صفحة الكاتب : جسام محمد السعيدي

تاريخ إلحاق الهمزة بلفظة كربلاء
جسام محمد السعيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  جاءت الهمزة بعد (كربلا) تأريخياً فيما بعد، ومنذ أكثر من (14) قرناً تقريباً، وما زالت تسمية (كربلا) مستعملة حتى الآن بلا همزة، ولكنها انحسرت قليلاً حيث ظلت إلى وقت قريب مستعملة من قبل الكثير من الكُتـّاب وأهاليها، وحتى الثلث الأخير من القرن العشرين الميلادي، وظل القلة في الألفية الثالثة على هذا النحو في استخدام الكلمة - وما زالوا - إذ شاعت التسمية الملحقة بها الهمزة بشكل أكثر، واكتسبت الصفة الرسمية في المكاتبات الحكومية في العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي، وربما قبله.

 أما شعراء العرب المخضرمين الذين شهدوا الإسلام بعد الجاهلية، حيث ذكر المؤرخون (الأغاني/ أبو الفرج الأصفهاني - ج12: ص63)
في ترجمة معن بن أوس المزني، وهو من هؤلاء الشعراء الذي أدرك عصر الإسلام، ورافق عبد الله بن الزبير وأصبح ملازماً له، بأنه أول من استخدم لفظ كربلاء - إثبات الهمزة - في شعره، منها قوله:
إذا هـي حــلت كـــربلاء فــلعـلعاً * فجـوز العُذيـــب دونــها فـالنــوائـحا

وربما شاعت تسمية (كربلاء) بالهمزة؛ لأنها الأسهل في الكلام العربي حين الوصل بما بعدها من اللفظ السابق الذي يكون ثقيلاً حين الوصل بما بعده ان ابتدأ بالألف، رغم أنه أخف على اللسان حين يرد وحده أو قبل كلمة لا تبتدئ بالألف.
وأضيف وصف المقدسة إلى كربلاء في الكتب والأدبيات الأخرى، بعد اشتهارها كمدينة دينية بفترة طويلة نسبياً، وربما كانت هذه الإضافة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي، وقد حاول اللانظام الطاغوتي البائد رفع هذا الوصف عنها خلال (35) عاماً، هي فترة حكمه، بين عامي (1968 - 2003م)، ربما لتصوره أنه سيتمكن من النيل من ثورتها المستمرة، والتنكيل بثوارها دون أن يؤثر ذلك إعلامياً عليه، فطبع الكتب والإصدارات الصحفية الخالية من هذا اللفظ، وتجنب الإشارة إليه في وسائل الإعلام، فضلاً عن عدم الإشارة إليه في المخاطبات الحكومية والقانونية، حتى كادت الأجيال الحالية تنساه، لولا أن عاد بأقلام وصحفيي كربلاء وأقرانهم من باقي أنحاء العراق، من الواعين لذلك الأمر، بعد سقوط ذلك اللانظام في السابع من صفر (1424هـ الموافق 9/4/2003م).
 ثم اكتسب هذا الوصف الصفة القانونية بعد فترة قليلة من ذلك التأريخ، لتحمله المحافظة ومركزها بشكل رسمي، بعد أن أراده الله تعالى لها صفة منذ عشرات القرون، ولتبقى كربلاء تلك الأرض المباركة التي أكرمها الله تعالى وزاد إلى شرفها شرفاً آخر، ربما يكون هو منشأ قدسيتها القديمة منذ عشرات القرون، وذلك حين ضمت بين جنباتها الجسد الطاهر لريحانة رسول الله (ص)، الإمام الحسين (ع) والكثير من أهل بيته وأصحابهم، وفيهم أفضلهم وهو حامل لوائه، وسنده الذي ذخره له ولتلك الساعة، والده أمير المؤمنين، ذاك هو أخوه أبو الفضل العباس (ع).
 فامتزجت تربة كربلاء مع دماء العترة الطاهرة من آل الرسول الأعظم (ص)، وانعكست هذه الوجودات الطاهرة على أرضها، بركة وعلماً وعيشاً رغيداً ومستقبلاً تنبأت به الروايات الدينية لها في الدنيا، حين ظهور دولة العدل الإلهي بقيادة الإمام المهدي (ع) الذي سيجعل من أخذ الثأر من قتلة جده الإمام الحسين (ع) شعاراً للبدء في تحرير العالم من كل الطغاة وأتباعهم، ولتتبوأ كربلاء بعد معارك التحرير العالمي في تلك الدولة موقع الصدارة، وتصبح جزءاً من عاصمتها العالمية؛ بسبب العمران الذي سيجعلها متصلة بالكوفة (عاصمة الدولة العالمية المستقبلية) جنوباً، كما يُفهم من الرواية التالية التي يسأل فيها أحد الصحابة أحد المعصومين (ع)، عن بعض ما سيجري في تلك الفترة قائلاً: (يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال: إي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع خطة من خطط همدان، وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلاً، وليجاورن قصورها كربلا، وليصيرن الله كربلاء معقلاً ومقاماً تختلف فيه الملائكة والمؤمنون، وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة) (بحار الأنوار: العلامة المجلسي/ ج 35/ ص9).
 أما مستقبل كربلاء في الآخرة فتذكره إحدى الروايات - التي أوردنا جزءاً منها في موضع سابق -، حيث نقرأ في (كامل الزيارات/ جعفر بن محمد بن قولويه: ص451، وبهامشها: عنه البحار 101 : 108، الوسائل 14 : 515، المستدرك 10 : 323. رواه أبو سعيد العصفري في أصله: 17 (ضمن الأصول الستة عشر):
اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وإذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رُفعت كما هي بتربتها نورانية صافية، فجُعلت في أفضل روضةٍ من رياض الجنة، وأفضل مسكنٍ في الجنة، لا يسكنها إلا النبيون والمرسلون - أو قال: أولو العزم من الرسل - وأنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض، يغشي نورها أبصار أهل الجنة جميعاً، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة التي تضمنت سيد الشهداء، وسيد شباب أهل الجنة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جسام محمد السعيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/21



كتابة تعليق لموضوع : تاريخ إلحاق الهمزة بلفظة كربلاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net