صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

المصالحة الفلسطينية واقعٌ أم سراب
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 هل يجب على الفلسطينيين أن يصدقوا هذه المرة قادتهم والمتحدثين باسمهم، الجاثمين على صدورهم والرابضين في مواقعهم، والمتمسكين بمناصبهم، والخائفين على وظائفهم، والساعين لمصالحهم، ممن لا يهمهم الوطن، ولا يعنيهم الشعب، إذ لا يحسون بمعاناتهم، ولا يشعرون بألمهم، ولا يشكون مثلهم، ولا يصطفون طوابير كأهلهم، ولا تعتم بيوتهم وتتوقف أجهزتهم، ممن يتشدقون بالمصالحة، ويدعون التوافق، ويعلنون دوماً التوصل إلى نهاية سعيدة لأحزان الشعب المعنى والوطن المقطع الأوصال، دون أن يكون لديهم اليقين بتمام التوصل إلى اتفاق نهائي، يحل المشاكل ويتجاوز العقبات، ويكون في حقيقته اتفاقاً ناجزاً مختلفاً عما سبقه، ومغايراً عما اعتاد عليه المواطنون الفلسطينيون، وأنه واقعٌ لا سراب، وحقيقةٌ لا خيال.
 
ما الذي اختلف هذه المرة حتى يصدق الشعب ويؤمن الفلسطينيون بأن اليوم ليس كالأمس، وأن الحوار هذه المرة جديي وصادق، وأن نتيجة الجدل القائم، واللقاءات المتكررة، والزيارات المكوكية، ستكون مختلفة عن القاهرة بكل طبعاتها، ومختلفة عن مكة ودكار ودمشق والدوحة، فما الذي اختلف وما الذي استجد، ولماذا يلزم الشعب بأن يصدق ويبني آمالاً على هذه المرة، ويعتقد أن ما مضى لن يعود، وأن ما كان لن يتكرر، وأن الفشل لن يعرف طريقه من جديدٍ لهذا الاتفاق، لأنه مغايرٌ ومختلف ظرفاً وزماناً، رغم أنه متشابهٌ ومتكررٌ مكاناً، الحقيقة ألا شئ يشجعه على التصديق والإيمان بأن ما سيحمله يوم العشرين من الشهر الجاري سيكون بلسم الجراح، ونهاية الآلام، وخاتمة الأحزان، وأنه ستأتي حكومة توافقية، يتآلف أعضاؤها لخدمة الشعب، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، والنهوض بشؤون البلاد، وسيتضامنون معاً إلى جانب القوى والأحزاب للخروج من الأزمة التي طال أمدها، واستعصت حلولها، وتفاقمت مفاعيلها، وسيلتفتون إلى المستقبل الخطر الذي يكشر فيه الإسرائيليون عن أنيابهم مصادرةً للأراضي، وتوسعةً للمستوطنات، واعتداءاً على المقدسات، واعتقالاً لمزيدٍ من المواطنين.
 
فهل ستنجح الحكومة التوافقية العتيدة فعلاً برئاسة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في تفعيل لجنة الانتخابات، والانتهاء من وضع القوائم الانتخابية، والتحضير لإجراء انتخاباتٍ تشريعية وأخرى للمجلس الوطني الفلسطيني، وستنتج صيغةً توافقية تجري على أساسها الانتخابات، في كل المحافظات الفلسطينية بما فيها مدينة القدس، بما يحقق العدالة في التوزيع، والشمولية في التمثيل.
 
وهل سيقوم أطراف الأزمة بتسهيل عقد دورة استثنائية للمجلس التشريعي الفلسطيني، ليساهم بدوره في تذليل العقبات وحل المشاكل، وتيسير عمل مختلف اللجان المشكلة إلى جانب الحكومة العتيدة، التي ستكون مهمتها "إخراج الزير من البير"، وتبييض كل صفحات الانقسام والاختلاف السابقة، إعادةً للحقوق، وإرضاءً للنفوس، وتمكيناً من العمل وإعادةً للموظفين، ومنحاً لرواتب المحرومين، وعودةً للهاربين والفارين، وإصداراً لجوازات الممنوعين والمعاقبين، وغيرها الكثير مما تحمله أجندة المواطن الفلسطيني البسيط.
 
هل ذابت المشاكل العالقة، وهل زالت العقبات المستعصية، أم يئس المفاوضون، وتعب المحاورون، وأصبح عليهم لزاماً أن يأخذوا قسطاً من الراحة، يستريحون فيه من عناء الضغط والمتابعة، ومن حرج السؤال والملاحقة، خاصةً أن الشعب الفلسطيني قد مل التأجيل، وعاف الفشل، ويئس من الحل، وبات يهدد بالثورة والخروج إلى الشوارع والميادين شأنه شأن أي شعبٍ عربيٍ آخر ثار وانتفض، وهو السباق في ميدان الثورة، والأول في مضمار الانتفاضة، والأقدر على التضحية والفداء، وليس أقدر منه شعبٌ على الصبر والثبات والتضحية والفداء، ولعله يعرف أهدافه، ويدرك مشاكله، ويعرف أين تكمن الصعاب، ومن الذي يضع العقبات ويحول دون الاتفاق تأخيراً أو إعاقة، ومن الذي يسعى بصدقٍ، ومن الذي يحاول تمرير الوقت واجتياز المراحل، ولن يرحم التاريخ رجالاً كانوا عنواناً للانقسام وعلامةً فارقة للاختلاف، في الوقت الذي كانت فيه كل الأهداف بينة، وكل وسائل الاتفاق معروفة، ولكن النأي كان لهدف، والالتفات كان لغاية، والتأجيل كان لانتظار غيبٍ قد يحدث ومعجزةٍ قد تقع.
 
أم أن هناك أطرافاً خارجية وتدخلاتٍ دولية، وتغييراتٍ إقليمية أملت على الأطراف أن يتفقوا، وأجبرتهم على أن يتصالحوا، وأنبأت الجميع بأن السنوات القليلة القادمة مسخرة للقضايا الداخلية، وحل الأزمات الوطنية، وإثبات نجاح الثورات، وتصحيح المسارات، ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الحقوق والمهربات، والالتفات إلى هموم الشعب الملحة في رغيف الخبز واسطوانة الغاز والوقود وآفاق العمل ومحاربة البطالة وحل مشاكل العشوائيات وإيجاد مساكن كريمة وملائمة، وغيرها من الاستحقاقات الداخلية التي تصرف النظر عن كل قضية خارجية مهما عظمت، وتلفت الانتباه عن كل مسألةٍ أخرى مهما كانت أولويتها وضروريتها، فلا أولوية لغير القضايا الوطنية، ولا تقديم للعام على الخاص، ولا اهتمام بالخارج على حساب الداخل، ولا مكان للإيثار وتفضيل الغير على الذات، ولا مخاطرة بمستقبلٍ قد لا يجود الزمان بمثله، ولا تكرر الأيام شبيهه.
 
على المفاوضين أن يدركوا أن هذه هي فرصتهم الأخيرة، وأن عليهم أن يصدقوا ثورة الشعب وتهديده، وأن يدركوا أن الفرصة المتاحة أمامهم هذه المرة لن تتكرر، فلم يعد لدى الشعب المعنى أي فرصةٍ للصبر، ولن يقبل أن يكون محطاً للسخرية والتهكم، وأن يكون حقلاً للتجارب والأهواء، ومجالاً للمناورات والانقلابات، فهو وإن كان لسانه حاله يقول "كيف أصدقك وهذا أثر فأسك"، فإنه في الوقت نفسه قد أخرج سهمه من كنانته وبراه، ووضعه على القوس وشد وتره، محذراً أنه لن يقبل هذه المرة أن يكون محلاً للسخرية والتهكم، وأنه لن يقبل أن يعبث أحدٌ بمشاعره وأحاسيسه، وأن يخدعه ويضلله، فقد مل الاستعداد للاحتفالات، وفسدت عنده أدوات الزينة التي أعدها وجهزها أكثر من مرة للاحتفاء بالاتفاق، وبهتت الكلمات التي كان يتهيأ لتريديها، والأغاني الذي كان يستعد للتدريب عليها، فهذه الفرصة هي الأخيرة، وهذه المحاولة هي النهاية، فإما صلحاً يكيد الأعداء، أو خلافاً يكشف الحقائق ويفضح العابثين والمتآمرين، فمن كان صادقاً فليمض، ومن كان لاعباً مخادعاً فليحذر،  فإن السهام التي انبرت، قد تغادر قوسها وتصيب كل من ظن أنه ناجٍ بألاعيبه، وفائزٌ بخداعه، وويلٌ لقائدٍ يغدر بشعبه ويكذب على أهله، ويسوقهم إلى الخراب ويوردهم بالخلاف موارد الهلاك.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/13



كتابة تعليق لموضوع : المصالحة الفلسطينية واقعٌ أم سراب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net