شرح الفقرة رقم(4) من المعاهدة
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي
![](images/warning.png)
قوله(عليه السلام): ((فيشتغل ألف ألف ملك يعطى كل ملك منهم قوة ألف ألف كاتب في سرعة الكتابة، ويوكل بالإستغفار لك ألف ألف ملك يعطى كل منهم قوة ألف ألف مستغفر)).
قبل بيان أصناف الملائكة وكثرتهم، وطبيعتها وأشكالها، وحالاتها، وعصمتها، ومهماتها، وكيفية انشغال الملائكة بالتسبيح والتهليل، وتصوير تلك القوة التي وصفوا بها من حيث السرعة في عملية الكتابة والتدوين في صحيفة أعمال القارئ لدعاء العشرات، وغيره من الأعمال الصالحة، ينبغى أن يشار إلى أهميّة الإعتقاد والإيمان بها، وذكر بعض النصوص القرآنيّة والأحاديث الشريفة، والخطب والأدعيّة التي ذكرت هذه المعاني والأوصاف التي ذكرت للملائكة الحفظة .
الملائكة: هم أجسام لطيفة مثاليّة نوارنيّة غيبيّة تتشكل باشكال مختلفة، والإيمان بها ركن وأساس في الشريعة الإسلاميّة، وإنَّ معاداتها هي معاداة لله تعالى كما في قوله تعالى: ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لله وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [ سورة البقرة/ الآية: 98].
وفي المعتقدات المسيحيّة:( هم ــــــ الملائكة ــــــ أرواح مسخرون للخدمة يرسلون من أجل خير الذين يرثون الخلاص، اليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص)(1).
ومما ينبغي الإشارة إليه أيضّاً في هذه الأسطر لأصحاب الفكر المادي الذين يرون أن الحياة والوجود بلا فائدة، هؤلاء الذين لا يؤمنون بالغيب، المنكرون للاشياء بمجرد عدم مشاهدتها، إلاَّ ما استثنوه في ورشهم المختبريّة وتجاربهم العلميّة، فلو فكروا بطريقة سليمة وحاكموا أفكارهم، وجعلوها في مقياس العقل لوجدوا أن الكثير من التقلبات الموجودة في حياتهم التي يتعاملون معها، ويعتقدون بوجودها فلا يرونها، ولا ينكرونها، ولم تقع تحت تأثير الحواس الخمس كما هو الحال في العقل البشري البسيط، والتموجات الصوتيّة، والتيار الكهربائي وغيره .
ومن الحقائق الثابتة أن الملائكة هي أكثر من الجن والأنس عدداً، ولا يعلم كثرتها واحصائها إلاَّ الله تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[ سورة المدثر/ الآية: 31]، كما أن قدراتهم وأعمارهم وأجناسهم وأصنافهم تفوق قدرات عالمي الجن والإنس، وكذلك الحال في تدابيرهم ومسؤولياتهم المختلفة والمتنوعة فبعضهم موكل بالإنسان، وبعض بالنبات، والآخر في البحار، وقسم بالرعد والزلازل والرياح وغير ذلك مما يعجر الوصف، ومن يطالع خطب الإمام علي (عليه السلام) والأخبار، وأدعية الإمام علي بن الحسين في الصحيفة لوجد الكثير من الأوصاف والأصناف. نذكر منها على نحو الإجمال ونوكل للقارئ العزيز مراجعة تلك النصوص .
منها: ما ورد ذكره في وصف أحوال الملائكة في خطب الإمام علي (عليه السلام): ( ثم فتق ما بين السماوات العلا . فملأهن أطواراً من ملائكته منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون ومسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر(2).
منها: ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته . وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته خلقاً بديعاً من ملائكته ملأبه مفروج فجاجها، وحشى به مفتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيج الذي تستكمنه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها. فتقف خاسئة على حدودها. أنشأهم على صور مختلفات وأقدار متفاوتات. أولي أجنحة تسبح جلال عزته لاينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته، ولايدعون أنهم يخلقون شيئاً مما انفرد به. بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.....وليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلاَّ وعليه ملك ساجد، أو ساع حافد. يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً، وتزداد عزة ربهم فيقلوبه معظماً(3).
