية في كافة مهنها الشعبية، ليجعلوا من الماضي حاضرا ماثلا للعيان للآني والمستقبل، وكأن أرواحهم صارت أسفارا تحكي بهاء التراث، وعجائب تجلياته في ما يصنعه الإنسان، في حرف أمست مشاعل للاجيال القادمة...
ومن اقدم من ألفوا هذه المهن الشعبية الحاج مرتضى علي ابو القاسم التكمجي.
صدى الروضتين: هوية البداية؟
مرتضى علي ابو القاسم مواليد 1945م ابتدأت العمل في مهنة (التكمجية) منذ الصغر، كونها مهنة متوارثة لدى العائلة، فقد تعلمت من والدي الحاج ابو محمد جواد تكمجي اسرار هذه المهنة وحرفيتها في محلنا الذي كان ملكا لأبي وعمي في سوق الصفافير، حيث كنا نعمل الصب والاساس في هذا المحل، ثم ننقله الى المحل الثاني في زقاق يعرف بـ(عگد المفاليس) ليتم بعد ذلك اجراء الاعمال النهائية على القطع المصنعة، وكانت هذه الاعمال تتم يدويا، ولم تكن هناك أية (مكينة، أو كوسرة، أو دريل) او غيرها من الادوات الكهربائية التي تستعمل هذا اليوم انما كانت ادوات بسيطة، وهي (المطرقة، والمنشار، والمزرف اليدوي) والعمل كله يعتمد على يد العامل وقدراته ومهارته .
صدى الروضتين: طبيعة الاعمال المصنعة؟
الاعمال التي كنا نقوم بها كثيرة منها؛ الاختام الشخصية لمختاري المناطق، و(الجراغات) لركوب الفرس، والمرشات مثل مرشات ماء ورد وغيرها، و(الخواتيم) وهو ما يعرف باسم (الخدر)، وهو يستعمل للاشخاص الذين يستعملون الطاحونات، ولديهم خدر في ايديهم، فكانوا يلبسون هذا الخاتم فيذهب الخدر باعتقادهم فيسموه بـ(محبس الخدر)، وكذلك بعض ادوات المطبخ بالاضافة إلى بعض الاعمال التي يتم طلبها منا مثل صب (يدات المقص) وكذلك بعض الأدوات المنزلية أو الصناعية المكسورة.
صدى الروضتين: نوعية المواد المستعملة؟
المواد التي كنا نستعملها بالدرجة الاولى هي النحاس الأحمر (الصفر)، والصفر يخلط مع (توتيه) وهو ما يعرف بـ(الزنك) ليصبح نحاسا اصفر يسموه (برنج أو براص) ومن المواد التي كنا نستخدمها ايضا هي (الفافون) والالمنيوم لصناعة (الدشالي) للمكائن او اي شيء يطلب منا السوق صبه، اما القوالب كانت من مادة الرمل الموضوع ضمن قوالب مربعة الشكل، وكذلك النفط الذي كنا نستخدمه في اشعال (الكورة) التي يتم صهر المواد فيها.
صدى الروضتين: اول محل شخصي؟
لقد قمت بفتح محل شراكة في (خان ابو الدهن) الواقع في باب المشهد في شارع القبلة للامام العباس عليه السلام، بالقرب من سوق الصفافير، وهذه المنطقة كانت مليئة بـ(التكمجية، والتنكجية) بعد ذلك انتقلت الى ورشة الحاج (ابراهيم كسائي) رحمه الله، وقمت بادارة هذه الورشة، وكانت تقع قرب محطة البنزين الواقعة في شارع مغتسل الامام الحسن (عليه السلام) بعد ذلك عملت مع ابن عمي الحاج رسول، بعد ذلك انتقلت إلى الحي الصناعي بعد منعنا من العمل في داخل المدينة.
صدى الروضتين: متغيرات المهنة؟
بعد ان دخلت المعدات الحديثة اختصرت لنا الكثير من الوقت والجهد، إلا ان العمل اليدوي بالنسبة لنا كان اقل خطورة من الآلات الحديثة، فالعمل اليدوي في مهنتنا هو الأفضل، لانه يعطيك مساحة اكبر للابداع والفن في المهنة، والعامل الماهر يهتم بالعمل اليدوي اهتماما شديدا، ليظهر ابداعه فيه، كونه يشعر بأن القطعة هي جزء لا ينفصل عنه، لذلك هو يعتني بها أكثر.
صدى الروضتين: الاسعار؟
كانت الاسعار في ما مضى بسيطة، وليست كبيرة، فمثلا كان سعر الهاون 500 فلس بالجملة، وكنا نبيعه بالمفرد 750 فلس، وقد كنا نصدر العديد من هذه الاعمال خارج العراق، كون المنتوج الكربلائي يتميز بالدقة والطلب الكثيف، فقد كنا نصدّر إلى دولة السعودية الهاون، حيث يطلب منا(4000 او 5000) هاون في كل وجبة طلب، لذلك ابدأ بالعمل يوميا، حيث اكمل تقريبا (100) هاون في اليوم الواحد، واعزلها، واجمعها، واضعها في المخزن الخاص بنا في مدينة النجف الاشرف، واما بالنسبة للتعامل اليومي، فقد كان تعاملنا مع الناس قليلا مثل (الدشالي) او (يدات السكاكين) او غيرها من الامور.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat