أسباب نشأة الثورة الحسينية، للشيخ حسين اسماعيل
انعام حميد الحجية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
انعام حميد الحجية
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من مقدمات التفاعل النصي (المتعاليات النصية) ثمة سعي للتفاعل الفكري مع النص الأول لوجود المرتكز الفكري، تفاعلنا وتكييفنا للخروج بالنص الثاني تفاعلا روحيا مع الإقرار بهوية الإبداع لمبدع النص الأول، لكون أغلب ما يكتب عن واقعة الطف الحسيني يأخذ أشكالا نمطية تستعمل الجمل الجاهزة والمكرورة، وكأننا عجزنا عن استيعاب مفاهيم الطف المتنامية واشتغلنا على المدون الموروث قبل قرون صرنا نكرر الواقعة دون أن نجد ونجتهد ونكتشف انعكاسات الواقعة على الوعي الإنساني ونحن ندرك أن من أولى شؤون دراسة الواقعة المباركة هي الإيمان بعصمة الحسين، العصمة التي نتحدث عنها كثيرا دون أن نفكر في معطياتها، أقيمت مؤتمرات علمية لدراسة إمكانيات القيادة العسكرية للواقعة المباركة، الحسين لم يكن قائدا عسكريا ليحاسب ضمن الأكاديميات الحربية عصمته الربانية أكبر من أن ننسبه لمدرسة أو حساب، بل أرى على الأكاديميات هي التي تتعلم من مواهب الحكمة أثرها الإنساني, أهل الفكر اليوم ينظرون للثورة الحسينية بأطر السياسة والزعامة والكراسي دون أن يتأملوا بوعي اتجاه ما حدث وآل أمية هيمنوا على مصدر قرار الأمة وصاروا يمثلون الخلافة باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم بلا ورع يقيهم الجريمة، لا بد للكتابة اليوم أن يكون لها دور كبير في دراسة الثورة واهدافها، وما هي نتائج القعود عنها؟ وهذا لا يمكن أن يحدث دون الإيمان بنهضتها ودورها، والبحث عن وعي المجتمعات بهذه الثورة المعطاءة، وهل هذا الوعي روتيني مكتسب وراثيا؟ أم ناتج وعي الإنسان؟
الجميع يؤمن بان الثورة الحسينية تعني التغيير، هذا التغيير لا يشمل الفترة الزمنية التي عاشتها النهضة وإنما انعكاساتها على حركة التأريخ، أمام سطوة كل حكومة جور هناك نهضة طف، وهذا ليس ضمن الشعارات والكلام المكرور، وإنما هو إيمان بأن النهضة كانت تمثل كل الأجيال عبر قرون من الأزمة، وهذا التحليل لو لم يكن حقيقة لما بقى الحسين عبر ذاكرة الاجيال، ولا اعتبرت نهضته ضمن سجل الانقلابات والثورات والحركات التي حدثت ومر ذكرها دون أن تستوقف أحد ،والإيمان بعصمة الحسين عليه السلام هو الإيمان بارتباطها الرسالي، فلا نقف عند نظريات التحليل السياسي التي عمل أغلبها لتحريض الثورة، أو خداع الناس عن الفهم الصحيح، ولأن الواقعة حية ويافعة ولها مؤثرات على جميع الجوانب الحياتية، وأي قراءة لا تؤمن بعصمة الحسين عليه السلام تسهل عليه زحزحة الفكرة، البعض يربطها بالصراع القبلي، التركيز على هذا الصراع يجعل الثورة مجرد صراع بين عشيرتين، أي بمعنى ليس هناك إصلاح وثورة إصلاح ولا هناك بعد ديني، هذا هو التحريف، وهذا يعني ان النبوة أيضا كانت ضمن منهجية هذا الصراع القبلي، أي نكران لقيمة الطف الإصلاحية هو تحريف لدور الثورة، واعتبار أن النبوة كانت مجرد قوة تعزيزية لدور بني هاشم في مواجهة بني أمية، أسباب هذه النظرة هي قراءة خاطئة تستوحي الفكرة من تفكير يزيد الانتقامي وقادته وهتاف (ليت اشياخي ببدر) هو الانحراف عن الإسلام، وهذا الانحراف لا يمثل حقيقة الصراع، إنما يمثل انحراف الحاكم عن معنى الخلافة.
لماذا اعتبروه صراعا بين عشيرتين لم لا يعتبر صراعا بين دينين، الاستشهاد بكلام يزيد، وبناء الاحكام التحليلية عليه، هو التيه والتياه وعدم جدية البحث عن الحقيقة، وإنما السعي للجاهز الفكري المعلب أمويا، فما الذي يريدونه من يزيد مثلا، أن يقر لهم أنه اشتغل ضد الدين وأن يعلن الأسباب الرئيسية لكرهه للحسين عليه السلام، بينما الحسين يفكر بأبعاد أكبر من وجود يزيد نفسه، لا تهمه الأسماء والعروش، القضية محاربة الجور والعودة بالناس إلى الدين الصحيح، ومشكلة أهل البحث أنهم حللوا خطاب يزيد ولم يحللوا خطاب الحسين عليه سلام الله، ليضعوه بمواجهة خطاب يزيد، وهذا سعي معلوم لسلب الدين عن الواقعة الحسينية المباركة، بل يقرأ البعض بان الدين هو الذي يغذي الروح القبلية، أي حرب تشن اليوم ضد مفهوم نهضة الحسين هي محاربة الوعي النهضوي الاصلاحي، وينظر البعض الآخر إلى مضمون النهضة كانت من أجل الحكم والسلطة، هذا الأمر يحدد مرتكزات الصراع هو السلطة، القضية قضية الإيمان بعصمة الحسين عليه السلام، إذا فقدنا الإيمان بالعصمة صرنا نحلل كل شيء تبعا لنظر السلطة نفسها، نحتاج إلى سؤال يعدل هذه النظرة المائلة ،:ـ من هو صاحب الحكم الشرعي الحسين أم يزيد؟
هم صورا لنا الحسين ع وكأنه ينازع الخليفة الشرعي على عرشه، وهو من اوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الخلفاء والقادة من بعده على الامة، بعض الكتاب يصورون لنا الحسين عليه السلام وكأنه يجهل واقع الامة، وواقع أهل الكوفة، يبقى هناك سؤال سيبقى يافعا أمد الدهر: ـ ماذا لو لم يستجب الحسين عليه السلام لأهل الكوفة؟
لصار خونة الأمة اليوم قادة ثورة خذلها الحسين عليه السلام، فمن يحمل العصمة الإلهية يمتلك الوعي
والدراية، وألا الكثير من أهل الشأن نصحوا الحسين عليه السلام بعدم الذهاب إلى الكوفة وحذروه من أهلها، كان الإمام علي عليه السلام على علم بالكوفة وأهلها ـ أنا أجد حتى التفسير السلبي لبعض المؤرخين هو يصب لصالح الحسين ليس العيب في النهضة بل العيب بمن خاف وتقاعس بعد أن ناصر الحسين عليه السلام، وهذا التفسير يصطدم بحقائق مهمة، أرى أن انكسار المجتمع نفسيا بسبب تعسف السلطات يجعله يحلم بالثورة، وهذا التفسير كان قريبا عن الحسين عليه السلام، إنهم يريدون أن يثور لهم، بهذا ندرك أن واقع الانكسار ليس الحسين ولله الحمد، بل كان المجتمع سلما يرتقي عليه أهل الحقد والنتيجة الحقيقية لهذا الانكسار هو الحقد الذي تجاوز القتل، إذا فرضنا أن الحسين لا يعلم قبل بداية التحرك فهو علم بعد مقتل مسلم بن عقيل ورسوله الثاني مسهر بن قيس الصيداوي، والأخبار التي وصلته من أهل الكوفة واللقاء بالشاعر الفرزدق، كل هذه الأخبار لها صلة واقعية بنبوءات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، البعض يترك مواضيع مهمة لكونها لا تروق له أو تفضح خبايا الانتماء المنحرف مثلا الإصرار الحسيني على عدم البيعة ليزيد، أي عدم إعطاءه الشرعية التي تجعله يتمتع بالخلافة بصورة شرعية، بعض المفسرين انطلق في رؤية الصراع من الموازين الاخلاقية والوجدانية، لو تأملنا في قول الحسين (ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة) خطاب لا يقف عند حدود يزيد وإنما يتسع إلى أبعد منه ليشمل جميع الذين كاتبوه ولم ينصروه، فماذا تعني دعوته ثم خذلانه، فهو مقتول أن استجاب ومقتول أن أبى، وثورة الحسين عليه السلام تنبع من مسؤوليات أعلى وأكبر تسمو على العواطف والمشاعر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat