صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

سياحة في كتاب/شاعرات العراق المعاصرات/للدكتور سلمان هادي آل طعمة
علي حسين الخباز

   
 في ندوة نسوية أكاديمية طرح موضوع ندرة السيّر الذاتية والغيرية بالأدب النسوي العراقي ،وبحثت المحاضرة عن أسباب هذا الانكفاء ، وهذا الأمر جذبني نحو دراسة كتبها الأستاذ الأديب (حسن عبد الأمير) في مقدمة لكتاب (شاعرات العراق المعاصرات) للدكتور سلمان هادي آل طعمة، وكان محاولة لإيقاظ المجتمع و تنبيهه إلى الإهتمام بالأدب النسوي والثقافة النسوية وتسخير هذا الأدب لخدمة الثقافة والإنسان ، 

ذكر الأديب (حسن عبد الأمير) القضية بشكل أكثر جدية ،يقول قرأت أعداد من مجلة لغة العرب وكان يصدرها (انستاس ماري الكرملي ) الصادرة قبل وبعد الحرب العظمى الأولى فلم اعثر على اسم امرأة عراقية ، أدركت حينها معنى الكابوس ،بينما الصوت النسوي العراقي له مكانًا مهمًا في الأدب العامي( الشعبي) وعندنا نهضة أدبية نسوية كبيرة، وهذين المحورين يؤكدان أهمية مشروع الأستاذ (سلمان هادي آل طعمة) ومدى تأثيره علي الملاكات الثقافية والأدبية النسوية، أنا لا أبحث في جولتي عن مقدار الشهرة التي حققها الكتاب أو الصدى، لكوني أرى أن هذا الكتاب يعد وثيقة تاريخية راهنت على مستقبل الصوت النسوي وجوهر المقدمة  تعبير عن اهتمامه بجدية هذا المشروع الثقافي ، عرف لنا المؤلف ( شاب طموح في مراحله الأولى من الدراسة دفعه شغفه للأدب أن يدرس شاعرات العراق ، ويقدم عنهن دراسة،
بدأ الكتاب بالشاعرة (صبرية الحسو) فقدم لنا الأستاذ سلمان هادي آل طعمة بعض المجسات النقدية المهمة، رسم لنا ملامح البيئة والنشأة وعراقة الأصل ليمنحنا إمكانية هذه الرؤى على رقة الشعر وعذوبته ،وسلط الضوء على شهرة المنجز ، قدم لنا سيرتها الحياتية باعتبار ان الحالة الاجتماعية للشاعرة من الأمور المهمة،
أي بمعنى ان التجربة الشعرية ترتبط بالحياة، ارتباطًا شديدّا وتتفاعل مع معطيات النشأة والتأثير، فاليتم قادها إلى العزلة التي قادتها إلى المطالعة ،والسؤال المهم الذي تثيره القراءة هل الحرمان من يتم وفقر ومعاناة لها القدرة على الإبداع، ومن المؤكد تفرز مرحلة التأثير ما يتوائم مع المدركات الشعورية ، والتشخيص النقدي يرى في شعرها ازدحام الصور الشعرية والموسيقى الارتكازية العميقة
(يئست فضج باعماقيه
حنين واضرم اشواقيه
وصوت يردد في غمرة
ويحرق اشواقي الباقيه)
استشهد بالكثير من قصائدها الشعرية المتنوعة الوجدانية والإجتماعية والسياسية،
وقدم السيرة الذاتية للشاعرة( أم نزار الملائكة)، وهي والدة الشاعرة نازك الملائكة فكان التعريف على محورين الأول أثر البيئة على الشاعرة، البيئة التي تهتم بالأبداع سيؤدي هذا الإهتمام إلى تنمية الإبداع ، فولدت هذه الشاعرة في عائلة وعاشت في بيئة شعرية وعلاقتها مع صالات الأدبية كانت عامرة فتأثرت بالأدب الأندلسي وزوجها الشاعر صادق الملائكة أما المحور الثاني فهو محور المعاناة كانت معاناتها مع المرض ويبدو إن للمعاناة أثرًا نفسي يمنح القدرة الإبداعية على العطاء فذهبت إلى لندن إلى العلاج، وماتت هناك فيها ودفنت في مقابر المسلمين، أما الرؤية النقدية فهي متأثرة بشعراء الديباجة أمثال المتنبي وأبي تمام والشريف الرضي ولها قصائد وطنية وإنسانية رائعة
رددي نغمة العلا والخلود
في ديار الأسرار أرض الجدود
رددي في ذرى الفخاري نشيدًا
إن لحن الفخار فخر نشيدي
رددي لحن البقاء لحن الأماني 
انت أول الشادين بالتغريد
جددي نغمة لقد طالما سر
نا على وقعها لفتح جديد
ونازك الملائكة هي ابنة عائلة شعرية ،ويبدو أن المحور الثاني الألم والمعاناة كان ينمو فيها بشكل آخر ، امرأة تستهوي العزلة فهي تشعر بوجود إنعدام توازن بين رغباتها والواقع المرير ،وبين المدينة الفاضلة التي في رأسها والواقع
حدثني المؤلف (سلمان هادي آل طعمة ) عن التزامها فقد قبلت أن تعطي حوارًا لكنها رفضت أن تعطي صورة الا بأذن زوجها، وهذا ينم عن الإلتزام واحترام لحياتها الأسرية 
الشاعرة نازك الملائكة درست مختلف العلوم والفنون والآداب والفلسفة وأعجبت في الفيلسوف شوبنهور وأعجبت كذلك بالشعراء الكبار أمثال امرؤ القيس والخيام والمتنبي وطاغور وايليا ابو ماضي وميخائيل نعيمة وعلي محمود طه و جبران خليل جبران ولها مؤلفات كثيرة،
(يا عيون النجوم؛ يا ورق الصفصاف؛
يا فتنة السكون وداعا
لن اغنيك بعد ليلي هذا
آن أن ينشر الزمان الشراعا
والشاعرة  (رباب الكاظمي) أيضًا عاشت المحورين الدلال والبؤس فهي ابنة الدلال وحيدة لذويها ، فجميع الأبناء ماتوا، وهي ابنة العوز والفقر والحرمان أديبة درست الطب وفي محور الرأي النقدي فهي شاعرة لها قدرة وفاعلية فنية بأعلى الصور لكنها بخيلة على الشعر فهي مقلة انصرفت إلى الطب وشؤونها وهذا القليل يمتاز بجزالة اللفظ وقوة المعنى
( أنا رباب الشاعرة
إلى الأمام سائرة
بالعلم أدرك المنى
والجد والمثابرة)
وطرقت أغلب أبواب الشعر ومحور الألم الذي برعت فيه الشاعرة (عاتكة وهبي الخزرجي )وهي يتيمة أب ومع هذا نشأت في بيئة ذات ثقافة عالية حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من مصر، أما الرأي النقدي( في شعرها نزعة تقليدية وتأثير بالمتنبي والطابع القصصي متأثرة بالرصافي وانعكس ذلك في شعرها، قوة المعنى وترابط الأبيات وانسجامها
(أما هواك فلست من أنساه 
يومًا إذا نسي المحب هواه
أبدًا أراه تعير بين جوانحي
حبًا لأن جوانحي مأواه
أفنى به وكأنني أحيا به
فامر حبك كان لي أحلاه
اواه لو تدرين ما فعل الجوى
بحشاشة عزت عليها الاه
يدري الورى خبري ولا من لائم
هواك ما يدعو إليه الله
فاذا قضيت هوى فخير شهيدة
ماتت ولكن منك يا أماه)

(بلبلة العراق) هو اللقب الذي أطلق على الشاعرة (أميرة نور الدين) وهي ابنة ( نور الدين داوود ) صاحب جريدة النداء البغدادية التحقت بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، ومارست نشاط أدبي سخي، و لها روح اجتماعية، واطلاع  واسع بالعروض ،كثيرة الإنتاج متأثرة جدًا بالمتنبي لتقارب الصياغة، كتبت عن فلسطين مثلًا
(أمست تبث لنفسها أحزانها
حيرى تقلب في لظى نيرانها
سهرت أنام الكون إلا أنجما
كانت لها في الحسن من ندمانها
شربت دموع المقلتين بكأسها
خمرا وكان الدن في اجفانها)
والشاعرة (فطينة النائب )شاعرة نابغة تنشر قصائدها باسم (صدوف العبيدية ) اقعدها أبوها البيت فعاشرت القراءة وجدها أعادها لمقاعد الدراسة
(ظلام حالك مسدول
حول القلب والعين
وروح حائر متبول
بين الشوق والبين
فؤاد فاقد المأمول
مكبول الذراعين
كطير في دج المجهول
مقصوص الجناحين)
أما الشاعرة ( لميعة عباس عماره) ذاقت مرارة اليتم والفقر وأكملت دراستها في بغداد ،عينت معلمة فتركت الشعر لقسوة الظروف وعادت بعد حين

تأثرت بايليا أبو ماضي وعندها الجرأة والتحرر من القيود
(سأهواك حتى تجف الدموع
بعيني وتنهار هذه الضلوع
ملأت حياتي فحيث التفت
اريج بذكرك منها يضوع)

ليس من السهل تحديد المقدرة على الإبداع إلا من خلال الإنجاز وما تركه المبدع من سيرة ومنجز و الشاعرة (مقبولة الحلي) تعد من شباب الطليعة الواعية دخلت كليه الملكة عالية ببغداد واتخذت فرع الآداب مقعدًا فأولعت  في الشعر، وأما التقدير النقدي( شعرها متين الأسلوب قوي المعنى تنوعت الأغراض الشعرية سخرت قصائدها بالشعر والوجدان
(ولا خطوه الفجر لما استفاق
ولا نسمة الصبح لما صحا
خبرت على رائشات الأسى 
فما أفدح الصبر ما أفدحا
تعال فقد ظمأ الملتقى 
الينا وروض المنى صوحا)
وحين يتفاعل الوجدان مع روحية الإنسان مع الواقع، فمن المؤكد أن يكون التأثير له مكمنه السلوكي، لكن هناك من يتحدى الألم وكل ظروف الحياة، والشاعرة (باكزة أمين خاكي) تحولت رغم ألم الفقد واليتم  إلى فرح غمر القصيدة بالبشر ، تحدت الحزن وغلبته لهذا أطلق عليها ( الشاعرة المرحة) تأثرت في الشاعر علي محمود طه المهندس وفدوى طوقان والخيام وأحمد رامي وغيرهم وحديث عن الدمعة
(دمعتي)
دار جدل حول الدموع فقال فريق (إن الدموع سلاح تستعمله المرأة لتستدر عطف الرجل) فقلت :ـ الدموع أغلى من أن تستعمل كسلاح لهذه الغاية
من أين جئت أنت يا دمعتي
هل من فؤادي ذلك الموجع
أم قد حبست تحت آه وقد
أرسلت تلك الآه للمسمع
إني أراك قد ظللت الهدى
كالطفل في مسعاه لم يردع)
 للبيئية تأثير على الشاعر كما للبيت والحياة العائلية قدرة تعزيز الشعرية، وقد تتحطم الكثير من أمور الجسد لكن قوة الروح عمق وجدان الشاعرة .
( ابتهاج عطا امين ) هي ابنة الوزير الحكيم وسفير العراق في باريس لفترة ،ترك أبوها العائلة وتزوج بأخرى وفي تلك الفترة أعتمرها الحزن أصيبت بداء عضال في إحدى عظام الساق ،وهذا الأثر ترك في مشيتها خللا، عكفت على المطالعة والدرس تخرجت من دار المعلمين العالية، أما الاثر النقدي فقد كان راية أن شعرها عفوي الخاطر وهي ذات شاعرية جياشة
(إلى التي قالت؛ــ أشهد يا ليل لقد وعت حنيني)
هل تعي النسمة إذ تنهي كلامي
ربما تنكر أشجاني فتمضي في ملامي
ربما تحملها للموجة الغرقى بأحضان الظلام
وداعًا يا حنيني ٠٠٠٠ وداعًا يا غرامي)
توصلت الدراسات الحديثة إلى إن الضغوط النفسية لها علاقة وطيدة بأبداع الوجدان عند الموهوبين لذلك يعد الأثر النفسي من أهم مقومات الجمال والبقاء والشاعرة ا(سهام القنديلجي) مشكلتها الحياتية جعلت منها شاعرة يائسة من الحياه تنقلات عائلتها بين العزيزية وبغداد، وفي دار المعلمات الأولية كانت رئيسة المكتبة نازك الملائكة سهلت لها سبيل المطالعة الخارجية لكنها لم تكمل دراستها كتبت لنفسها (وما البشر إلا سخرية لهذه الحياة ؛تعذبه متى تشاء وتسعده متى تشاء ؛وما على البشر إلا الصبر والتأني وما لهذا الصبر من نتيجة أو حل) 
(خلوت بنفسي اناج السماء
                                       قبيل السحر
ونور الكواكب ملء الفضاء
                            ونور القمر
يفيض على الكون منه السنا
                             فيحلو الغنا
تطلعت نشوى اناغي المنى
                         ويرنو المطر
إلى عالم فاض فيه الصفاء
                          وطاب الهوى
ورق النبات جميلا الرواء
                        هام الشجر
(هذه السياحة منحتنا الرؤية الواعية عن البعد الجمالي لشاعرات العراق ،أجد لابد من التذكير بأن هذا الكتاب صدر عام 1955م وما زال حيا نابضا بالحياة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/02/17



كتابة تعليق لموضوع : سياحة في كتاب/شاعرات العراق المعاصرات/للدكتور سلمان هادي آل طعمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net