منها: قال إمامُ العابدين وسيّد الساجدين في وصف حملة العرش والملائكة المقرّبين: (الذين لايفتُرُون من تسبيحك، ولايستَحسِرُون من عبادتك، ولايؤثِرون التقصير على الجدّ فيأمرك، ولايغفُلُون عن الوَلَهِ إليك)(4).
منها: عن داود الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ما خلق الله خلقا أكثر من الملائكة، وانه ينزل من السماء كل مساء سبعون الف ملك يطوفون بالبيت الحرام ليلتهم، حتى إذا طلع الفجر انصرفوا إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فيسلمون عليه، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فيسلمون عليه، ثم يأتون قبر الحسين (عليه السلام) فيسلمون عليه، ثم يعرجون إلى السماء قبل ان تطلع الشمس، ثم تنزل ملائكة النهار سبعون الف ملك، فيطوفون بالبيت الحرام نهارهم، حتى إذا غربت الشمس انصرفوا إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيسلمون عليه، ثم يأتون قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) فيسلمون عليه، ثم يأتون قبر الحسين (عليه السلام) فيسلمون عليه، ثم يعرجون إلى السماء قبل ان تغيب الشمس (5).
منها: عن حمّاد بن عيسى ( عليه رضوان الله ): سأل رجل أبا عبد الله ( عليه السلام) فقال: الملائكة أكثر أم بنو آدم؟ فقال ( عليه السلام): والذي نفسي بيده الملائكة في السماوات أكثر من التراب في الأرض، وما في السماء موضع قدم إِلاَّ وفيه ملك يسبّح الله ويقدّسه، وما في الأرض شجرة ولا عودة إلاّ وفيه ملك موكّل يأتي الله بعلمها وهو أعلم بها، وما منهم أحد إِلاَّ ويتقرّب بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبّينا ويلعن أعدائنا ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب إرسالاً)(6).
منها: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (إن في الجنة نهراً يغتمس فيه جبرئيل (عليه السلام) كل غداة ثم يخرج منه فينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقطر منه ملكاً)(7).
منها: ما نقله العلاَّمة فخر الدين الرازي في التفسير حيث روى عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه (وآله) وسلم): ( أن بني آدم عشر الجن، والجن وبنو آدم عشر حيوانات البر، وهؤلاء كلهم عشر الطيور، وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحر، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين بها، وكل هؤلاء عشر ملائكة سماء الدنيا، وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثالثة، وعلى هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل، ثم كل هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد من سرادقات العرش التي عددها ستمائة ألف، طول كل سرادق وعرضه وسمكه إذا قوبلت به السماوات والأرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئاً يسيراً وقدراً صغيراً، وما من مقدار موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ثم كل هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر ولا يعلم عددهم إلا الله . ثم مع هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل (عليه السلام)، والملائكة الذين هم جنود جبريل (عليه السلام)، وهم كلهم سامعون مطيعون لا يفترون مشتغلون بعبادته (جل جلاله) . رطاب الألسن بذكره وتعظيمه يتسابقون في ذلك مذ خلقهم، لا يستكبرون عن عبادته آناء الليل والنهار ولا يسأمون، لا يحصى أجناسهم ولا مدة أعمارهم ولا كيفية عبادتهم إلا الله تعالى، وهذا تحقيق حقيقة ملكوته (جل جلاله) على ما قال: (وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [سورة المدثر/ الآية : 31 ] )(8).
المصادر
[1] رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين1:14، تفسير أصحاح 1 من رسالة العبرانيين للقمص تادرس يعقوب(عب1:14)، تفسير أصحاح 1 من رسالة العبرانيين للقس أنطونيوس فكري (عب : 14).
[2] من خطبة له ( عليه السلام) يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم (عليه السلام) نهج البلاغة: ج1، ص 19.
[3] مصدر سابق، ص 173 المعروفة بخطبة الإشباح .
[4] الصحيفة السجاديّة الكاملة ( دعاؤه (عليه السلام) في الصلاة على حملة العرش ): 40 .
[5] جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات، ص ٢٢٤.
[6] المجلسي؛ بحار الأنوار: ج24، ص210.
[7] الكليني؛ محمد بن يعقوب، الكافي: ج8، 272.
[8] الرازي؛ تفسير الرازي: ج2، ص 161.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat