قال تعالى
(وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269
إذا كنا نختلف حول تعريف الحكمة فإنه سيظل بالإمكان تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها ، وهي على ما يبدو لي ثلاثة : الذكاء ، والمعرفة ، والإرادة ؛ فالذكاء اللماح ، والمعرفة الواسعة ، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً : (الحكمة) ، وعلى مقدار كمال هذه العناصر يكون كمالها .
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة .
ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة ، وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق .
الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ، والمعرفة الواسعة كسب شخصي ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛
والمعرفة مهما كانت واسعة لا تعدو أن تكون إحدى مكوّنات (الحكمة) ، ومن ثم : فإن هناك فارقاً بين العالِم والحكيم .
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مسافات كثيرة ، أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تندك فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل .
العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب!
العلماء كثر ، والحكماء نادرون...
.
والحكمة تقول ( العاقل من يستفاد من خطئه .. والحكيم الذي يستفاد من أخطاء الآخرين ) ورغم جميع العبر والتجارب ،بيد أن البعض يبقون أسرى عنجهيتهم ويصرون على عدم الاستفادة من التجارب ولعل مثل القيادات العراقية المتعاقبة على حكم العراق خير دليل على حديثنا هذا فبرغم تكرر التجارب القاسية والفاشلة لتلك الحكومات ألا أن عدم الاستفادة منها أصبح عرفاً متوارث يدفع ضريبته الشعب العراقي هدراً للدماء والأموال ! وحديث الحكومة عن زيادة أعداد العسكر لغرض فرض الأمن طامة ً كبرى فهي تجربة مستنسخة من النظام السابق لم تعود على الشعب العراقي ألا بالدمار وعدم الاستقرار فالأمن ليس امن العسكر بل امن الشعب والشعوب عندما تشعر بأن الحكومة راعية لمصالح أبناءها يصبح الأمن مسئولية الجميع واقعاً وليس شعارا وكما قال الشاعر:
( أذا لم يكن للمرء في دولة امرؤ نصيباً ولاحظاً تمنى زوالها).
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat