جلس الأسمر النحيل في عرشه، ملأ رئتيه بالهواء وزفره ببطء، وقلبه يتلمظ بالشماتة، أربد وجهه واكفهر.
تعلوه معاني الحزن والفرح.
انسابت الدموع من مقلتيه، وهو يقلب بين اصابعه الرشيقة كتاباً وصله للتو من المدنية..!
اخفى تلك المشاعر المضطربة التي تتماوج على وجهه، ها هو يبتلع ذلك الشجى المعترض في حلقه.
ها هو سيد العلويين وإمامهم يلفظ أنفاسه الأخيرة، لطالما مزق اثواب الكرى من عينه، وحرمه لذيذ العيش والنعيم، كالكابوس الرابض على قلبه، ذلك الذي يحظى بمكانة متميزة بين المذاهب المختلفة، ويوقره الكبير والصغير.
انتفض كالأسد في عرينه، منتشياً بلذة النصر، نادى أحد زبانيته، ثم رمى بنفسه وغرق في فراشه الوثير، أرخى حاجبه، تمتم بكلمات:
- انظروا لمن أوصى فقدموه واضربوا عنقه.
كواسر تمزق بأنيابها فرح مقتله، حتى هو ميْت يخيفه، يرعبه، ذلك الرجل الذي انحلته العبادة، ذكره يزلزل نفسه، يذوي نشوة النصر، وما زال وصيه من بعده يقظ مضجعه، وسنابك خيول الشيطان توقد جمرة العداء في داخله، فلا يهدأ ولا يستكين، حتى يأتيه خبر مقتل الوصي.
طال الأمر، انتشل جسده الطويل النحيل من على عرشه، وسحنته منقبضة والكآبة معانقة لنفسه.
جاءه صوت لاهث:
- مولاي الأمير، لقد أوصى لخمسة..!
استوى جالساً يزم شفتيه:
- ويحك من هم؟!
تحول وجهه الى صحراء قاحلة، وتلجلج الكلام في لسانه وارتج عليه.
- أعطني الكتاب.
بدأت اخيلة الظلمة تتماوج أمامه وهو يقرأ أسماء الخمسة:
ابو جعفر المنصور، محمد بن سليمان، عبد الله الأفطح، موسى بن جعفر، وحميدة.
رمى الكتاب وألسنة اللهب تتطاير من عينه، فمالِ لقتل هؤلاء من سبيل، كيف وهو أولهم..!
وهناك جلس أبو حمزة الثمالي والحزن يغرس مخالبه في قلبه، ودموعه تنساب بلا هو هوادة، وهو يبين لأتباع الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) سر الوصية: الحمد لله الذي هدانا إلى الهدى وبيّن لنا عيوب الكبير, ودلّنا على الصغير, وأخفى عن أمر عظيم.
فأنّا لنا مثل جعفر بن محمد..!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat